منظر على البحيرة - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

منظر على البحيرة

نشر فى : السبت 25 فبراير 2017 - 11:20 م | آخر تحديث : السبت 25 فبراير 2017 - 11:20 م
فى مكان ما بالفسطاط، إلى جوار عين الصيرة الطبيعية، يقام لمدة ستة أشهر معرض عن الحرف التقليدية فى مصر القديمة، بمقر متحف الحضارة الجديد. الموقع رائع، حتى لو مازال قاحلا، ينقصه الكثير من اللون الأخضر، فتقريبا لا زرع فيه ولا شجر، مقارنة بحجم المبانى. رخام الأرضية يلمع والصالة الوحيدة المفتوحة بالمجان للجمهور حتى يوم 28 فبراير تمتلئ بالزوار الذين جاءوا لاكتشاف ما يحدث، فنحن غير معتادين على هذه النوعية من المعارض الأثرية التى تتناول موضوعا محددا، إضافة إلى أنه يتعلق بتفاصيل الحياة اليومية فى عصور مختلفة. نرى من خلاله ملابس كتانية مصبوغة بالألوان الطبيعية ترجع إلى وقت الفراعنة، تحدت الزمن فاحتفظت ببريق اللون الأزرق الفاتح أو الذهبى على أطرافها، وكأنها مشغولة بالأمس. تشبه فى كثير من الأحيان تلك التى نلبسها حتى الآن، وقد كانت أهم مراكز نسيج الكتان تقع فى أخميم وكرداسة وكفر الشيخ.

عرف الفراعنة اللون الأزرق من عصر الأسرة الثامنة عشرة أى نحو 1200 سنة قبل الميلاد، واستخدموه فى تزيين الأوانى الفخارية، كما تشير القطع المعروضة، ثم دخلت على الآنية عناصر زخرفية مركبة مع الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين. أما الكراسى والمشغولات الخشبية، فحدث ولا حرج: مقعد من مقبرة سنجم بالدير البحرى، سرير صغير، كلاهما احترم فى تصميمه منحنيات الظهر بشكل غير وارد فى المقاعد الأرابيسك الجميلة المرصعة بالعاج والتى تعود للعصر الإسلامى. نماذج من «شبابيك القلة» التى تشبه الدانتيلا وهى مصفاه توضع على الآنية الفخارية لتنقية مياه الشرب من الشوائب، لكنها تحولت بفعل فاعل إلى قطعة فنية دقيقة الصنع نقف أمامها للتأمل كما نقف أمام شغل الأرابيسك، وهو فن التأمل بامتياز الذى يصحبنا لعلاقة «العاشق والمعشوق» التى تحكم تراص القطع الخشبية.

***

نترحم على الصانع الماهر الذى لا نعرف اسمه، لكنه قطعا يحمل شيئا من روح شخصية حسن أرابيسك التى رسمها قبل سنوات الكاتب أسامة أنور عكاشة فى مسلسل تليفزيونى شهير. قامت الحضارة المصرية، فى مختلف العصور، بفضل هؤلاء الصناع المهرة، وقيست درجة رقيها بما خلفه هؤلاء، قبل ظهور الصناعة والشركات بمفهومها الحديث. مثلا عندما نزور المتحف الوطنى للآثار فى أثينا، نقارن بين الحلى المصنوعة فى مصر ومثيلاتها المصنوعة فى اليونان، خلال الفترة نفسها تقريبا، فى قاعات العرض المتجاورة، وتكون النتيجة لصالح الصائغ المصرى إلى حد كبير، فهناك دقة ورقى غير موجودين حاليا. وهو ما نلحظه أيضا من خلال معرض متحف الحضارة الذى خصص الطابق الثانى من القاعة لقطع الحلى وتطوره: حزام ذهبى وأقراط وقلادات، جميعها مبهرة، حتى لو لم تكن أشهر وأثمن القطع، لكنها بالطبع تؤكد المعنى السابق.

***

تمنينا لو كان المعرض يوفر معلومات وصورة أوسع وأعمق عن تاريخ القطع المختارة وعن تاريخ هذه الحرف اليدوية ومكانتها داخل المجتمع وطريقة تنظيم العمل. وددنا لو عرفنا المزيد مثلا عن دير المدينة كنموذج للمجتمع العمالى الذى أقام فيه الصناع المهرة واحتفظوا بأسرارهم، لذا وضع الحراس على مدخل المدينة بالنهار والليل، وكيف عاش هناك نحو أربعين حرفيا، مع أسرهم، تحت حكم رمسيس الرابع والخامس. بل وفقا لمصادر أخرى وصل العدد إلى 120 عاملا، لكنها تشير أيضا إلى أن أربعين عاملا كافيون لإنجاز بناء المقابر الملكية المطلوبة فى الوقت المحدد. كل مرحلة من تاريخ تلك الحرف تدخلنا إلى مرحلة ثقافية وحضارية مختلفة، نتوقع من مثل هذه المعارض المهمة أن تعطينا مفاتيحها، فهى خطوة جادة نحو فهم أعمق لتاريخنا، كنا نتعرف على بعض أوجهه فقط من خلال فاعليات شبيهة تقام بنجاح فى متاحف الخارج. وبما أننا قد بدأنا فى تنظيم تظاهرات مماثلة، فلنفعل ذلك على أكمل وجه، خاصة أن المكان ملهم فى حد ذاته، يشرف على القلعة وجبل المقطم وعين الصيرة التى تذكرنا ببحيرات الفسطاط قديما، عندما كانت المنطقة عامرة بالمنازل والرياض ومركزا اقتصاديا نشطا، وتذكرنا أيضا بالفواخير التى كانت تقع على بعد خطوات، وتذكرنا بأن لدينا كنزا زاخرا يسمى الحرف اليدوية يجب الإفادة منه أكثر وأكثر.
التعليقات