طبيب منتحر وبائعة هوى ومجتمع يعشق الإدانة - حسام السكرى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طبيب منتحر وبائعة هوى ومجتمع يعشق الإدانة

نشر فى : السبت 24 نوفمبر 2018 - 10:05 م | آخر تحديث : السبت 24 نوفمبر 2018 - 10:05 م

طبيب مصري شاب ينتحر بسبب الاكتئاب، ومجموعة من العاملين في مرقص ليلي تضم راقصة ومديرا وبائعة هوى.. هل هناك رابط؟
في الظاهر لا يوجد لكن مع التمحيص قد تجد الكثير.

أخبار الطبيب إبراهيم تملأ مواقع التواصل. مرضه لم يكن سرا. كان يكتب على صفحته في فيسبوك عن معاناته وعن فشل أغلب الطرق والعلاجات في إخراجه من أزمته. عن النزيف المستمر في دائرة أصدقائه والمقربين. وأخيرا لم يجد حلا للتغلب على آلام الحياة سوى بالقضاء عليها.

ومجموعة المرقص ظهرت في مشاركة (بوست) للمتخصص في التسويق عبد الله الفولي الذي كتب في صفحته على فيسبوك عن تجربة مع شخوص مرقص عرض عليه العمل فيه. عايشهم عدة أيام قبل أن يقرر عدم قبول العمل. انتزع عبد الله من كل واحد من شخصياته بضع عبارات اختارها بعناية لتعكس وجهة نظر أصحابها بدقة ودون ذرة من إساءة.

الراقصة: أنا باخد تمن سمعتي ونظرة الناس ليا. أنت يادوب تستحق القرشين اللي بتاخدهم لأنك بتاخد بالباقي وضع اجتماعي وأمان نفسي. لما بتشتم صاحبك تقوله يا ابن الرقاصة بعدين تيجي تدفع ألف جنيه علشان تتفرج. صاحب المكان يرفض يتجوز رقاصة مع أن أرباحه ورزق مراته وعياله بييجي من عرق جسمي. حدّ الله بيني وبين الحرام. على فكرة أنا خريجة حقوق وجايبه جيد جداً وآدي البطاقة.

صاحب المكان: أنا مستثمر. لو عالخمور أنا سامح بيها زي ما أردوغان و(..) سامحين بيها، وكتير منكم بتعتبروهم رموز وطنية. لو اعتبرنا أن اللي بيحصل في مكاني شر، طب ما ربنا سامح بالشر في العالم. سايب الجوع والفقر والحروب والأمراض وسايب الناس تغلط. هو صحيح مش مسئول عن ذنونبا وأنا كمان مش مسئول عن ذنوب الزباين.

شيراز (بائعة الهوى السورية): الفرق بيني وبين أختك هو الحظ. لما الجنرالات العسكرية المرموقة تاخد قرار الحرب، إحنا لازم ندفع التمن من شرفنا يا عبدالله. لو معملتش كدا هتلقا أمي قاعدة عالرصيف جنب ٦١ ألف مريض مصري في إنتظار أدوراهم على أجهزة الغسيل المُدعّمة. ساعتها أنت وأمثالك آخركم تعملو مشاركة للصورة عالفيسبوك مع كلمتين يراضوا ضميركم. تفتكرو ربنا مش بيسيب حد؟ لأ. ساب أولادي راما وباهي تحت أنقاض القذف. سابهم يموتوا٢ض٢ بالمذلة البطيئة. أنت متعرفش الريحة دي لأنك واخد على هوا الجناين في الشيخ زايد.

ما الرابط إذن بين هؤلاء كلهم وبين الطبيب الشاب؟

نحن الرابط. القطاع الواسع من الناس الذي يستهويه إصدار الأحكام والإدانة. في حالة الطبيب الشاب انشغل الكثيرون بالتأكيد على أنه بانتحاره صار كافرا مآله جهنم وبئس المصير. وفي حالة أبطال المرقص الليلي غضب الكثيرون من أن الراوي تقاعس عن إدانتهم واعتبروا الحكي المحايد قبولا لسلوكهم وترويجا للفاحشة.

لا أدرى ما الذي يجعلنا مشغولين إلى هذا الحد بإصدار أحكام أخلاقية على الآخرين بدلا من التعاطف معهم. على الأرجح نخشى من أن تعاطفنا فيه قبول وتبرير. قبول لانتحار ابراهيم وتبرير لما يفعله أبطال المرقص. الافتراض للأسف عار من الصحة. الإدانة لا تفيد أحدا ولا تدفع المجتمع للبحث عن أسباب علله وأمراضه. أما الإحساس بآلام الآخرين ومعاناتهم والتعاطف معهم فهو دعوة للفهم ورغبة في الدعم.

لو شعرنا بآلام إبراهيم وتعاطفنا معه سنفكر فيما نفعله لغيره من المجهدين والمتألمين كي لا يلحقوا به. ولو أحسسنا بمرارة كلمات شيراز لربما فكرنا في أن نفسح لها مكانا بيننا بدلا من الملهى وزبائنه.

التعليقات