الرهان الأخير على تغيير المعادلة من أعلى - عبد العظيم حماد - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 7:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرهان الأخير على تغيير المعادلة من أعلى

نشر فى : الخميس 25 يناير 2018 - 10:50 م | آخر تحديث : الخميس 25 يناير 2018 - 10:50 م
ها هو ذا رهان آخر وأخير يفشل لمن نسميهم بالقوى المدنية لتغيير معادلة الحكم والسياسة فى مصر، وهو تغيير محمود ومطلوب، وجاء وقته، بل إنه تأخر كثيرا.

واضح بالطبع أننا نعنى الرهان على ترشح الفريق سامى عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الأسبق لمنصب رئيس الجمهورية فى الانتخابات الرئاسية الوشيكة، بعد فشل الرهان السابق على ترشح الفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء الأسبق.

وقد أطلقنا وصف «الرهان» على المحاولتين عن قصد، لأنهما لا يرقيان إلى مستوى الخطة أو المشروع، لسبب جوهرى، هو أن المجهول فى الحسابات التمهيدية لكل منهما كان أكثر بكثير من المعلوم، وهذه هى طبيعة الرهانات من المباريات الرياضية، إلى المنافسات السياسية، ومن إدارة الشأن الفردى، إلى إدارة شئون الجماعات.

المعلوم فى محاولة ترشح الفريقين شفيق ثم عنان هو أن الدستور والقانون يسمحان، وأن القوة المدنية ليست راضية بإقصائها من المشاركة السياسية، والتأسيس لاحتكار سلطوى جديد، ولكن التيار الرشيد فيها يسلم بحتمية دور مهم، وممتد لبعض الوقت للمؤسسة العسكرية فى الحياة السياسية، على أساس صيغة متفق عليها من المشاركة الجادة والمنضبطة.

كذلك كان من المعلوم أن هذا التيار يسلم بحقيقة تاريخية مفادها أن الدولة المصرية لم يحكمها قط أحد من خارج جهازها العتيد، وإلا لفظته، كما حدث للتجربة البائسة لجماعة الإخوان المسلمين.

انطبقت حسابات أو شروط «المعلوم» هذه على كل من شفيق وعنان، لكن المجهول كان أكثر وأقوى كما قلنا، ونستطيع أن نلخص هذا المجهول فى عناوين عريضة هى: قوة التصميم لدى السلطة على إحباط أى مسعى للمنافسة، وقوة التفاف الدولة العميقة حول هذه السلطة، وقوة التأييد الإقليمى والدولى المؤثر للرئيس عبدالفتاح السيسى، إلى جانب عدم اقتناع بقية القوى المدنية بحسابات أو رهانات ذلك التيار الذى وصفناه بأنه رشيد، يستوى فى ذلك مؤيدو السيسى، وبعض معارضيه من الحالمين، والواقعيين، وكثير من أصحاب الإيدلوجيات سابقة التجهيز، وهؤلاء جميعا إما ضد رموز نظام حسنى مبارك وإما ضد التحالف مرة أخرى مع الدولة العميقة، وإما غير قادرين على إستيعاب حتمية الإصلاح التدريجى.

ثم إن ما بدا من ترحيب أنصار جماعة الإخوان المسلمين بمنافسة أى من شفيق أو عنان للسيسى جدد المخاوف لدى قطاعات واسعة من الرأى العام والقوى السياسية والدولة العميقة من عودة الجماعة من الأبواب الخلفية، وهى مخاوف لم يكن حجمها الكبير ونطاقها الواسع فى الحسبان، حتى مع الاعتراف بوجود مبالغات دعائية.

من المفترض إذن، وما دام المجهول كان وسيظل أكثر من المعلوم فى مثل هذه التجارب أن يكون الرهان على عنان بعد شفيق هو آخر الرهانات على تغيير معادلة الحكم والسياسة من الأعلى، أى بالوصول إلى كرسى الرئاسة، فى إطار الاتفاق على المشاركة، بما أنه لا يوجد ما يقطع بضمان استمرار العمل بهذا الاتفاق بعد التمكن، فى ظل اختلال موازين القوى السياسية الداخلية، وهو اختلال متجذر منذ بواكير نظام يوليو 1952، وأكدته كل السوابق، ابتداء بإسقاط حكومة على ماهر المدنية، وتولى اللواء محمد نجيب رئاسة الحكومة، ثم أزمة مارس عام 1954، وانتهاء بانهيار تحالف 30 يونيو، الذى أسقط حكم الإخوان المسلمين.

ما العمل إذن؟

مع كل التمنيات الصادقة بنجاح الدولة المصرية فى اجتثاث الإرهاب، وتحقيق التنمية، ورفع المظالم عمن لم يرتكبوا عنفا، ولم يخالفوا القانون، نعود إلى ما قلناه هنا فى الأسبوع الماضى من أن تغيير المعادلة السياسية المستمرة فى مصر منذ أكثر من قرنين من الزمان لن يتأتى إلا بنشوء وارتقاء حركة حزبية قوية ورشيدة، وها هو ذا درس الأسبوع الماضى يثبت من جديد أن هذا هو الطريق، الذى لا طريق غيره ويكفى لإثبات كم هى هزيلة عملية سياسية لا ترتكز على أساس تنظيم حزبى قوى أن الأشخاص البارزين فى حزب الفريق عنان (الذى لم يشعر الكثيرون أصلا بوجوده) كانوا أول المنشقين عليه، والقادحين فيه، بل والمتهمين له بالفساد، إما نجاة بأنفسهم، وإما غضبا منه، لأنه استعان بغيرهم لتكوين فريقه السياسى، وفى الحالتين فلا هذا حزب، ولا ذاك يستمد وزنه السياسى إلا من انتمائه القديم إلى القوات المسلحة.

وفى رأينا أن أكثر التيارات قدرة على تأسيس حركة حزبية قوية ورشيدة وواعدة هى القوى والشخصيات التى شاركت فى تحالف 30 يونيو، ولا يشترط أن يكونوا من رجال الصف الأول فى ذلك اليوم، بما أن بعضهم تقدم به العمر، وبعضهم الآخر اعتزل الحياة السياسية، إذ لا يزال بين الأحزاب الحالية، والجبهة المدنية الديمقراطية الوليدة، وقائمة صحوة مصر التى لم تمكن من دخول الانتخابات البرلمانية الأخيرة، من يستطيعون النهوض بهذا العبء، ولكن يشترط أن يقوم الجميع ــ علنا وبمنتهى الشفافية ــ بمراجعة ونقد وتقويم تجاربهم السابقة، وتجارب تنظيماتهم فى مرحلة 30 يونيو، وما تلاها من مراحل حتى اليوم.

بالطبع ليس المطلوب هو انخراط الجميع فى تنظيم جبهوى موحد، ولكن المطلوب هو تأسيس بنية تحتية متينة لحياة سياسية صحيحة، فلا معنى لوجود دستة أحزاب كلها اشتراكية مثلا، أو نصف دستة من الأحزاب الليبرالية، كمثل آخر، وينبغى أن يكون واضحا أيضا أن الهدف ليس هو اسقاط النظام، بل يجب أن يكون الهدف هو الضغط السياسى السلمى والدستورى للوصول إلى تغيير المعادلة، أو ما يسمى بالحل الوسط التاريخى، فيكون ما للمجتمع للمجتمع، وما للدولة العميقة لها.

هنا يجب أن يصارح الجميع أنفسهم بأن النخبة المدنية المصرية ليست مؤهلة، ولن تكون مؤهلة لوقت طويل لإدارة ملفات الأمن القومى، والملفات الرئيسية فى العلاقات الدولية والإقليمية، ليس لنقص فى وطنيتها أو إخلاصها، ولكن لنقص يصل إلى حد العدم فى خبراتها، أو بالأحرى فى اطلاعها على هذه الملفات، لأكثر من 60 عاما.

مرة أخرى نتذكر جميعا أنه لم يحدث تحول ديمقراطى فى أى بلد دون وجود حركة حزبية قوية تصلح رديفا أو بديلا، ولذا كان التحول فى إسبانيا بعد وفاة الجنرال فرانكو أسهل كثيرا من التحول فى جارتها البرتغال بعد وفاة الدكتاتور سالازار، وكذلك كان التحول فى اليونان أسهل من التحول فى رومانيا.

أما من يشعرون باليأس من قدرة السياسة العاقلة على إحداث التحول التراكمى، فلعلهم يغيرون رأيهم إذا تذكروا أن الدكتاتور السوفيتى جوزيف ستالين سخر من مستشاره السياسى حين حذره من أن إضطهاد الأحزاب الكاثوليكية فى كل من رومانيا وهولندا سوف يؤجج غضب بابا الفاتيكان، فيحرك أتباعه ضد السوفيت.. إذ قال ستالين: قل لى أولا كم فرقة مسلحة يملكها البابا؟! لكنه وقتها لم يكن يتوقع أن البابا والكاثوليكية سيكونان هما أول الهادمين للشيوعية الدولية، والاتحاد السوفيتى نفسه، انطلاقا من بولندا.

وفى قول آخر لفيكتور هوجو: «إن كل جيوش العالم لن تهزم فكرة جاء زمانها».
عبد العظيم حماد رئيس تحرير جريدة الشروق السابق. كاتب صحفي مصري بارز ، وشغل عدة مناصب صحفية مرموقة على مدار تاريخه المهني.ولد عام 1950 ، وحصل على بكالوريوس العلوم السياسية ، وعمل كمحرر ومعلق سياسي منذ عام 1973 ، سواء في الإذاعة والتليفزيون أو في مجلة أكتوبر أو في جريدة الأهرام ، وكان مديرا لتحرير الأهرام الدولي في أوروبا ، وكبيرا لمراسلي الأهرام في منطقة وسط أوروبا ، وله مؤلفات وأبحاث وكتابان مترجمان ودراسات دولية متنوعة.