ولما لم يكن ملك فى المدينة صار كل إنسان يفعل ما يحسن فى عينيه - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 11:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ولما لم يكن ملك فى المدينة صار كل إنسان يفعل ما يحسن فى عينيه

نشر فى : السبت 25 فبراير 2012 - 9:00 ص | آخر تحديث : السبت 25 فبراير 2012 - 9:00 ص

هذه الجملة وردت فى كتاب «تاريخ ملوك اليهود» والذى يحكى عن التاريخ اليهودى القديم حتى تدمير مملكتهم على يد الامبراطورية البابلية فى القرن الخامس ق.م، لكن هذه الجملة التى كتبها مؤرخ عبقرى مجهول ستظل تنطبق على كل زمان ومكان، فالملك هو مصدر السلطة والانضباط فى المجتمع وعندما تغيب السلطة تحدث الفوضى والتى تجتاح أمامها كل نظام سواء كان النظام القانونى أو الأخلاقى أو الاجتماعى وحتى الدينى، ومنذ قيام ثورة 25 يناير وحتى الآن نعيش هذه الحالة من الفوضى والتى عبر عنها هذا المؤرخ العبقرى بالقول «صار كل إنسان يفعل ما يحسن فى عينيه» فرغم وجود السلطة التنفيذية متمثلة فى المجلس العسكرى والسلطة التشريعية فى مجلس الشعب والسلطة القضائية إلا أن السلطة الحقيقية التى تفرض احترامها على الشعب غائبة ولا أعنى بفرض الاحترام هنا القمع أو البطش كما كان يحدث من قبل، فالثورة قامت بسبب هذه النوعية من السلطة والتى من المستحيل أن تحظى على احترام الناس، وإن كانوا يخشونها وهذه الخشية تظهر احتراما خارجيا مصطنعا وليس حقيقيا، وعندما يسقط الخوف من قلوب الجماهير تخرج لإسقاط السلطة التى لم تحترمها طوال حكمها بل كانت فقط ترتعب أمامها ثم تتطلع الجماهير إلى سلطة تحترمها بلا خوف، سلطة حقيقية تحترم الشعوب وحريتها فى التعبير عن ذاتها، تحترم حقوق الإنسان، تحكم بالديمقراطية التى تعتمد على وعى الجماهير، تؤصل حقوق الإنسان فى المجتمع، وإلى أن تخرج هذه السلطة إلى النور سوف يظل كل إنسان مصرى يفعل ما يحسن فى عينيه، وبالطبع إذا استمر الحال هكذا، فسيكون البقاء للأقوى وليس للأصلح وبنظرة عابرة على المجتمع المصرى نستطيع أن نكتشف أننا نعيش خارج الزمان والمكان، فالأحداث التى تقع فى بلادنا تشير إلى أننا نعيش بعيدا جدا إلى الوراء من عام 2012 ودليلى على ذلك هو ما يلى.

 

أولا: ما زلنا نعيش ما قبل الدولة اجتماعيا وسياسيا

 

قبل ظهور الدولة تاريخيا كانت هناك قبائل تعيش هنا وهناك، ونستطيع أن نرصد الحياة القبلية فى مصر بشكل حرفى حقيقى وأيضا بشكل معنوى، فالشكل الحرفى للقبيلة نجده فى المعارك بين قبيلتى الأشراف والحميدات، حيث يتقاتلون مع بعضهم البعض، وكأنه لا توجد دولة،لقد كانت هاتان القبيلتان تعيشان وبجوارهما قبائل أخرى مثل الهوارة وغيرها، فى إطار الدولة الحديثة، لكن بسقوط السلطة عادوا إلى قبليتهم، لكننا نستطيع أيضا أن نرصد الحياة القبلية المترسخة فى النفوس بشكل معنوى، فعندما نتابع محاكمة قبيلة مبارك والعادلى ونظيف... إلخ، نجد أنهم لم ينقسموا على بعضهم البعض ولم يخونوا بعضهم البعض، فلم يعترف أحدهم على الآخر، وهم يرفعون القبعة لبعضهم البعض وكل واحد فى مكانه، وقام كل شخص منهم بتدمير الأدلة التى تحت يديه والتى يمكن أن تدين أى أحد من أفراد القبيلة، ونحن هنا أمام إحراج شديد للقضاء، لأنه عليه أن يحكم بالأدلة التى أمامه والأوراق أو بتناقض أقوال الشهود، أو باعتراف أحد المتهمين على الآخر، لكننا نلاحظ أن المقامات محفوظة عند أفراد القبيلة وكل واحد فى مكانه ورتبته وجميعهم يحترمون شيخ القبيلة ويخضعون له، وهو ما سيصعب المهمة على القاضى.

 

ثم هناك حرب قبلية فى مجال الرياضة، فهناك الألتراس وقوانينه فى مواجهة قبائل الألتراس الأخرى، والحرب بينهم واضحة فكل قبيلة تحمل علما مختلفا وثيابا مختلفة وأناشيد قبلية لا تمجد القبيلة فقط لكنها تسب القبيلة الأخرى وعندما تتلاحم القبيلتان فى أى موقعة، فالفائز هو الذى يمزق أعلام القبيلة الأخرى وشعاراتها، بل ويرغم المهزوم على خلع فانلته التى يرتديها، إنها حرب تحمل كل مقومات حروب القبائل القديمة وألم تلاحظ ــ عزيزى القارئ ــ الحرب القبلية أثناء الانتخابات؟! فلم ينتخب أحد على أساس برنامجه لكن على أساس توجهه القبلى ولتأكيد ذلك تذكر ما كنت تفكر فيه وأنت ذاهب إلى صندوق الانتخابات.

 

ثانيا: مازلنا نعيش ما قبل الدولة قانونيا

 

لقد غابت دولة القانون فقام أهل قرية الثمانين بالدقهلية بمطاردة ثلاثة من البلطجية الذين فى محاولتهم لسرقة سيارة قتلوا أحد أهل القرية، واستطاع أهل القرية أن يوقعوا بأحد اللصوص فما كان منهم سوى أن أوسعوه ضربا وتعذيبا وفى النهاية علقوه شبه عار فى أحد الأعمدة وأحرقوه حيا!! وفى قرية أخرى قاموا بعد قتله بتقطيع جسده، ليس هذا فقط بل فى قرية بهيج بأسيوط والعامرية بالإسكندرية وغيرهما، عقدت محاكم عرفية والتى كانت تعقد قبل ظهور الأنظمة القضائية فى الدول، عقدت هذه المحاكم متجاهلة تماما وجود قانون فى مصر أو نظاما قضائيا، بل والمصيبة الكبرى أن هذه المحاكم عقدت فى ظل وجود الشرطة والتى عملها حماية القانون، بل هذا هو أصل وجودها للدفاع عن القانون، بل ومعهم أعضاء المجلس المحلى وماذا كان الحكم؟! كان الحكم أن أهل المتهم يتركون بيوتهم وأموالهم ويهجرون القرية وليس هم فقط بل أقاربهم وأقارب أقاربهم الذين لم يرتكبوا أى جرم، فماذا نقول عن هذا؟

 

والجريمة فى الأولى (قرية بهيج) أن شابا اتهم بوضع صورة مسيئة للرسول على الفيس بوك الخاص به والثانية علاقة غرامية بين اثنين مختلفى الديانة وفى الحالتين الجريمة فردية، ولابد أن تكون العقوبة فردية لو ثبتت ولم يكن فيها تلاعب من أى نوع، هذا فضلا أن حكما مثل هذا لا تجد له أى سند فى القانون الوضعى ولا فى أى دين من الأديان،والمشكلة أن الذين يطبقونه يعتبرون أنهم يطبقون الشريعة الإسلامية وهم لا يدركون أن هذا ليس من الإسلام فى شىء، لكن المحاكم العرفية مأخوذة من العصر الجاهلى أى ما قبل الإسلام، وأن الإسلام وحسب فهمى تبرأ من مثل هذه التصرفات بكلمات واضحة المعالم تماما «لا تزر وازرة وزر أخرى»، هذا فضلا عن أنه بعد خروج الإسلام من السعودية إلى العالم المدنى المتحضر إلى مصر وسوريا والعراق وفلسطين،أضاف عمر بن الخطاب إلى مصادر الفقه فى الإسلام بعد القرآن والسنة الاجتهاد وذلك لكى تتوافق الشريعة الإسلامية مع الثقافات والحضارات الأخرى،لقد ظننا أن الملابس الصحراوية مجرد ملبس بغير فكر صحراوى، لكننا فوجئنا أنهم يحاولون إعادة مصر لا إلى العصور الأولى من الإسلام لكن إلى ما قبل الإسلام، فماذا يحتاج الذين يحاربون الإسلام أكثر من ذلك؟!

 

ثالثا: مازلنا نعيش خارج المكان (غرباء)

 

عندما نريد أن نحدد موقعا على الخريطة، نحدده بحدوده الجغرافية شمالا وجنوبا وشرقا وغربا لكن لكل مكان له حدود له تاريخ وحضارة وثقافة، أى المكان والمكانة ولا يمكن أن نفصل بين الاثنين،والذين عاشوا داخل حدود مصر وعاصروا جزءا من الفترة الليبرالية وثورة ناصر عام 1952وبدايات عصر السادات يشعرون الآن بالغربة فلم تتغير الأحداث فقط بل المكان بالنسبة لهم تغير،لقد أصبحوا غرباء فى بلد غريب، والغربة داخل حدود الوطن أقسى كثيرا من الغربة خارجه، فالغربة خارجه مشروعة ومفهومة ومبررة، أما الغربة داخل الوطن فليست مشروعة ولا مفهومة ولا مبررة، لقد تشوهت مصر عندما تخلت عن هويتها فلقد كانت مصر وهى تحت نير الاحتلال أقدر كثيرا على أن تحدد هويتها ومشروعها ومستقبلها وعندما تخلصت من الاحتلال كانت مصر تقود منطقتها ثقافيا وفكريا وحضاريا، ومع ثورة 1952 كانت حركة القومية العربية والتى لم تفقد مصر هويتها بل كانت هى الرائدة فى هذا الاتجاه، وبعد نكسة 1967تغير الزمان وتغير المكان، وتراجعت مصر عن ريادتها للمنطقة وتحالفت مع العدو التقليدي (إسرائيل) وأصبح شعب مصر غريبا فى وطنه، فى ملبسه وحديثه ومظاهره، وعندما تحاول مصر اليوم أن تعود إلى محيطها العربى تعود كتابعة وليس كرائدة، تعود لأجل المعونة وليس القيادة، وهكذا بدلا من أن تعود إلى المنطقة المحيطة لكى تستوعبهم داخلها وتقودهم، تعود مترددة خجلة، ليست هذه هى مصر التى نعرفها شكلا وموضوعا، كل ما نحتاج إليه أن يعود لها «الملك»الذى غاب فصار كل إنسان يفعل ما يحسن فى عينيه على أن يكون ذلك «الملك»وطنيا حتى النخاع مثقفا واعيا بتاريخ مصر وجغرافيتها،لا يغازل الشارع ولا التوجهات الدينية البعيدة عن روح مصر،يعتمد على أصالة المصريين فعندما تختلط الأوراق فى الأذهان تحتاج إلى من يعيد ترتيبها.. وعندما تبهت النقاط فوق الحروف تحتاج إلى من يعيد كتابتها...وعندما تتعثر الخيول فى المنحنيات تحتاج إلى من يقيمها ويطلق عنانها.. نحتاج إلى من يعيد كل شىء إلى مكانه الصحيح.. نحتاج إلى من يتمسك بالمبدأ فى زمن عزت فيه المبادئ نحتاج إلى «ملك» قادر على الكلام فى زمن يصادر الأحلام، رائى يقفز نحو المستقبل فى وقت أصاب الشلل فيه سيقان الخيول، قائد يستطيع أن يحتفظ برأسه مرفوعا دائما فوق المياه سواء كانت أنهارا تشق طريقها فى الأرض أو سحابا تتهادى فى السماء.

 

فهل ترى – عزيزى القارئ – أحدا من المرشحين للرئاسة بهذه المواصفات؟!         

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات