وماذا لو أديرت الدولة بدون وزراء؟ - عمرو عبدالقوى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وماذا لو أديرت الدولة بدون وزراء؟

نشر فى : الخميس 24 سبتمبر 2015 - 10:25 ص | آخر تحديث : الخميس 24 سبتمبر 2015 - 10:25 ص

الاسابيع الماضية شهدت احداث مسلسل حاول الاعلام تصويره بالمثير والغامض، تدور احداثه حول تغيير الوزارة المفاجئ، كما لو كان فى الاسماء الجديدة التى ستتجلى عنها الحلقة الاخيرة من المسلسل الخلاص والرخاء لمصر!

فى احد التحقيقات الصحفية فى الايام الفائتة اشار المحرر إلى اننا استهلكنا «٤٠٠ وزير» فى فترة ما بعد الثورة. وحتى لو فيه بعض المبالغة فى هذا الرقم الا ان هذه المعلومة ليست بعيدة جدا عن الواقع اذا ما حصرنا عدد الوزارات الرسمى فى هذه الحقبة القصيرة والذى وصل إلى تسع وزارات شكلها سبعة رؤساء وزارة مختلفين وكل وزارة بها نحو خمسة وثلاثون وزيرا.

بعد هذا الاستهلاك السريع للمركز والشخصيات ليس عجيبا اليوم ان يجد رئيس الوزراء المكلف صعوبة فى العثور على وزراء بالكفاءة والخبرة المطلوبة يقبلون بالتكليف … ومن ثم نجده مضطرا لإعادة تدوير بعض الاسماء السابقة!

هل بعد كل هذا التنوع فى الوزراء ورؤساء الوزراء، ومع استمرار نفس المشكلات والشكاوى التى يعانى منها المواطن منذ اكثر من اربعة عقود بدون أى تغيير نوعى يشير إلى انتقال أى منها إلى طريق الحل المستدام، هل بعد ذلك مازال الشعب المصرى يصدق ان تغيير الوزير أو حتى الوزارة سيجلب عليه التغييرات والاصلاحات التى يحلم بها؟ … اشك!

يجب ان نواجه هذا السؤال بشىء من الجدية، لأنه من غير المنطقى ان يستمر المرء فى تكرار نفس الخطأ بنفس الطريقة ويتوقع ان تتغير النتيجة فى مرة من ذات المرات. منظومة ادارة الدولة، وبالتالى المنظومة الوزارية برمتها لم تتغير بأى صورة جوهرية فى العقود الخمسة السابقة، حتى بعد الثورة. مازالت المنظومة مركزية لا تترك مجالا كبيرا لاستقلالية قرارات الوزير أو المدير (راجع «بناء على توجيهات الرئيس»).

ما هو التوصيف الوظيفى للوزارة، وبالتالى للوزير؟ وضع استراتيجيات وخطط لتطبيقها والادارة السياسية لتحقيقها، ام تنفيذ ومتابعة مشاريع تلك الخطط على الأرض؟ طبقا للغموض المعهود عندنا نطالب بالاثنتين معا، وبالتالى نكون قد نصبنا الفخ لكل وزير يقبل بهذا التكليف، فهو (او هى) لن يستطيع تحقيق الاثنين ولذلك يصبح مصيره مرهونا بالقبول العام له: القبول من الصحافة، أو من زملائه، أو من رؤسائه، أو اخيرا من موظفيه ــ الشعب فى ذيل القائمة لأنه عادة غير راضٍ عن الكل!

هل اعتمدنا الفشل فى التغيير الحقيقى وبالتالى اصبح التركيز على تجهيز كبش فداء عندما يستفحل الفشل؟

مشاهد اختيار الوزارة

عملية اختيار الوزارة فى مجملها تظهر بوضوح اولويات الادارة الحاكمة، فنرى المشاهد التالية:

المشهد الاول ــ فيما يخص التعليم:

مع فوز عالم مصرى بجائزة نوبل تقرر الدولة ان اهمية البحث العلمى تستدعى وزارة خاصة، وبعدها بفترة ولأننا لم نتوفق فى وزير مناسب يتم اعادة دمج الوزارة فى وزارة التعليم العالى، وكنا قد قررنا فصل التعليم العالى عن التربية والتعليم الذى يغذيه (كأن السياسة التعليمية للدولة يمكن تجزئتها). واخيرا نعترف ان المنظومة التعليمية فشلت فنقوم بتجزئتها مرة اخرى بإنشاء وزارة للتعليم الفنى بحيث يصبح هناك اربعة وزارات معنية بالتعليم، إلى جانب بعض الهيئات التابعة لمجلس الوزراء لتعاملها مع اكثر من وزارة، ثم مجلس استشارى رئاسى لتطوير التعليم (بما اننا لا نتوقع فلاح الوزارات الاربع فى تحقيق التطوير!) ثم نعيد دمج الوزارتين بعد عام واحد لسبب غامض!

المشهد الثانى ــ فيما يخص العمران:

الدولة توجه اهتماما كبيرا إلى حل مشكلة العشوائيات والنسيج الحضرى المتدنى، ولذلك يتم انشاء وزارة للتطوير الحضرى والعشوائيات … وبعد عام فقط وبدون مبررات واضحة تقرر الدولة ضم الوزارة الوليدة لوزارة الاسكان، التى تسببت فى المشكلة اصلا على مدى العقود الماضية. (راجع نفس المشهد فى موضوع السكان والصحة اللتين يتم فصلهما ثم دمجهما «وزارة آه ووزارة لأ»، ومشكلة الزيادة السكانية مستمرة بنفس المعدلات).

وزارة الاسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية هو المسمى الحالى للوزارة التى تسلمت مسئولية التطوير الحضرى والعشوائيات. علما بأنه مع بداية القرن كانت قد قررت وزارة الثقافة ان الوزارة القائمة على الاسكان غير قادرة على ادارة واقع حضرى متسق فاستخرجت قرارا جمهوريا بإنشاء جهاز للتنسيق الحضرى ليقوم بالتعامل مع الواقع الحضرى بمفهوم اعمق من كونه مشكلة انتاج مكعبات خرسانية كافية لإسكان البشر.

من الضرورى ان نمعن بعض الشىء فى هذه المسميات لدلالتها على الأسس التى تقوم عليها قرارات انشاء والغاء وزارات. فهذه الوزارة مثلا تغيير اسمها عدة مرات منذ ثورة ٥٢ مع تغيير اولويات الدولة فى تحديد «المشكلة» الراهنة التى يجب التركيز عليها، أى ان الوزارة تخلق لحل مشكلة! كما حدث مع العشوائيات والتعليم الفنى.

لعبة أسماء

اذا رجعنا إلى ما قبل عام 1956 فقد كانت هناك وزارة واحدة للأشغال تعنى بكل ما هو أشغال عامة. ولكن نظام الحكم الاشتراكى الجديد قرر أن الدولة عليها أن تتولى مسئولية إسكان الشعب لذلك غيرت اسمها فى عام 1964 إلى وزارة الإسكان والمرافق. ثم فى عام 1978 تم تقسيم الوزارة إلى وزارتين، واحدة للإسكان وواحدة للتعمير والمجتمعات العمرانية الجديدة. وفى التسعينيات اعيد دمجهما فى وزارة واحدة. قبل ان يتم تغيير الاسم إلى ما هو عليه الآن، لنقوم بفصل التطوير الحضرى والعشوائيات فى وزارة يتم دمجها بعد عام فى نفس وزارة الاسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية!

من الواضح ان لعبة ربط أسماء الوزارات بتعريف المشكلات الراهنة مستمرة وكأن تسمية الوزارة هو الدليل على وجود المشكلة على اجندة الدولة. ولكن هل نتج عن كل هذه التغييرات فى الوزارات والوزراء المتلاحقين أى تغيير أو تطوير نوعى فى مشكلة من المشكلات الآتية:

الاسكان ــ مازال العجز يفوق الطلب والوعود ببناء مليون وحدة متكرر ولا يواجه جذور المشكلة التى اصبحت تعيق التطوير البشرى لهذا المجتمع.

المرافق ــ مشاكل شبكات المدن مزمنة والهالك فيها يفوق كل النسب المقبولة، اما القرى فمازال الكثير منها يفتقد لأى مرافق، إلى جانب سباحة الكثير منها فى بحور مياه جوفية أو مجارٍ.

المجتمعات العمرانية الجديدة ــ رغما عن مرور ما يقرب على اربعة عقود من عمر اقدمها الا انها مازالت اشباه مدن تعمل بمبادئ السمسرة العقارية اكثر من مبادئ التطوير والتنمية الحضرية المستدامة.

العشوائيات ــ تزداد مع كل وزارة حتى اصبح ما يزيد عن ٦٠٪ من سكان حضر مصر يسكنونها.

التطوير الحضرى

التنسيق الحضرى ــ استمرار هدم المبانى التراثية وتشويه الشوارع بتعديات فردية وحكومية، وعشوائية المبانى الحديثة دليل آخر على ان وجود العنوان والهيئة لا يعنى بالضرورة وجود منظومة للحل.

هذا ليس نقدا يستهدف رسم صورة قاتمة، ولكنه تصوير لواقع حضرى نعيشه جميعا ولا ننكره. الغرض من هذا الحوار هو الفصل ما بين عملية تشكيل الوزارة والارادة الحقيقية لمواجهة المشكلات … تشكيل الوزارة لا يمثل ارادة للحل، حتى وان حملت الوزارة نفس اسم المشكلة! تاريخ انجازات وزارات العقود الخمسة السابقة ظاهر امامنا فى الارقام الحالية لمستوى الفقر والأمية والتزايد السكانى والتخلف العلمى والتنافسية الصناعية الضعيفة والتدهور فى جودة حياة المواطن المصرى بصفة عامة، فهى نتاج تراكمى لقرارات الوزارات أو الحلول المزعومة خلال تلك العقود.

السؤال الآن هل مازلنا مصرين على تكرار نفس الأخطاء على أمل ان تتغير النتيجة؟

عمرو عبدالقوى أستاذ العمارة بالجامعة الامريكية بالقاهرة
التعليقات