مأساة حلب وضرورة إعلان فشل نظام الأمن الجماعى - نبيل العربي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مأساة حلب وضرورة إعلان فشل نظام الأمن الجماعى

نشر فى : السبت 24 ديسمبر 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : السبت 24 ديسمبر 2016 - 9:30 م
بداية لابد من الاعتراف بأن نظام الأمن الجماعى Collective Security System الذى نص عليه ميثاق الأمم المتحدة لحماية السلم والأمن الدولى لم يتحقق منذ نشأته فى مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945، وقد أثبتت مأساة حلب بما لا يدع مجالا للشك أن هذا النظام قد فشل فشلا ذريعا. لسنوات طويلة كان المتهم الأول لهذا الفشل يعزى إلى الحرب الباردة بين معسكر الولايات المتحدة ومعسكر الاتحاد السوفيتى. ثم بعد سقوط حائط برلين عام 1989 وانهيار الاتحاد السوفيتى ساد العالم موجة من التفاؤل والشعور العام بأن ما ورد فى ديباجة ميثاق الأمم المتحدة من أن «نحن شعوب العالم نؤكد العزم على إنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحروب» ولهذا الغرض اتُفق على إقامة الأمم المتحدة التى يكون الهدف الأول من إنشائها هو «المحافظة على السلم والأمن الدولى باتخاذ التدابير الجماعية الكفيلة بمنع وإزالة أى تهديد للسلم، والقضاء على جميع صور العدوان». وارتفعت آمال بأن هذه الأهداف السامية سوف ترى النور بعد انتهاء الحرب الباردة، وسوف ينبذ العالم قانون الغاب الذى يعود لعهود مظلمة ماضية عفا عنها الزمن ويسود السلام والعدالة فى كل مكان.

وبالفعل طلب قادة العالم فى أول اجتماع قمة لمجلس الأمن فى 31/1/1992 من السكرتير العام الجديد للأمم المتحدة الدكتور بطرس بطرس غالى أن يقدم تقريرا عن تصور لطبيعة العلاقات الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة، فتقدم الدكتور بطرس غالى بتقرير فى غاية الأهمية أُطلق عليه «أجندة للسلام»، ولكنه سرعان ما تبين أن حماية السلام العالمى لن تتحقق بمجرد انتهاء الحرب الباردة لأن مصالح الدول كثيرا ما تتعارض، وبالتالى سوف يستمر شلل مجلس الأمن وعدم قدرته على اتخاذ التدابير الفعالة العاجلة التى تفرض السلام .

***

هنا، لابد من العودة إلى الوراء وإلقاء نظرة معمقة على ما سوف أطلق عليه «العقد الاجتماعى» الذى أٌبرم عام 1945 فى مؤتمر سان فرانسيسكو عند إقرار ميثاق الأمم المتحدة بعد أكبر حرب مدمرة فى تاريخ الإنسانية. عندئذ اتُفق على إنشاء «مجلس أمن» يتولى الإشراف على حماية السلم والأمن الدولى وأن تكون للمجلس صلاحيات واسعة غير مسبوقة للقضاء على كل ما يهدد السلام. كما اتُفق على أن يكون للدول الخمس الكبرى دائمة العضوية صلاحيات نقض (فيتو) للقرارات الموضوعية وليس القرارات الإجرائية. وللأسف لم يحتوِ الميثاق على تحديد دقيق لما هو إجرائى لا يجوز نقضه. حاولت الدول الخمس الكبرى فى مؤتمر سان فرانسيسكو فرض رغبتها فى إطلاق يدها فى نقض القرارات غير الاجرائية أيا كان مضمونها.

خلاصة ما تقدم، فإنه طبقا لقواعد الميثاق التى يعمل فى إطارها مجلس الأمن فإن تشابك مصالح الدول الكبرى فى أى موضوع سياسى أصبح مؤكدا وبالتالى فإن هناك تعارضا واضحا بين مسئوليات المجلس وصلاحياته وبالتالى فإن المجلس الآن ليس مؤهلا لممارسة مسئولياته الرئيسية فى المحافظة على السلم والأمن الدولى. فى هذا الإطار فعلينا أن نتوقع أن مأساة حلب التى تعكس انهيار القيم الإنسانية والسياسية والقانونية سوف تتكرر فى مناطق أخرى.

فالمصالح السياسية أو الاقتصادية المتشابكة للدول الخمس الكبرى سواء التى تملك صلاحية إعاقة مباشرة مجلس الأمن لمسئولياته تجعل من غير المتصور أن هناك أى إجراء يستطيع أن يقوم به المجلس لا يمس هذه المصالح. معنى هذا ببساطة أنه قد كُتب على مجلس الأمن بتركيبته الحالية أن يبقى فى حالة شلل دائم، وهو ما تعانى منه الإنسانية منذ نشأة الأمم المتحدة.

ولابد من الإشارة هنا إلى أن شلل المجلس لا يتوقف فقط على الاستخدام الفعلى للفيتو. فقد كنت ممثلا لمصر فى مجلس الأمن خلال عامى 1996 و1997، ورأست المجلس فى يونيو 1996 وشاهدت بنفسى وعانيت من تهديدات الدول الخمس باستخدام الفيتو لإجهاض الكثير من القرارات المهمة. وفى نهاية المطاف عندما يتم التوصل إلى صياغة تقبلها الدول الخمس الكبرى تكون إما:

1ــ الإحجام عن اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإنهاء النزاع والاكتفاء بتعيين مبعوث لإدارة النزاع.

2ــ أو قرارات بتوقيع عقوبات لا تغير الأوضاع كثيرا ولكنها تضر عادة أبرياء كثر.

3ــ أو صياغات مشوهة لفظية بمعنى Verbal لا تتسم بالفعالية مثل ما نراه حاليا يتكرر من إدانات وشجب فى قرارات المجلس دون التطرق إلى الإقدام على إجراء يغير من الأوضاع المأسوية محل البحث. قد يكون الاستثناء الوحيد حدث فى يونيو 1950 أثناء الحرب الكورية عندما أصدر المجلس قرارا واضحا لا لبس فيه ولا يتسم بالغموض والتردد برد عدوان كوريا الشمالية ضد كوريا الجنوبية، وكان سبب هذا «النجاح» أن وفد الاتحاد السوفيتى كان مقاطعا المجلس بسبب عدم الموافقة على قبول الصين الشعبية فى الأمم المتحدة. وبعد صدور هذا القرار برد عدوان كوريا الشمالية عاد الوفد السوفيتى فورا لمقعده فى المجلس ولم يتغيب عضو دائم بعد ذلك. لابد من الإقرار بأنه فى السنوات الأخيرة لا يتم اللجوء إلى الفيتو فى حالات كثيرة كما كان الوضع فى الماضى. فبريطانيا وفرنسا قلما تلجآن إلى استخدام الفيتو، والصين لا تستخدم الفيتو منفردة إلا فيما يتعلق بتايوان. وروسيا لازالت تستخدم الفيتو بدون تردد وتهدد باستخدامه فى حالات كثيرة جدا. أما الولايات المتحدة ففى السنوات الأخيرة تستخدم الفيتو وتهدد به كثيرا لحماية إسرائيل فقط. ولكن المحصلة النهائية أن الفيتو والتهديد به قائم ويؤدى إلى شلل مجلس الأمن.

***

إن مأساة حلب وصمة فى جبين الإنسانية. ولا أجد صدى كافيا فى وسائل الإعلام الدولية لتأليب الرأى العام على الإقدام على خطوات تجعل من الصعب تكرار المأساة. الصحف ووكالات الأنباء ووسائل الإعلام المختلفة تندد بما حدث وتصف بشاعة معاناة المدنيين المحاصرين فى حلب وتؤكد انهيار القيم والمعايير والأعراف الإنسانية، ولكن الدول لا تفعل أكثر من أن تطلق بيانات إدانة ولا تسعى للخروج من الأزمة الطاحنة التى تعانى منها الإنسانية.

ما العمل إذن؟ لابد من البحث جديا وبعمق فى طرق وأساليب بديلة لحماية السلام. هنا أطُالب بالتفكير جديا فى ضرورة تعديل ميثاق الأمم المتحدة. والميثاق ينص صراحة على بحث موضوع التعديل لمواكبة تطورات العلاقات الدولية بعد عشر سنوات من إقراره، أى كان المفروض أن يبدأ بحث تعديل الميثاق اعتبارا من عام 1955، وبالفعل أٌدرج بند فى جدول أعمال الجمعية العامة فى هذا العام للنظر فى تعديل الميثاق. ولكن الدول الكبرى نجحت فى إحباط هذه المحاولة لأنها تعلم جيدا أن تعديل الميثاق – إذا كتب له النجاح وهو أمر غير مضمون ــ قد يؤدى إلى تقليص صلاحياتها بالنسبة لاستخدام الفيتو.

عالمنا المعاصر فى حاجة ماسة إلى إعادة إنقاذ البشرية عن طريق الاتفاق على نظام أمن جماعى له «أنياب» ويستطيع فرض السلام والقضاء على المذابح والفظائع التى ما زالت تقترف.

لذلك أعتقد أنه بات ضروريا إعادة صياغة التنظيم الدولى ليتجاوب مع افرازات التطورات الدولية فى العقود السبعة الماضية. فخلال الحرب العالمية الثانية تجمعت الدول المناهضة للنازية والفاشية وتغلبت عليها، وقرر المنتصرون إقامة نظام دولى جديد كان المفروض أن يؤدى تطبيقه بأمانة إلى عدم نشوب حروب مدمرة فى المستقبل. إن آفة المرحلة الراهنة فى العلاقات الدولية ليست الحروب التقليدية بين الدول، بل حروب داخل الدول تتحول إلى حروب بالوكالة ــ كما نشاهد فى سوريا – أو تفشى ظاهرة الاعتداءات الإرهابية التى يتسع رحاها. ولابد من وضع حد لها عن طريق إقدام مجلس الأمن على اتخاذ التدابير الجماعية المناسبة للقضاء على هذه الظاهرة. لابد من مواجهة الحقيقة والإقرار بأن مجلس الأمن لا يستطيع الإقدام على مباشرة هذه المسئوليات فى ضوء الإطار القانونى الذى يحدده مسار الأمن. لذلك لابد من السعى جديا إلى تغيير «قواعد اللعب فى المجلس» بتحديد نطاق استخدام الفيتو.

***

وبالرغم من أننى أعتقد بضرورة تعديل الميثاق، وقد طالبت بذلك منذ سنوات فى محافل دولية عديدة، إلا أننى وللأسف الشديد لا أعتقد أنه فى الظروف الدولية الحالية سوف يكون من المجدى السعى لإلغاء نظام استخدام الفيتو، ولكن يحدونى الأمل فى أن ينجح المجتمع الدولى فى ضوء المآسى والمذابح التى يشهدها العالم فى إخراج بعض أمور من نطاق استخدام الفيتو.

بعد مأساة حلب لابد أن يتساءل الضمير العالمى كيف تمنع دول كبرى إيصال مساعدات إنسانية إلى سكان حلب ولماذا تمنع دول كبرى إصدار قرار بوقف إطلاق النار. عندما تشتعل الحروب أو عندما يكون هناك تهديد جدى باستخدام أسلحة الدمار الشامل. فى مثل هذه الحالات المحددة الصارخة يجب على مجلس الأمن أن يباشر مسئولياته دون إعاقة وعلى المجتمع الدولى مسئولية اتخاذ الخطوات التى تسمح للمجلس بمباشرة هذه المسئوليات فى المحافظة على السلم والأمن الدولى.
نبيل العربي  قاض بمحكمة العدل الدولية سابقا .. وأمين عام جامعة الدول العربية السابق
التعليقات