عن دراما رمضان - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن دراما رمضان

نشر فى : الجمعة 24 يوليه 2015 - 8:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 24 يوليه 2015 - 8:50 ص
حجم الإنتاج الدرامى فى رمضان فى مصر لا يمكن قياسه بأى فترة زمنية على مدى العام، حيث يحشد صناع الدراما كل طاقاتهم لإخراج أعمال جديدة تحظى بنسب مشاهدة عالية خلال الشهر الفضيل الذى تجتمع فيه الأسرة المصرية وتلتف حول التلفاز بمعدلات أكبر من كل شهور السنة، خلال السنوات الماضية ورغم زحام المسلسلات وتداخل مواعيد العرض كانت هناك دوما عدة مسلسلات تلفت انتباه الجمهور وتثير فضوله لاستكمال المشاهدة وكان بعضها يثير بعض الجدل المحدود، أما هذا العام فقد نجحت بعض المسلسلات فى إثارة جدل واسع وفتحت الباب لنقاشات ممتدة حتى الآن، منها ما هو موضوعى ومنها ما ابتعد كثيرا عن الموضوعية وبات يندرج تحت جو الألتراس الفنى تجاه أبطال العمل ومنتجيه.
***
يمكن ملاحظة سمات مشتركة غلبت على كثير من الأعمال فى رمضان منها :

أولا: تقديم صور سلبية للرجل والإمعان فى رسم شخصيات مشوهة تلقفها الجمهور النسائى الذى يعانى من مشاكل مع الرجال وتعامل معها بروح التعميم والتشفى حتى أن بعض التعليقات النسائية كانت تشكر بوضوح كُتاب العمل ومخرجيه على أخذ حقهم من الرجال (على حد تعبيرهن ).

ثانيا: التوسع فى تناول العلاقات المحرمة والآثمة شرعا وعرفا، لدرجة تشيع جوا من التطبيع النفسى التدريجى مع هذه العلاقات الشاذة مع غلبة روح التماس أعذار ومبررات تخفف من كارثية هذه العلاقات وتحاول تقديمها للجمهور فى صورة حالات اضطرارية أو ردود أفعال أو احتياجات نفسية طبيعية وغيرها من المبررات التى لا يمكن قبولها إزاء كارثية تقديم هذه العلاقات المحرمة دون اتزان فى تقديمها وأيضا دون تشنج أو وعظ أخلاقى مباشر.

ثالثا: غلبة الانتماء السياسى والايديولوجى للمؤلفين على الموضوعية عند تناول أحداث تاريخية سواء أكانت قديمة نسبيا مثل العصر الملكى وحركة 23 يوليو 1952 أو حديثة مثل أحداث ثورة يناير التى صرنا نرى كل عام أكثر من عمل فنى يتم توظيفه للهجوم عليها والتشكيك فيها سواء أكانت النية هى التقرب للسلطة أو عن قناعة حقيقية وموقف شخصى مضاد لها من قبل فريق العمل.

رابعا: الاستسهال فى كتابة التاريخ، على طريقة قراءة رواد المقاهى، للأحداث العميقة حيث غلب التسطيح وتناول الاحداث دون تدقيق علمى وموضوعى من قبل المتخصصين وهذه خطيئة فنية وتاريخية خاصة فى ظل سهولة الأمر الآن وإمكانية التحقق من الأحداث بشكل دقيق بدلا من القصص السماعية الساذجة عن أحداث تاريخية كبرى.

خامسا: غلبة الاهتمام بالصورة البصرية عن المضمون والمحتوى حيث أبدع أغلب المخرجين فى صناعة صور بصرية مبهرة من حيث أماكن التصوير والاضاءات والديكور بشكل عام كذلك اختيار الملابس لكن على الرغم من نجاحهم فى ذلك فالمعادل الفكرى لم يكن بنفس القوة.

سادسا: تسلل الألفاظ الخارجة فى حوارات الممثلين إلى أغلب الأعمال الفنية حيث صار من المألوف استخدام شتائم ومفردات لم يكن مسموحا بها قبل ذلك، ولم يبدأ هذا فجأة بل هو استمرار للظاهرة التى بدأت قبل أعوام ويتم تبريرها بأن هذه صارت اللغة الدارجة للمجتمع ولابد من تقديم الفن المعبر عن حال المجتمع الحالى وتطوراته رغم ما به من قبح !
***
هذه إطلالة عامة لا يمكن تعميمها على كل الأعمال الدرامية التى شهدها شهر رمضان ولكنها حصيلة متابعة لعدد من الأعمال التى كانت محل نقاش وجدل. دراما رمضان تثير كثير من الأسئلة التى يجب فتح نقاشات مجتمعية حولها بين الجمهور وصناع الاعمال الفنية. هل دور الفن هو تقديم الصورة المثالية التى ربما لا تكون جزءا من الواقع؟ أم عليه الاشتباك مع الواقع وتفاصيله مهما كانت مرعبة وصادمة؟ لماذا نخاف من تعرية مجتمعنا وتناول سلبياته؟ وهل نقوم بهذا النقد الذاتى والمراجعة بشكل صحيح يقوم السلبيات أم يرسخها ويصنع حالة من التطبيع معها تساعد فى انتشارها على نطاق أوسع؟ كيف نحمى أطفالنا الذين يشاهدون هذه الاعمال رغما عنا من التأثر السلبى بمحتواها وهل هذه مسئولية الأسرة فقط أم صناع العمل الفنى؟
نحن أمام إشكالية معقدة بين الاشتباك مع الواقع والانفصال عنه والضحك على أنفسنا وطمأنتها بأن كل الأمور على ما يرام. نحن أمام دائرة ضيقة من الأفكار والتصورات التى تطرحها هذه الاعمال والتى لا تعبر إلا عن شرائح ضيقة من المصريين، أما غالبيتهم فهم الذين لا يعيشون فى تلك البيوت الفخمة ولا يرون هذا البذخ واذا حاول البعض تناول هؤلاء والاقتراب من واقعهم فى الحارة أو المناطق الشعبية والعشوائيات فإنه يقدم صورة فولكلورية مضحكة تشبه نماذج المحاكاة الفاشلة التى يقوم بها أبناء الأغنياء من باب المتعة والترفيه.
***

هناك جمهور مصرى عريض لا يوجد من يعبر عنه على شاشات الدراما. هناك جمهور مسكين يشمئز من المتاجرة بفقره ومرضه وبؤسه عبر إعلانات التسول المنهمرة. هناك فن ينتظره المصريون يعبر عن المأساة التى تعيشها مصر خلال الفترة الماضية. هل هناك من يمتلك الجرأة على أن يقدم عملا فنيا يحكى عن يارا سلام ورفيقاتها وعن معاناة أسر المعتقلين؟ هل هناك من يقدم عملا عن الانقسام الذى ضرب المصريين وأسبابه؟ ما زال أمامنا الكثير لنرى الفن الذى يعبر عن مصر الحقيقية.

عضو مجلس الشعب السابق
مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات