محاكم تفتيش بائسة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محاكم تفتيش بائسة

نشر فى : الإثنين 24 أغسطس 2015 - 6:05 ص | آخر تحديث : الإثنين 24 أغسطس 2015 - 6:05 ص

1. هى حالة سلطوية جديدة تلك التى يتصاعد ضجيجها يوميا فى مصر وتكتسب قوتها الظاهرية من هيستيريا تأييد القمع وتزييف وعى الناس لقبول المظالم وانتهاكات الحقوق والحريات، ومن تمرير قوانين وتعديلات قانونية استثنائية تختزل الدولة فى حاكم فرد وسلطة تنفيذية وتختزل المجتمع فى كتل سكانية يتعين إخضاعها لثقافة الخوف ومراقبتها لضمان عدم خروجها على الصوت الواحد والرأى الواحد المفروضين رسميا وفى مصالح اقتصادية واجتماعية ومالية إما متحالفة مع الحكم وإما معرضة للإقصاء وتختزل وجود المواطن إما فى دور داعم للهيستيريا يرحب به وإما فى وضعية قلق وخوف وتهديد دائم بالقمع، وتكتسبها أيضا من ترويج مقولات «البطل المنقذ» و«القائد المخلص» والقضاء على «أعداء الوطن من الخونة والمتآمرين» لتمرير حكم الفرد وتغول الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وفساد النخب الاقتصادية والمالية المتحالفة معها.

2. تغتال أوهام تغيرات إقليمية ودولية كبرى تعيد دفع بلادنا إلى مسار تحول ديمقراطى حقيقى حسابات العقل التى تثبت عدم اكتراث القوى الإقليمية وبعض القوى الدولية بأحاديث الحقوق والحريات، وتظهر ازدواجية معايير القوى الغربية وتقديمها المصالح الأمنية والاستراتيجية والاقتصادية والتجارية على كل ما عداها واحتفاءها بوعود السلطوية بالقضاء على الإرهاب وتحقيق الاستقرار والسيطرة على الهجرة غير الشرعية.

3. بل إن الأهم لجهة حسابات العقل هو التيقن من أن قيم سيادة القانون وتداول السلطة والتعددية وضمانات الحقوق والحريات لن تتطور مجتمعيا فى مصر أو تستقر مؤسسيا وسياسيا إلا فى سياق اختيار شعبى ركيزته كتل سكانية مؤثرة وقوى عمالية وشبابية ومهنية منظمة تستطيع أن تفرض على السلطوية ابتعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم واحترافية المؤسسات والأجهزة الأمنية وتطبيق مبادئ العدالة الانتقالية وقبول تداول السلطة دون حكم فرد أو أساطير أبطال منقذين، وتنجح فى الحفاظ على تماسك كيان الدولة الوطنية وفى دفع جهود التنمية المستدامة المعتمدة على المبادرة الفردية والقطاع الخاص وعلى اقتصاد المشروعات الصغيرة والمتوسطة وعلى استعادة مكانة العلم والعدل والحرية والمساواة، وتدير توافقيا التفاوض العام بشأن تحول آمن ومنظم نحو الديمقراطية قاعدته المشاركة وليس الاستبعاد أو العزل.

4. أخلاقيا وإنسانيا ومجتمعيا، ترتبط مسئولية المجموعات المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات وعلى نحو جوهرى بالعمل على بناء وعى بديل يباعد تدريجيا بين كتل سكانية مؤثرة وبين الوعى الزائف التى تروجه السلطوية الجديدة ويرتب إما تأييد المظالم والانتهاكات أو الصمت إزاءها، وبالاقتراب اليومى من الناس ومن همومهم الاقتصادية والاجتماعية دون يأس بسبب هيستيريا السلطوية الجديدة التى تحيط بهم أو استعلاء زائف باسم «القيم السامية التى لا ترغب الجماهير فى تبنيها»، وبتوثيق وكشف المظالم والانتهاكات المتراكمة والتضامن مع الضحايا والمطالبة بالمساءلة والمحاسبة دون تبرم من المحدودية الحالية لفرصهما الواقعية، وبالتفكير المنظم فى قضايا وتحديات وأزمات «ما بعد السلطوية» التى مهما اكتسبت المزيد من مكونات القوة الظاهرية مآلها الخواء وغياب المضمون الدائمين ثم الانهيار بفعل واقعها الردىء تناقضاتها الحادة مع بحث الناس عن العدل والحرية والمساواة والسعادة والجمال.

5. أخلاقيا وإنسانيا ومجتمعيا، ترتبط مسئولية المجموعات المدافعة عن الديمقراطية باحترام الاختيارات المتضاربة للمنتسبين إليها دون استعلاء أو ادعاء احتكار الصواب الكامل والحقيقة المطلقة. لسنا فى وارد التورط زيفا باسم الديمقراطية فى محاكم تفتيش متهافتة على الضمائر والنوايا والأهداف لمن يكتبون ولا يعملون على الأرض حقوقيا وتنظيميا أو العكس، ولا لمن يريدون بناء الوعى البديل بعمل حقوقى وإنتاج فكرى وثقافى وأدبى ومعرفى من الداخل أو من الخارج، ولا للباحثين عن إقناع بعض عناصر نخب السلطوية الجديدة ومؤسساتها وأجهزتها النافذة بحتمية التحول الديمقراطى وتداول السلطة كمدخل للتغيير أو لغيرهم من الرافضين قطعيا لمثل هذه الأفكار. فقط المساءلة والمحاسبة عن المظالم والانتهاكات وتطبيق مبادئ العدالة الانتقالية وجبر الضرر عن الضحايا هى التى لا تقبل الاختلاف أو التجزئة.

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات