«المكروهون الثمانية».. طوفان الدم - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«المكروهون الثمانية».. طوفان الدم

نشر فى : الإثنين 25 يناير 2016 - 10:15 م | آخر تحديث : الإثنين 25 يناير 2016 - 10:15 م
عدة صور للمخرج الأمريكى، تارانتينو، بقامته الطويلة، وشفتيه المزمومتين، وجبهته العريضة، وعينيه الغائرتين، وسط مظاهرة حاشدة، تندد بقتل الشاب الأسود، فريدى جراى، على يد الشرطة الأمريكية. الصور انتشرت فى الصحف والمجلات ووسائل الاتصال الأخرى، مما أزعج مؤسسات الأمن، ودفعها إلى إطلاق تصريحات غاضبة، تهاجم المخرج، وتزعم أنه يكره الضباط، وتناشد الجميع بالتوقف عن مشاهدة أفلامه.. طبعا، رد المخرج، معلنا أنه لن يخضع للإرهاب، ولن يتوقف عن فضح روح الكراهية، والممارسات الباطشة، سواء فى حياته اليومية، أو أعماله الفنية.

تارانتينو، صاحب أسلوب خاص، يتبلور بوضوح فى أحدث أفلامه «المكروهون الثمانية»، الذى لا يمكن للمرء أن ينساه بسهولة، أيا كان حجم الانزعاج منه، أو الإعجاب به، ذلك أنه قوى التأثير، بنماذجه البشرية العاصفة، ومشاهده الدامية، وحيوية حواراته، وألق أداء ممثليه، فضلا عن رؤيته الناقدة بجرأة، لنزعة العدوان وقهر الآخرين، التى يراها مهيمنة على أبناء العم سام، بما تحمله من استعلاء مقيت.
تارانتينو، لم يتعلم السينما داخل معهد أو مدرسة، لكنه استوعب فنها خلال مشاهدته لآلاف الأفلام التى عايشها، سنوات عمله بائعا فى أحد مراكز ترويجها، بيعا وإيجارا. قد يكون تأثر بمطاردات أفلام الغرب الأمريكى، والإيغال فى العنف على طريقة سام باكنباه، وأساليب الإثارة عند هيتشكوك، وتجسيد لحظات الخطر والتوتر كما فى أفلام الجريمة.. تارانتينو، مزج كل هذا، وغيره، فى بوتقته، ليضيف عليه من موهبته الكبيرة، التى تتجلى فى أحدث أفلامه.
«المكروهون الثمانية»، يبدأ بعربة تجرها جياد سوداء فى منطقة سهول وتلال، الجليد يغطيها ويغلق الأشجار.. داخل العربة، يجلس جون راث «ألبرت راسل»، مدججا بالأسلحة، بجواره امرأة تعيسة، «جينيفر جيسون لى»، الواضح أنها مضروبة بلكمة فى عينها اليسرى، المحتقنة، النصف مغلقة، المحاطة باللون الأزرق. معصمها مقيد بسلسلة تمتد إلى معصم جارها.. طريقة تقديم الشخصيتين لافتة، مثيرة للرغبة فى معرفة المزيد عنهما.. فورا، نعلم أنه يمتهن عملا غريبا بالنسبة لنا: صياد مجرمين، يقبض عليهم نظير مكافأة مالية. المرأة التى معه هى صيده الثمين، وهو فى طريقه إلى بلدة «الصخرة الحمراء» كى ينفذ فيها حكم الإعدام.. مكياج المرأة يختصر ببلاغة حجم مقاومتها العنيفة للإمساك بها.
فى الطريق، يظهر رجل أسود، اسمه وارين، بأداء «صامويل جاكسون» الممثل الأثير عند تارانتينو ــ خلفه، على الجليد، ترقد جثتان، إما أن صاحبيها ماتا من شدة الصقيع، أو أن وارين قام بقتلهما، فهو، مثل جون راث، يعمل فى «صيد المجرمين» نظير مكافأة.
الجثتان، توضعان فوق العربة، التى توحى، فى بعض اللحظات، كأنها عربة نقل الموتى.. يوافق جون راث على اصطحاب وارين، بعد إطلاعه على خطاب أرسله لنكولن، لراث، إبان الحرب الأهلية، فقد كان الأخير ضابطا فى قوات الشماليين.. ما إن يركب «وارين ويتخذ مقعده، أمام مستأجر العربة، حتى تبدأ التعيسة، فى ممارسة سفالتها على لون الضابط السابق، الأسود البشرة، تنظر له باحتقار، تكاد تتقزز من منظره. تنعته بـ«الزنجى»، مما يدفعه لتوجيه لكمة شديدة على وجهها، تقذف بها إلى خارج العربة، ومعها، المربوط بها، جون راث. هكذا، ضغينة المرأة البيضاء ضد السود، تتفجر، حتى وهى فى ذلك المأزق الوعر.
فى الطريق، يركب معهم شاب مريب، يقدم نفسه على أنه المأمور الجديد، المكلف برئاسة شرطة «الصخرة الحمراء» ــ خذ بالك من إيحاء الاسم ــ يصل الموكب إلى نزل، نصف مهجور، للاحتماء من عاصفة على وشك الحدوث.. بالداخل، ثمة أربعة آخرون، منهم إنجليزى مخنث، متخصص فى شنق المحكوم عليهم بالإعدام، وكاوبوى مريب، يزعم أنه ذاهب لزيارة والدته، ومكسيكى ليس أهلا للثقة، بالإضافة لجنرال عجوز، صامت وحزين، من أجل هزيمة جيش الجنوبيين، بالإضافة لمقتل ابنه الوحيد.
داخل هذا المكان. طوال ما يزيد على الساعتين ونصف الساعة، تتدفق اللقطات، ولا نكاد نقول «المشاهد»، فهنا، الخلفية لا تتغير، ولا الديكورات، والزمن، هو ذاته زمن المواقف التى تتوالى، بإيقاع ما إن يهدأ حتى يتصاعد، متحولا إلى مواجهات، ثم صراعات، مؤامرات، تصفيات، اغتيالات، معنوية وجسدية، كما لو أن تارانتينو، يريد فضح روح الكراهية المتأصلة بين البيض والسود، وكلاهما ضد المكسيكيين، وبين الجنوبيين والشماليين، وكلاهما ضد المرأة، التعيسة السافلة فى آن..
قوة أسلوب تارانتينو تتجلى فى خصوصية شخصياته، على نحو أدى إلى ذلك الحضور المتميز لكل بطل من أبطاله، حتى فى الموقف الواحد.. فى إحدى اللقطات، يقف معظمهم قبالة الحائط، انتظارا لإطلاق النار عليهم، تتباين انفعالاتهم على نحو شديد الاختلاف، يجعل لكل منهم بصمة لا تشبه بصمات الآخرين.. ثم لا يمكن إغفال طريقة تارانتينو فى استخدام الحوار، الأقرب إلى طلقات الرصاص، حتى إن وارين «صامويل جاكسون» يعبر عن السادية الخالصة، وهو يحكى للجنرال العجوز، كيف قتل ابنه، بعد ان استخدمه جنسيا.. ولا يفوت المخرج رصد تباين انفعالاتهم على نحو يمنح الفيلم حيوية دافقة.
«المكروهون الثمانية»، هجائية مخضبة بالدم الذى يلوث رسالة لنكولن مع نهاية الفيلم، بعد أن يقتل الجميع، بيد الجميع.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات