العالم العربى فى مفترق طرق - نبيل فهمي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العالم العربى فى مفترق طرق

نشر فى : الأحد 24 ديسمبر 2017 - 9:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 27 ديسمبر 2017 - 12:58 م

جاء شهر نوفمبر صادما للعالم العربى. استهدفت فيه عاصمة السعودية الرياض بصاروخ من اليمن، وشهد تدخلات خارجية فى سوريا ولبنان والعراق واليمن، وفشل الجهود السياسية لإقامة مؤسسات فى ليبيا، وحملات موسعة ضد الفساد فى المملكة العربية السعودية، وأبشع العمليات الإرهابية فى مصر، بالإضافة إلى استقالة رئيس الوزراء اللبنانى خارج البلاد قبل التراجع عنها.

ولم تهدأ النفوس او تعاد الثقة بالعالم العربى بالتقدم الذى أحرز فى القضاء على داعش بالمشرق العربى، أو بدء المصالحة بين الفصائل الفلسطينية فى غزة والضفة الغربية، او الاخبار عن تفاهمات روسية أمريكية، كمؤشر عن تحول فى المسألة السورية، وبدأ شهر ديسمبر صادما باعتراف الرئيس الأمريكى بالقدس عاصمة لاسرائيل، وفشل العالم العربى فى إقناعه بخطورة المساس بوضع المدينة المقدسة، رغم تناقضه الكامل مع القانون الدولى، وما يشكله من إخلال بمسئوليات وواجبات الراعى المفترض لعملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية، وسقط ضحايا فلسطينيون على أيدى القوات الاسرائيلية، كما شهد اطلاق صاروخ آخر من اليمن باتجاه الرياض.

وجاء رد الفعل العربى إزاء قرار الرئيس الأمريكى ضعيفا، واستمرار الحديث عن إعادة ترسيم حدود الشام، وصعود السياسات الطائفية، والتعثر فى اليمن وليبيا مؤشرات محبطة جديدة على المخاطر الوخيمة التى تهدد المنطقة وتحديات الحاضر والمستقبل.

وللأسف لا يأتى كل هذا كمفاجأة، فلم تقد أى دولة عربية جهود حل أى من الصراعات و النزاعات، سواء الانهيار الليبى، او الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، او الأزمة السورية، او اليمنية، او جهود مكافحة الإرهاب.

بل فى الواقع، نجد ان الأطراف الخارجية، او الإقليمية غير العربية هى صاحبة التأثير الاكبر على الأرض فى كثير من الاحيان، وهى التى تتزعم وترعى التحرك السياسى حولها، لذا اجتمع الرئيس الروسى فى قمة ثلاثية بمدينة سوتشى لمناقشة الوضع فى سوريا مع القيادتين الإيرانية والتركية دون مشاركة عربية.

وغنى عن التذكير ان الشرق الاوسط كان تاريخيا مسرحا لغزوات اجنبية متعددة، من حملات دينية، واخرى استعمارية أوروبية، وعانت المنطقة من جشع الأجانب فى نهب مواردها الطبيعية، والاستيلاء على ثرواتها، ثم اصبح العالم العربى ساحة تصارع ومنافسة بين الدول الكبرى خلال الحرب الباردة.

ومن ثم هناك مبررات وأسباب عديدة لتحميل القوى الخارجية مسئولية ما آلت اليه الاوضاع فى العالم العربى، كل هذا صحيح، ولا جدال حوله.

وإنما الأمانة تقتضي الاعتراف أيضا بأن هناك أسباب كثيرة أخرى لما وصلنا إليه، نتحمل نحن العرب المسئولية الرئيسية فيها. أن ترتيباتنا الداخلية أحبطت شعوبنا لعدم تطوير مؤسساتنا الوطنية السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية لمواكبة عصر العولمة والثورة التكنولوجية الحديثة. كما أن أخطائنا الإقليمية واعتمادنا تاريخيا بشكل مبالغ فيه على أطراف أمنية خارجية حدت من كفاءتنا العسكرية والأمنية مقارنة بجيراننا، وحدت أيضا من فاعليتنا ونفوذنا السياسي الإقليمي.

ومنها غياب التفكير الاستراتيجى العربى، الذى يمكننا من تحديد مستقبلنا ورفع مستوى كفاءتنا الذاتية والإقليمية فى حماية امننا القومى ضد المخاطر السياسية والعسكرية الخارجية.

وفى هذا السياق يجب أن يكون العالم العربى واضحا وقاطعا فى الدفاع عن هويته، والتمسك بنظام إقليمى وطنى، يحترم سيادة واستقلال الدول ووحدة أراضيها. وهو نظام مع كل قصوره افضل بكثير من الطائفية الدينية أو العرقية التى تنحر المنطقة وتدفعها نحو التفكك والاضطراب، ويتطلب ذلك مؤسسات وطنية قوية، قادرة على حماية البلاد من المخاطر الخارجية، مؤسسات قوية و جريئة فى تبنى الحكم الرشيد، واستيعاب جميع عناصر الأمة الوطنية، بمختلف توجهاتهم السياسية والفكرية المؤمنة بالمواطنة والملتزمة بالدستور.

وعلى العرب مواصلة البناء والتطوير، لضمان توافر خيارات سياسية او اقتصادية أو أمنية عدة وجديدة، فالعالم لم يعد ثنائى أو أحادى القطبية، اصبح يتغير سريعا، ومتعدد الأقطاب قى كل الاتجاهات، ويشهد التوازنات الأمنية والسياسية الجديدة، وتحولات غيرت مفاهيم القوة والسيادة، التى كانت قائمة مع بداية النظام العالمى القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وعلى العالم العربى مواجهة أطماع الهيمنة لبعض دول الشرق الاوسط، ومجابهة الاحتلال للأراضى العربية، وتدعيم قدراتها العسكرية والأمنية والسياسية للتصدى وردع المخاطر وكبح جماح الطموحات غير المشروعة.

كما على الدول العربية، منفردين وجماعة، وضع رؤية وطنية عربية مستقبلية للشرق الاوسط، كأسس للحوار مع الدول الاقليمية غير العربية والمجتمع الدولى بصفه عامة نتقبل فيه التعددية والتنوع واختلاف المصالح، طالما بادلنا الآخرون نفس المنهج، واحترام الكل السيادة الوطنية وعدم التدخل فى شئونه الداخلية للاوطان.

وعلى العرب اليقين بأن الاصلاح الداخلى الذاتى هو أفضل وسيلة لدحر التدخل الأجنبى، وحماية مصالحهم الوطنية والقومية، من الأخطار الخارجية أو من جماعات التطرف والإرهاب داخليا.

علينا كعرب التخطيط المستقبلى والمبادرة، والتحرك لوقف الانحدار السريع لتقويم الحال العربى وأمامنا مفترق طرق، نختار فيما بين طريق شاق وطويل للاصلاح والتقويم الذاتى او الانحدار سريعا نحو الهاوية.

نبيل فهمي وزير خارجية مصر السابق، والعميد المؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات