التعصب - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التعصب

نشر فى : الأربعاء 24 أغسطس 2016 - 9:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 24 أغسطس 2016 - 9:20 م
رواية «الساعة الخامسة والعشرون»، لوكنستانتان جيورجيو، من الأعمال الأدبية التى خلبت جيلى فى الستينيات من القرن الماضى، التهمنا صفحاتها أكثر من مرة، كل منا وجد فيها جانبا فتانا ترك فيه أعمق الأثر.. أحداثها تدور إبان الحرب العالمية الثانية، بدواماتها التى تبتلع فى جوفها ملايين الأبرياء.. بعد عقود طويلة من قراءتها، تطفو إحدى حوادثها إلى الذاكرة، من دون استدعاء، ربما لأن واقعة ما، فى الحاضر، تطابقت على نحو ما، بما جاء فى الرواية العظيمة، أو على الأقل، لها علاقة بما يحكيه جيورجيو.

بطل الرواية، ايوهان موريتز، المولود فى رومانيا، بعد سلسلة من أحداث عاصفة، يجد نفسه معتقلا فى ألمانيا، يعانى الجوع، يحدق به الموت.. لكن، أحد أساتذة علم الأجناس يلتقطه، يرى فيه نموذجا للجنس الآرى، ينقله من حال لحال، يشرح فى محاضراته المعالم المميزة لذلك الجنس المتفوق، الجدير بالقيادة والهيمنة على العالم: الرأس المثلث، قاعدته أعلى الرأس. ذقن مدببه، أبيض البشرة، فم قوى الأسنان، جسم معتدل القوام.. إنه، نموذج النازى كما يجب أن يكون.

ما جعلنى أتذكر ذلك الموقف الروائى، تلك الشذرة السريعة، ضمن برنامج عن معالم باريس، فى قناة «فرانس ٢٤»، تعرضت فيه المذيعة، على استحياء، إلى جانب مظلم فى مدينة النور، يتمثل فى «حديقة باريس الاستوائية، التى لم تختص بالنباتات والطيور والحيوانات وحسب، بل بالبشر أيضا.. أبناء المستعمرات الفرنسية، تم اصطيادهم من أفريقيا، فرادى ومجاميع، يوضعون خلف أسوار وقضبان حديدية، يطلب منهم عدم التحدث بالفرنسية التى يجيدها البعض.. النساء تعرى ثُدِيَّهن المترهلة، ثمة بعض المستنقعات، مع إجبار الجميع على أكل اللحم نيئا، إثباتا بأنهم من آكلى لحوم البشر.

فرنسا الاستعمارية، أرادت إقناع أبناء وأحفاد الثورة الفرنسية، أن ما تقوم به، خلف البحار، يدخل فى باب نقل الهمج، إلى مشارف التحضر.

لم تكن فرنسا وحدها هى التى اخترعت عار «حدائق الحيوان البشرية»، ذلك أنها ظهرت فى معظم الدول الاستعمارية، إيطاليا، إنجلترا، بلجيكا، الولايات المتحدة الأمريكية.. كلها، وضعت وراء أسوار الحدائق السود الأفارقة، مع ولع خاص بالأقزام، الهنود، التتار، مع كل من اختلفت هيئته عن الرجل الأبيض، رسول المدينة إلى القابعين فى أركان التخلف.

المشوهون، من «الحيوانات البشرية»، كانوا أكثر حظا، أو أقل تعاسة، من الأسوياء، ذلك أن أصحاب «السريكات» وجدوا فى ذوى الرءوس الصغيرة، والأرجل القصيرة، الضامرة، والأجسام الملتصقة، مادة جذابة للتسلية والفكاهة.

هذه الممارسات العنصرية، استمرت حتى الثلاثينيات من القرن العشرين، أى استمرت إلى ما يقرب من قرن أو ثلاثة أرباع القرن.. من حسن الحظ أن اختراع السينما أمسك بتلابيب تلك الممارسات الشائنة، فسجلت، فى شرائط وثائقية، الرجال، بكروشهم المنفوخة، بقبعاتهم، عصيانهم، يشاهدون، مع زوجاتهم المتأنقات، بدهشة واستمتاع، العراقة، من أطفال ونساء ورجال، خلف الأسوار.. تلمح، فى هذه اللقطات، عيون الأسرى تفيض باليأس.. من أجل تأكيد وحشية النزلاء، تعمد أصحاب الحدائق، وضع كمامات من الحديد، حول النصف السفلى من وجوه الرجال، خوفا على المشاهدين.. إنها ذات الكمامة التى طالعنا بها، آكل لحوم البشر، هانيبال ليكتير «أنتونى هوبكينز»، فى «صمت الحملان» لجوناثيم ديم ١٩٩١.

وجدت «حدائق الحيوان البشرية» من يهاجمها، أفرادا، جمعيات، صحافة، أقيمت ندوات، خاصة من اليسار الأوروبى، مع الكشف عن جذورها المتعصبة، بصفاقتها، غرورها، زعمها أن الرجل الأبيض، بطبيعته، أكثر تحضرا عن غيره من ذوى الألوان الأخرى.. بينما هو، الأبيض، لم يلتفت إلى أن رعونة التعصب، ستقود بالضرورة، إلى اعتقاد الألمان، فى فترة ما، أن العرق الآرى، فوق الجميع، بما فى ذلك الرجال البيض، كما هو وارد فى «الساعة الخامسة والعشرون».
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات