نحن سبقنا «دون جوان» القراءة! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 6:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نحن سبقنا «دون جوان» القراءة!

نشر فى : الجمعة 24 نوفمبر 2017 - 9:00 م | آخر تحديث : الجمعة 24 نوفمبر 2017 - 9:00 م
فى الأسبوع الماضى، وكنتُ نشرتُ مقالا تعريفيا بالطبعة الجديدة من الكتاب الرائع «لماذا نقرأ؟ لطائفة من المفكرين»، على رأسهم، طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم وحسين فوزى ويحيى حقى وصلاح عبدالصبور.. وغيرهم. وتصادف أن نشرت جريدة (الشرق الأوسط) حوارا مهما، ممتعا، مع الكاتب والروائى الأرجنتينى ذائع الصيت ألبرتو مانغويل أو «دون جوان القراءة»، مدير المكتبة الوطنية فى بيونس آيرس، وصاحب الرباعية الشهيرة «تاريخ القراءة»، «فن القراءة»، «يوميات القراءة»، وأخيرا «المكتبة فى الليل»، وهى التى ترجمت إلى أغلب لغات العالم، ووزعت ملايين النسخ فى كل أنحاء المعمورة. وقد حاورته بذكاء ووعى الكاتبة السورية القديرة غالية قبانى.

لقد لفت نظرى فى هذا الحوار المهم، فرضية أن «مانغويل» قد أسس ما أسمته المحاورة نوعا أدبيا جديدا اسمه «علم القراءة»، دون أن يعى فى حينها أنه يبتكر نوعا أدبيا جديدا، وأنه قد وجه قراءَه عبر تلك الكتابات لمتابعة تفاصيل عميقة عن القراءة، وعن الكتب والمكتبات؛ وأن كتبه الأربعة سالفة الذكر، وعناوين أخرى، احتفت بفعل القراءة وتطوره مثل أى تقاليد أخرى، بعد أن كانت الدراسات الحديثة تركز تاريخيا على اختراع الكتابة وتطورها.

ودللت المُحاورة أيضا على تجاوز أثر هذه الكتابة لحدود ثقافتها الأم، بما تمت ترجمته من كتب مانغويل التى أحدثت أثرها فى الثقافة العربية خلال العقد الأخير من حيث إعادة الاهتمام أو تنشيط الاهتمام بفكرة المعرفة المتعلقة بالقراءة؛ نشاطا وسلوكا وتوجيها وإعدادا وممارسة.. إلخ.

الجميل أنه طبقا لهذا المفهوم وهذا التصور، وما يتصل به، بحسب ما ورد فى الحوار، فإن ثقافتنا العربية المعاصرة قد سبقت مانغويل بعقود فى الالتفات لهذا اللون من التأليف أو الكتابة حول القراءة كنشاط معرفى وسلوكى؛ تأليفا وترجمة وتحريرا.. وقد أشرت إلى كتاب «لماذا نقرأ؟ لطائفة من المفكرين» الذى حرره عادل الغضبان وصدر عن دار المعارف مطالع الستينيات، وهو وفق التصور الذى حددته المحاورة مع مانغويل يعد سابقا وبعقود لإنتاجه؛ لأنه يحقق بل يغطى أبرز الموضوعات المتعلقة بـ «فن القراءة»، وتفاصيل أخرى من زوايا متعددة تتعلق بخبرة القراءة وممارستها وما ينتج عنها من مراكمة معرفية، وترشيحات للكتب الكلاسيكية الخالدة.. إلخ.

لكن هناك أيضا فى ثقافتنا العربية المعاصرة كتابا آخر، بديعا، ممتعا، صدر قبل كتاب «لماذا نقرأ» بعدة سنوات، أواخر خمسينيات القرن الماضى، هو كتاب الرائدة الكبيرة د.سهير القلماوى «العالم بين دفتى كتاب»، الذى ترجمت مقالاته وحررتها، وتصرفت فيها بحرية كبيرة حتى ليصح أن نقول إنه تأليف قائم بذاته، يدخل صراحة ومباشرة فى هذه الدائرة، وهو كتاب جميل ممتع سلس العبارة غزير المادة جم الفائدة.

«العالم بين دفتى كتاب»، صدر فى طبعتين متتاليتين عامى 1956، 1958، باقتباس وتصرف وإضافة عن كتاب «Wonderful World of Books». لقد بَنَتْ القلماوى فكرة الكتاب فى صورته العربية وعنوانه المغاير «العالم بين دفتى كتاب»، على ترجمة مقالات متنوعة عن القراءة، وأنواعها، وطرائقها المختلفة ــ كانت تتصرف فيها إلى حد كبير وتستبدل بنماذجها الغربية الموجهة للقارئ الأوروبى فى المقام الأول نماذج عربية من التراث أو الأدب المعاصرــ وأذكر من بينها مقالا بعنوان «القراءة المثمرة» عَلَق بذهنى وذاكرتى لفترة طويلة جدا، واعتبرته أحد المداخل المهمة فى تعلم منهجية «القراءة» لا بمعناها التعليمى (التهجى وقراءة الكلمات والجمل) بل بعملية القراءة ذاتها من حيث محاولة استيعاب أقصى معانٍ ممكنة من النص المقروء وفق آلية معينة وخطوات مرتبة..

وكانت عناوين فصول الكتاب، ذاتها، مبهجة ومثيرة للفضول؛ خذ مثلا: الكتب أصدقاؤنا، اقرأ معى، لم لا نقرأ شعرا؟، ولنقرأ معا قصصا، هاك رواية، وتلك قصة قصيرة، وهذه مسرحية. ثم باب يضم فصولا متنوعة عن القراءة: كيف نقرأ؟ ولماذا؟ ومتى أقرأ؟ والقراءة المثمرة، وماذا نقرأ؟ وآفاق التأليف من حولنا، وكيف أختار كتابى؟..

إن قراءة هذا الكتاب بمقالاته الجذابة وعناوينه المشوقة تظل واحدة من الوسائل المحرضة على اعتناق القراءة كطقس يومى إنسانى، لا يمكن الاستغناء عنه! كل ذلك فضلا على الأمثلة الذكية الواعية التى اختارتها سهير القلماوى لتكون منصات انطلاق قوية فى ممارسة هذه الخبرة المعرفية الجميلة.. (وللحديث بقية)..