الدروس المستفادة من تجربة ليبيا - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدروس المستفادة من تجربة ليبيا

نشر فى : الإثنين 24 نوفمبر 2014 - 8:50 ص | آخر تحديث : الإثنين 24 نوفمبر 2014 - 8:50 ص

نشر مركز بيلفر للعلوم والشئون الدولية، في مدرسة هارفرد كينيدى مقالا تحليليا للكاتب آلان كوبرمان يتناول الوضع الليبى منتقدا تدخل حلف شمال الأطلسى فى ليبيا. وأهم ما جاء فى المقال أن العديد من المعلقين أشادوا بتدخل حلف الناتو فى ليبيا عام 2011 بوصفه نجاحا للإنسانية فى تجنب حمام دم فى بنغازى، ثانى أكبر مدينة فى هذا البلد، والمساعدة فى القضاء على نظام معمر القذافى الديكتاتورى. ويدعى أنصار التدخل أنه يوضح كيفية النجاح فى تطبيق المبدأ الإنسانى المعروف باسم مسئولية الحماية؛ حتى أن ممثلى أمريكا فى التحالف عبر الأطلنطى أعلنوا أن «عملية الناتو فى ليبيا تعتبر بحق تدخلا نموذجيا». غير أن أى تقييم أكثر دقة، يكشف أن تدخل حلف الناتو أتى بنتائج عكسية: فقد ضاعف مدة الحرب الأهلية فى ليبيا بنحو ست مرات، وحصيلة الوفيات سبع مرات على الأقل، فى حين تفاقم أيضا الخطر على المدنيين. وزادت انتهاكات حقوق الإنسان والمعاناة الإنسانية، والتطرف الإسلامى، وانتشار الأسلحة فى ليبيا وجيرانها. فإذا كان هذا «تدخلا نموذجيا»، فهو نموذج للفشل.

•••

ويرى الكاتب أن الرواية التقليدية للصراع فى ليبيا وتدخل حلف الناتو مضللة من عدة جوانب رئيسية. أولا، خلافا لتقارير وسائل الإعلام الغربية، لم يبدأ القذافى العنف فى ليبيا عبر استهداف المتظاهرين السلميين. وقد سجلت الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية أن العنف بدأ بالفعل على أيدى المتظاهرين فى المدن الليبية الأربع التى بدأت فيها الحرب الأهلية فى منتصف فبراير 2011 وهي: بنغازى والبيضاء وطرابلس ومصراتة. وردت الحكومة على المتمردين عسكريا ولكن لم تستهدف المدنيين عمدا أو لجأت إلى القوة «العشوائية»، كما ادعت وسائل الإعلام الغربية.

وتقدم مدينة مصراتة، التى كانت أكثر المدن الليبية انخراطا فى القتال منذ البداية دليلا آخر على أن القذافى تجنب استهداف المدنيين. حيث تفيد تقارير هيومان رايتس ووتش بأن من بين 949 جريحا خلال الأسابيع السبعة الأولى من التمرد، كان هناك 30 مصابا فقط من النساء أو الأطفال؛ وهذا يعنى أن قوات القذافى ركزت بشكل محدد على المقاتلين. وخلال تلك الفترة نفسها، تم قتل 257 شخصا فحسب من بين سكان المدينة من البالغ عددهم 400 ألف، وهو دليل إضافى على أن الحكومة تجنبت استخدام القوة دون تمييز. وعلاوة على ذلك، لم يحدث القذافى «حمام دم» فى أى من المدن التى استعادتها قواته من المتمردين قبل تدخل حلف شمال الأطلسى.

وثانيا؛ من الخطأ التأكيد على أن الهدف الرئيسى لحلف الناتو فى ليبيا كان حماية المدنيين. حيث يتضح بالدليل أن الهدف الرئيسى لحلف الناتو كان قلب نظام القذافى، ولو على حساب زيادة الإضرار بالليبيين. فقد هاجم حلف شمال الأ طلسى القوات الليبية دون تمييز، بما فى ذلك بعض القوات المنسحبة وقوات أخرى فى مدينة سرت مسقط رأس القذافى، لم تكن تشكل أى تهديد للمدنيين.

والأكثر من ذلك، واصل الناتو تقديم المساعدة للمتمردين، حتى عندما رفضوا مرارا عروض الحكومة بوقف إطلاق النار التى كان من الممكن أن تنهى العنف وتنقذ المدنيين. وشملت هذه المساعدات العسكرية الأسلحة والتدريب، ونشر مئات من العسكريين القادمين من قطر، سرا، مما مكن المتمردين فى نهاية المطاف من القبض على القذافى وإعدامه بسرعة، والاستيلاء على السلطة فى اكتوبر 2011.

•••

وأكد الكاتب رأيه قائلا: عندما تدخل حلف شمال الأطلسى فى منتصف مارس 2011 كان القذافى قد استعاد بالفعل السيطرة على معظم ليبيا، فى حين أن المتمردين كانوا يتراجعون بسرعة نحو مصر. وبالتالى، كان الصراع على وشك الانتهاء، بالكاد بعد ستة أسابيع من بدايتها. وبلغت حصيلة الضحايا حوالى ألف قتيل، بمن فيهم الجنود والمتمردون والمدنيون الذين حوصروا فى تبادل إطلاق النار. من خلال التدخل، ساهم الناتو فى تمكين المتمردين من استئناف هجومهم الذى أطال أمد الحرب سبعة أشهر أخرى وتسبب فى زيادة الوفيات إلى ما يتجاوز سبعة آلاف شخص.

وكانت الانتخابات الديمقراطية فى يوليو 2012 أفضل تطور حدث فى ليبيا ما بعد الحرب، وصل بسببها إلى السلطة، حكومة ائتلاف علمانى معتدل، فى تغيير حاد عن أربعة عقود من دكتاتورية القذافى.

غير أن التطورات الأخرى، كانت أقل مدعاة للتفاؤل. فقد ارتكب المتمردون المنتصرون عشرات من عمليات القتل الانتقامية وطردوا 30 ألفا من السكان، معظمهم من السود، من سكان تاورجا على أساس أن بعضهم كانوا «مرتزقة» للقذافى. وكانت الجماعات الإسلامية المتطرفة، التى تعرضت للقمع فى ظل القذافى، قد ظهرت كأشرس المتمردين خلال الحرب ورفضت نزع سلاحها أو الخضوع لسلطة الحكومة بعد ذلك. وسلط الضوء التهديد المستمر من قبل هجوم سبتمبر 2012 على المنشآت الأمريكية فى بنغازى الذى قتل فيه السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة من زملائه. حتى الآونة الأخيرة، فى نيسان عام 2013، دمرت قنبلة سيارة نصف السفارة الفرنسية فى العاصمة طرابلس. وفى ضوء انعدام الأمن هذا، أعرب معظم الليبيين ما بعد الحرب عن الحنين إلى زعيم قوى مثل القذافى.

وأضاف كوبرمان؛ من بين البلدان المجاورة، عانت مالى وكانت فى السابق مثالا استثنائيا للسلام والديمقراطية فى المنطقة من أسوأ عواقب التدخل. فبعد هزيمة القذافى، فر جنوده الطوارق من أصل مالى إلى وطنهم وشنوا تمردا فى شمال بلادهم، مما دفع الجيش المالى لإسقاط الرئيس. وسرعان ما اختطفت القوى الإسلامية المحلية والقاعدة، وفرضت الشريعة وأعلنت مناطق الشمال الواسعة دولة مستقلة. وبحلول ديسمبر 2012، أصبح النصف الشمالى من مالى «أكبر الأراضى التى يسيطر عليها المتطرفون الإسلاميون فى العالم»، وفقا لرئيس اللجنة الفرعية لشئون أفريقيا فى مجلس الشيوخ الأمريكى. كما أسفرت هذه الفوضى عن نزوح جماعى لمئات الآلاف من المدنيين الماليين، وهو ما وصفته منظمة العفو الدولية بأنه «أسوأ وضع لحقوق الإنسان فى مالى خلال 50 عاما».

وتسربت أسلحة متطورة من ترسانة القذافى من بينها ما يصل إلى 15 ألفا من صواريخ أرض جول المحمولة، والمفقودة من 2012 إلى أيدى الإسلاميين المتطرفين فى جميع أنحاء المنطقة. كما شجعت تدخل حلف الناتو باسم الثوار فى ليبيا المتظاهرين السلميين سابقا فى سوريا إلى التحول إلى العنف فى منتصف 2011، أملا فى جذب تدخل مماثل. وأدى التصعيد الناجم عن ذلك فى سوريا إلى تزايد معدلات القتل فى هذا البلد إلى عشرة أضعاف.

•••

واختتم كوبرمان مقاله مشيرا إلى ثلاثة دروس مهمة يمكن استخلاصها من تدخل حلف الناتو فى ليبيا لتنفيذ المسئولية عن الحماية. أولا، يجب على المحتمل قيامهم بالتدخل أن يحذروا كلا من التضليل ودعاية المتمردين. فإذا كانت الدول الغربية نظرت بدقة إلى الصراع المدنى باعتبار أن القذافى استخدم القوة ضد المتمردين الإسلاميين القبلى والإقليمى والراديكاليين الذين يستخدمون العنف لكانت احتمالات قيام الناتو بالتدخل أقل بكثير.

والدرس الثانى، أن التدخل الإنسانى يمكن أن يأتى بنتائج عكسية من خلال تصعيد التمرد. وذلك لأن بعض الجماعات تعتقد أنه من خلال استفزاز الدول بواسطة العنف لدفعها للانتقام، فإنها يمكن أن تجتذب مثل هذا التدخل للمساعدة فى تحقيق أهدافها السياسية، بما فى ذلك تغيير النظام. غير أن التصعيد الناتج عن ذلك، يضاعف حجم الخطر الذى يهدد غير المقاتلين قبل أى تدخل محتمل يمكنه حمايتهم. وبالتالى، فإن احتمال التدخل الإنسانى، الذى يهدف إلى حماية المدنيين، قد يعرضهم للخطر عبر ديناميكية المجازفة الأخلاقية. وللتقليل من هذه المخاطر، لا بد من تجنب التدخل لأسباب إنسانية عبر مكافأة المتمردين، ما لم تكن الدولة تستهدف غير المقاتلين.

أما الدرس الأخير فهو أن أى تدخل يبدأ بدافع حماية المدنيين، عرضة لتوسيع أهدافه لتشمل تغيير النظام، حتى لو كان ذلك يضخم الخطر على المدنيين، خلافا للنية الأصلية للمتدخلين. وإلى حد ما، يرجع ذلك إلى أن الدول المتدخلة، عندما تبرر استخدام القوة للجماهير المحلية والدولية، تقوم بتشويه صورة النظام فى البلاد التى تستهدفها. وتحول هذه الشيطنة دون نظر المتدخلين، فى وقت لاحق، إلى تسوية تفاوضية من شأنها أن تسمح للنظام أو قادته بالاحتفاظ بجزء من السلطة؛ وهى عادة ما تكون أسرع طريقة لإنهاء العنف وحماية غير المقاتلين. وتشير هذه الدروس المستفادة من استخدام الناتو للقوة فى ليبيا إلى ضرورة توخى الحذر الكبير واستكشاف شامل للبدائل عند التفكير فى القيام بالتدخل العسكرى الإنسانى، والطريقة التى يتم بها ذلك

التعليقات