مهدى الحسينى.. رحيل واحد من البنائين - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مهدى الحسينى.. رحيل واحد من البنائين

نشر فى : الأحد 24 يوليه 2016 - 9:35 م | آخر تحديث : الأحد 24 يوليه 2016 - 9:35 م
بعد بداية الدراسة بعدة أسابيع، فى قسم النقد بمعهد الفنون المسرحية، عام ١٩٦٤، جاء طالب جديد، أثناء محاضرة للدكتور محمد مندور.. طرق باب غرفة الدراسة، فى الفيللا الأنيقة المجاورة لقصر عائشة فهمى بالزمالك، قبال انتقال المعهد إلى أكاديمية الفنون بالهرم، أحد منجزات ثروت عكاشة.. كنا فى السنة الأولى.. الدكتور مندور سمح للطالب بالدخول ابتسم له ابتسامة حانية، تأمله قليلا، رحب به على نحو يشى بسابق معرفة، جلس الوافد شاكرا فى أحد المقاعد الأمامية. تابع باهتمام، كلام الأستاذ عن الفارق بين الكلاسيكية والرومانسية والواقعية، بأنواعها المتعددة: المتشائمة، المتفائلة، الاشتراكية، النقدية.. حين فتح مندور، كعادته مجال الأسئلة والتعليق، طلب الوافد الكلمة، لفت الأنظار بحديثه عن رواية «الأم» لمكسيم جوركى، وكيف أنها تتضمن طاقة ثورية، فضلا عن أنها تدعم ثقة الإنسان فى نفسه، بدا مندور راضيا عن تلك الإشارات، برغم أنه علق، بمحبة قائلا«مابلاش.. أنت خارج توا».

لاحقا، عرفنا مغزى كلمات الأستاذ، وسر ابتسامته الحانية.. الطالب الجديد، مهدى الحسينى، قادم من قلب المعتقلات. زج به منذ العام ١٩٥٩، حيث التحق بالمعهد، لم يكن تجاوز الثامنة عشرة من عمره، ولأن الدكتور مندور، ليبرالى أصيل، جرب حياة السجون، عدة شهور، فى أواسط الأربعينيات، لذا أصبح فى المنطقى أن يتعاطف مع شاب، قضى عدة سنوات، وراء الأسوار، فى مستهل حياته.

مع الأيام، توطدت علاقة مهدى الحسينى بالجميع، ذلك أنه من النوع الخدوم، لا يتردد لحظة فى تقديم المساعدة، لكل من يطلبها أو لا يطلبها.. تمتع بنوع فريد من الصلابة الداخلية، فضلا عن إرادة قوية، جعلته يقهر متاعبه الصحية، المرة تلو المرة، وأن يعيش حياة مستقلة معتمدا على دخله البسيط، من أجر خواطر صباحية متفائلة، يكتبها للإذاعة، مع مقالات يكتبها هنا وهناك.. الأهم، أنه لم يتوقف لحظة عن «الثقافة» ليس بمعنى تنمية معارفه وحسب، بل بالمساهمة الفعالة فى الحركة الثقافية، سواء بعقد ندوات، أو تكوين فرق مسرحية أو إقامة دورات تدريبية، أو بمراجعة سيناريوهات، وعروض غنائية، استعراضية، باحثا، مؤكدا، مصرية الطابع المستوحى من الإنجازات الشعبية، فى الصعيد، والدلتا.

مصرية مهدى الحسينى ليست نزعة منغلقة على ذاتها، لكنها منفتحة على قضايا الوطن العربى، فبعد حرب ٦٧، كون مع عبدالعظيم عويضة، وعادل كامل «كورال الطليعة» معتمدا على قصائد محمود درويش، توفيق زياد، سميح القاسم.. جاءت الأغنيات بعيدة عن الأداء الحنجورى للأناشيد الوطنية، متحاشية قرع الطبول، وطنين الآلات النحاسية.. تعتمد على التناغم الصوتى للمجاميع، بمصاحبة «بيانو» أو آلة موسيقية واحدة.. «كورال الطبيعة» طاف العديد من مدن مصر، أحدث نورا فى ليل الهزيمة.

تخرج مهدى الحسينى فى المعهد ١٩٦٨، عين فى رعاية شباب جامعة القاهرة، ساهم بفاعلية فى النشاط المسرحى بالكليات.. لكن مع بداية السبعينيات، مع انتفاضات الطلبة المتوالية، يتم القبض عليه أكثر من مرة.. فى إحداها، زعمت السلطات أن سبب المظاهرات يكمن فى ذلك الموظف «المندس» المثير للفتن طبعا، الاتهام مثير للسخرية، التندر، خاصة أنه أطلق سراحة من دون محاكمة أو تحقيق أو تعويض.

الأجواء العامة، القائمة، فى ظنى، بالإضافة للحالة الصحية، جعلت مثقفنا النابه عصبيا، غضوبا، خاصة حين يتفاجأ ببعض من ساعدهم، مساهما فى تدعيمهم، يقفزون فى المركب الصعب، متنكرين له.

واصل مهدى كتاباته النقدية، خاصة فى مجال المسرح.. مقالات فى العمق، تبين، برؤية واضحة، الخيط الأبيض والخيط الأسود، كما لم يتوقف لحظة، عن تقديم أفكاره للآخرين.. الكثير منهم يصرح بنزاهة أنه أغدق عليهم من عطاياه.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات