إهمال الأطباء - منى مينا - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إهمال الأطباء

نشر فى : الجمعة 24 أغسطس 2012 - 7:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 24 أغسطس 2012 - 7:35 ص

فى وقفة عيد الفطر زار سيادة وزير الصحة مستشفيين، مصطحبا معه كاميرات التليفزيون المصرى، انتظر معاليه مع مريض بالاستقبال لمدة ثمانى دقائق حتى جاء الطبيب، وانطلق بعد هذا التقصير الواضح يعلن أن إهمال لأطباء هو سبب التعديات التى يشتكون منها، وقامت الكاميرات التى اصطحبها سيادته بالمطلوب منها فى إذاعة هذا الكلام على أوسع نطاق.. وبعيدا عن أن هذا التصريح تحريضا واضحا وخطيرا ضد الأطباء، سيؤدى بالتأكيد إلى مزيد من التفاقم للظاهرة المرعبة للاعتداء على المستشفيات.. بعيدا عن ذلك يكشف هذا التصريح عن درجة عالية من عدم الإلمام بأسباب الاعتداء على المستشفيات، وعدم معرفة لظروف عمل الأطباء.

 

•••

 

الحقيقة أن عددا كبيرا من التعديات على المستشفيات، تحدث كاستكمال لمشاجرات بين الأهالى تبدأ خارج المستشفى، حيث أصبحت المستشفيات ساحات مفتوحة للمعارك نتيجة لإضراب الأمن عن القيام بعمله، وعدد آخر من التعديات يحدث عندما يعلن الطبيب عن وفاة مريض، وعندما يقرر الطبيب تحويل حالة تستحق التحويل، أو عندما يرفض تحويل حالة لا يرى أنها تستحق التحويل، وتحدث التعديات عندما لا يجد المريض مكانا بالعناية المركزة أو بالحضانة، أو عندما يطلب منه دفع مقابل للخدمة الصحية فى المستشفيات الحكومية، ويكون هذا المقابل أكبر من قدرته، أو عندما يطلب منه الطبيب شراء مستلزمات العلاج من خارج المستشفى، باختصار يحدث الاعتداء لأسباب عديدة تكشف عن ضعف إمكانيات المستشفيات، وعدم رضا المواطنين عن الخدمة الصحية، وبل انعدام ثقتهم بالكامل فى الأطباء والمستشفيات الحكومية.. ولكن هل معنى كلامى أنى أنفى نفيا كاملا تهمة الإهمال عن الأطباء؟

 

للأسف أنا لا أستطيع أن أنفى تهمة الإهمال عن بعض الأطباء، ولكن إذا كانت الزيارات المفاجئة للمستشفيات جزءا من خطة يراد منها النهوض بالمستشفيات، وليس مجرد تقديم كبش فداء للرأى العام الغاضب من المستوى البشع للعلاج المجانى فى المستشفيات الحكومية، إذا كان الإصلاح هو الغرض، وجب علينا تفهم الظروف التى تؤدى لتدهور الخدمة الصحية، وإصلاح الخلل فيها، حتى يكون لعقاب المخطئ مردود إيجابى، وليس مجرد تفريج مؤقت للسخط.

 

•••

 

لذلك سأسمح لنفسى أن أوضح لمعالى وزير الصحة، بعض تفاصيل عمل الطبيب فى وزارة الصحة.. نوبتجية الطبيب بالاستقبال أو بالعناية المركزة، 12 ساعة فى بعض المستشفيات و24 ساعة فى مستشفيات أخرى، فهل يمكن لأى إنسان أن يمضى 24 ساعة يعمل بصورة متصلة؟! أم أن طول فترة النوبتجية معناه أن هناك موافقة ضمنية على فترات للراحة والأكل تتخلل وقت النوبتجية؟! عموما هذه المشكلة يمكن حلها ببساطة إذا تم تحديد ساعات النوبتجيات فى أقسام الطوارئ بست ساعات أو ثمانى ساعات حد أقصى، حتى نستطيع إلزام الطبيب بقضاء فترة النوبتجية كلها واقفا فى مكان عمله، دون أن يحتاج لفترات راحة بسكن الأطباء.

 

أما المشكلة الأهم من ذلك فهى طريقة تعامل الأطباء مع المرضى، حيث إن الكثيرين منا يتعاملون بفتور، أو بجفاء مع مريض يحتاج كجزء أساسى من العلاج أن يشعر باهتمام الطبيب وتعاطفه، حتى يثق أن طبيبه يعطيه العلاج الأمثل.. وسأحاول هنا أن أشرح للمواطنين ولمعالى الوزير، وضع هذا الطبيب حتى نستطيع أن نقيمه تقييما أمينا قبل أن ننصب له المشانق.

 

هذا الطبيب يا معالى الوزير يتقاضى 40 جنيها فى النوبتجية الليلية (من 8 مساء إلى 8 صباحا) ويتقاضى حوالى 6 جنيهات فى النوبتجية النهارية (من 8 صباحا إلى 8 مساء)، فى حين أن الشغالة المنزلية تتقاضى فى تنظيف المنزل الذى يستغرق 6 ـ 8 ساعات عمل نهارية، حوالى 60 إلى 100 جنيه، حسب الحى الذى تعمل به.. وهذا الطبيب يتقاضى بعد 7 سنوات دراسة راتب 250 جنيها، ويتقاضى حوافز تصل إلى 600 جنيه بالقاهرة، و800 بالوحدات الريفية، وحوالى 1500 جنيه بالمناطق النائية والحدودية.. طبعا انتظام صرف الحافز هذا فى علم الغيب، والبحث عن الحوافز المتأخرة يقتضى رحلات مكوكية عديدة بين الإدارة والمديرية والمالية!

 

هذا الطبيب يا معالى الوزير يطلب منه دفع مصاريف سنوية لدراسة الماجستير حوالى 2000 جنيه للعام الدراسى الواحد، وبعد أن يحصل على الماجستير ويصبح أخصائى ملء السمع والأبصار، يتقاضى أجرا لا يصل بحوافزه ونوبتجياته ـ إذا تم صرفها ـ إلى أجر أمين الشرطة!

 

هؤلاء الأطباء يا معالى الوزير يملأهم إحساس بالمرارة نتيجة للظلم الواقع عليهم، الحقيقة أنه من المستحيل أن تتوافر للأطباء القدرة على التعامل بصبر وحكمة وتفاؤل مع مرضاهم، وهم أنفسهم يعانون من إحباط وحالة نفسية شديدة السوء، لا يجد أغلبهم مخرجا منها إلا بالبحث عن فرصة سفر للعمل بالخارج.

 

•••

 

بعد كل هذا أحب أن يكون واضحا أننى لا أدافع عن الإهمال أو سوء معاملة المريض مهما كانت دوافعه، ولكنى أصر على أننا يجب أن نبدأ فى إصلاح حالة الفوضى والقذارة والعجز الفظيع فى إمكانيات المستشفيات، حتى تتحول المستشفيات لأماكن لائقة لتقديم خدمة طبية معقولة، وفى هذه الحالة فقط نستطيع معاقبة المقصر، وفى هذه الحالة فقط يكون العقاب جزءا من عملية الحساب والعقاب الضرورية للإصلاح، أما الآن فأنا لا أرى فى جولات سيادة الوزير وتوقيع بعض الجزاءات هنا أو هناك، سوى نوع من توجيه غضب المواطنين الحانقين على بشاعة حال المستشفيات، لينفجر فى وجه الأطباء، حتى لا يتحول هذا الغضب لمطالبات بإصلاح جذرى لسياسات الصحة الفاسدة التى طال تعذيبها لنا مواطنين وأطباء.

 

 

التعليقات