حصار المجتمع المدنى فى مصر - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حصار المجتمع المدنى فى مصر

نشر فى : الخميس 24 نوفمبر 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : الخميس 24 نوفمبر 2016 - 9:25 م
يشكل طرح قانون المنظمات الأهلية بنسخته الكارثية درجة جديدة من التصعيد الغير مبرر من الدولة ضد المجتمع المدنى فى مصر، فلا أحد يصدق أن نوابا يعبرون عن الشعب ومصالحه يمكنهم تبنى قانون يقيد العمل الأهلى ويغلق منافذه ومساراته التى تصب فى صالح الناس وتخفف عنهم المعاناة.

القانون الذى تم التصويت المبدئى عليه يجعل كل من يعمل فى الجمعيات الأهلية والمنظمات المدنية مجرما محتملا قد يُلقى به فى السجن فى أى لحظة، يلغى القانون فكرة استقلالية المجتمع المدنى عن السلطة التنفيذية ويجعل الجمعيات والمنظمات الأهلية تابعة للسلطة التنفيذية وتحت وصايتها وتحكماتها غير المنطقية بما ينسف فكرة العمل الأهلى من الأساس.

يحار المرء فى سر هذه العداوة والتربص بالمجتمع المدنى ولا يرى أن توجس الدولة من بعض المنظمات الحقوقية، التى لا ترتاح لنشاطها يجعلها تفتح النار على الجميع بلا استثناء، لا تحب السلطة فى مصر المنظمات الحقوقية ويصف إعلامها العاملين فيها بالخونة والمتآمرين مع الخارج لإسقاط مصر، وتم منع عدد كبير من العاملين بهذه المنظمات من السفر للخارج أخيرا بقرار من قاضى تحقيق فى قضايا لا يعرف أحد مكنونها وتفاصيلها. التهمة الجاهزة هى تلقى تمويل أجنبى وهى تهمة غريبة إذ إن مؤسسات الدولة، التى تعمل فى مجالات التنمية تتلقى كلها تمويلاً أجنبياً، وتدخل فى شراكات أجنبية، وتسعى للحصول على منح خارجية لتمويل مشروعاتها، وكذلك تعمل كل المؤسسات المدنية لتوفير تمويل لبرامجها، جميع المتابعين للعمل المدنى يعلمون أن كل قرش من المنح التمويلية للمنظمات المدنية يتم بعقود مبرمة ومعلنة تحت سمع وبصر ورقابة الدولة عبر قوانين البنوك بالإضافة إلى التقارير الضريبية التى تقدمها المنظمات لمصلحة الضرائب لتبين أوجه الصرف ومصادر التلقى، بالإضافة إلى أن عمل هذه المنظمات وما يصدر عنها من أوراق بحثية وتقارير دورية يتم نشرها علانية ولا توجد تقارير غير علنية ولا توجد أنشطة لا تخضع لرقابة الدولة وأجهزتها بالكامل.

***
ما المشكلة التى تُصعد درجة العداء وتفتح مساحات جديدة من المواجهات غير المنطقية؟ هل أن هناك مؤسسات ومنظمات أساءت استغلال المنح المقدمة إليها وثبت هذا بأدلة قطعية وليس ظنية، لماذا لا تتم مساءلة هذه المؤسسات بشكل قانونى عادل؟ إذا كانت هناك بقعة سوداء فى الثوب الأبيض لماذا لا نزيلها دون أن نمزق الثوب كله؟

نحن مع تدخل الدولة لتطبيق القانون على الجميع إذا ثبتت مخالفات قانونية حقيقية ضد أى شخص لكننا ضد مسلسل الانتقام المتواصل ضد النشاط الحقوقى والتنموى فى مصر بشكل عشوائى. القانون الجديد يعاقب كل المنظمات التنموية ويتربص بها، نظرا لأن من كتبوه يعتقدون أن المنظمات الحقوقية هى حصان طروادة، الذى ينهش فى أمن البلاد واستقرارها ويتحدثون على المجتمع المدنى بأنه أحد أهم أدوات حروب الجيل الرابع والخامس والسادس المزعومة!

***
دور المجتمع المدنى فى مصر لا يحتمل هذه المزايدات ولا هذا الخلط العبثى، المجتمع المدنى هو رافعة التنمية الأساسية الآن فى مصر ويقوم بسد فجوات هائلة لا يمكن للدولة التمدد فيها، ليس معقولا أن يكون لديك ظفرا يؤلمك فتقوم ببتر يدك بدلاً من علاج الظفر الذى يؤلمك بشكل موضوعى، فلتفصل السلطة قانونا خاصا بالعمل الحقوقى فى مصر تقوم فيها بحظره مطلقا أو حتى تجريمه واعتباره عملاً من أعمال الخيانة والعمالة ولتتحمل مسئولية ذلك أمام التاريخ، لكن عليها أن ترفع يدها عن المجتمع المدنى ومؤسساته، التى لا تمثل المنظمات الحقوقية 2% من إجمالى عدد مؤسساته!

طالما أننا نفتخر بعدائنا لفكرة حقوق الإنسان فلنعمل على تطبيق ذلك عمليا دون أن ندمر بقية مجالات العمل المدنى المتسعة، والتى ساهمت كثيرا وما زالت تساهم فى إنقاذ الوطن من براثن الجوع والفوضى!
دور المجتمع المدنى هو تحقيق الرقابة الشعبية على أداء مؤسسات الدولة وهذا ما ترفضه الدولة التى تبدو أنها عاجزة عن فهم أهمية هذا الدور، لذلك تعمل على التخلص من هذه الرقابة الشعبية، بل وتنفذ عملية عكسية تجعل هذه المؤسسات تحت رقابتها ووصايتها لتعمل بتوجيهاتها كجزء من الديكور المطلوب دون أداء حقيقى، وهذا ينسف مفهوم العمل المدنى من الأساس.

***
هذا القانون يمثل ردة للوراء، ومحاولة الترويج له والتبشير به بشماعات حماية مصر من الإرهاب وحروب الجيل الرابع وغيرها من الفزاعات لا ينطلى على أحد، حتى العقلاء المنتمين لمعسكر تأييد السلطة أدانوا هذا القانون وتعجبوا من نصوصه غير المسبوقة، والتى تهدم المجتمع المدنى فى مصر وتقوِض أركانه.

أعرف مواطنين مصريين يقومون بالمساهمة فى التبرع المادى الدورى للجمعيات التنموية والإغاثية فى مصر امتنعوا الآن عن التبرع تماما بسبب حملات التشويه العامة للمجتمع المدنى والتشكيك فى تمويله وأوجه إنفاقه من قبل إعلام السلطة، فقد اعتبروا أن أغلب الجمعيات الأهلية متورطة فى تمويل الإرهاب، وأن لها أجندات خفية ضد الوطن، وحين حاولت إقناعهم بعكس ذلك، قالوا لى: لقد فقدنا الثقة فى كل ما حولنا، ولن تعود الثقة مرة أخرى.

هل هذه هى هديتنا للفقراء؟ هل هذا هو العون الذى تقدمه الدولة للمجتمع المدنى الذى يرمم شروخها ويملأ مساحات غيابها، فلنتعقل ونتوقف عن الهستيريا والخلط، مصر لا تحتمل مزيدا من الهراء!
مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات