الزواج فى مصر فوق صفيح أكثر من ساخن - طارق عبد العال - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الزواج فى مصر فوق صفيح أكثر من ساخن

نشر فى : الأحد 25 فبراير 2018 - 10:00 م | آخر تحديث : الأحد 25 فبراير 2018 - 10:00 م

مصادفة كنت أطالع مقالى فى جريدة الشروق الورقية، فإذا بفتاة عشرينية العمر تباغتنى بقولها، هو حضرتك اللى كاتب الكلام ده؟ وقبل أن أجاوب تابعت قولها «أنا عرفتك من صورتك» فتبسمت لها موافقا لقولها، فتابعت وقالت «هو ليه ما تكتبش عن مشاكل الزواج؟ فسمعت لها كم المعاناة التى تعانيها فى كيفية تجهيز نفسها كفتاة مقبلة على الزواج، وأن ذلك الأمر مرهق جدا لها ولأسرتها ذات الحال الضيق، وأضافت بما يعنى أن الأمر مرهق للطرفين، وليس للبنت فقط.

ومن هنا بدأت الاهتمام بهذه المشكلة، وتحدثت إلى الكثير من الشباب المقبل على الزواج، ولبعض الأسر المقبل أولادها (ذكورا وإناثا) على إتمام زيجة، وسألت أحد المأذونين، والذى أخبرنى بأن الأمر بات شديد الصعوبة، وأن هناك نسبا مرتفعة للطلاق، بخلاف الانفصال عن طريق دعوى الخلع التى تتسم بالسرعة، وضمان النتيجة، دونما بذل جهود للحل بين الطرفين.
ومن هنا بدأت رحلة كتابة هذا المقال شديد الصعوبة المجتمعية، لكون موضوعه يخص المجتمع المصرى بأسره، وأن الاستمرار فى تجاهل مشكلة الزواج فى مصر هو العامل الرئيسى الذى يخلق منا مجتمعا مشوها وغير سوىٍّ، كما أن الظروف الاقتصادية المريرة التى يعانى منها المصريون جعلت الأهل لا يبالون بالمعنى الحقيقى للزواج من سكن ومودة ورحمة، فكل ما يهم الأب والأم الآن أن تعيش ابنتهما حياة كريمة مثل حياتها فى منزل والديها وأفضل، وبحيث لا تكون أقل مكانة من قريباتها، وكل ما يهم الطرف الثانى هو أن تكون الأسرة قابلة للمساعدة فى إتمام الزواج، هذا ويختلف الموضوع إلى حد ما بين المدينة والريف، وذلك لاختلاف العادات والتقاليد المجتمعية، فمثلا ما زالت بعض القرى تعانى من مشكلات الزواج المبكر، وهو ما ينتج علاقة غير ناضجة سرعان ما تؤدى إلى الفشل.

***

وتأتى أهم مشكلات الشاب المقبل على الزواج فى المغالاة فى المهور، بشكل لا يتناسب تماما مع الشباب حديثى التخرج، أو حديثى الالتحاق بالعمل، كما أنه لا يمكن أن يكمل مشروع الزواج إلا بمساعدات الأهل، أو عن طريق الاستدانة، وشراء المستلزمات بالتقسيط، والذى ينتج العديد من المشكلات، من جراء التعثر فى سداد الأقساط، وهو ما يجعل التاجر يلجأ إلى المحكمة، بموجب ما لديه من مستندات عبارة عن «إيصال أمانة»، وهو نفس الأمر بالنسبة للفتاة، فغالبا ما يتم تجهيزها بنفس الطريقة، وهو ما يزيد من أعباء الأسر، حيث يجد رب الأسرة سواء كان والد الفتاة، أو والدتها، نفسه متهما بتهمة خيانة الأمانة، فهل مثل هذه البدايات المأسوية صالحة لميلاد علاقة زواج سليمة، للأسف فإنها بداية غير موفقة، قد تقصر من عمر الزواج، تحت وطأة الديون والمحاكم الجنائية، ونعلم جيدا أن هناك العديد من الغارمات داخل السجون لقضاء عقوبات عن تهم ناتجة عن تجهيز الأبناء أو البنات، ونتذكر جيدا كم الإعلانات التى تسوقها القنوات المختلفة خصوصا فى شهر رمضان عن مساعدة الغارمات.

ولا يقف الأمر عند هذه النقطة فقط، بل يمتد إلى أبعد من ذلك، فتحت وطأة ما تكبدته أسرة الفتاة لتجهيز ابنتهم، لا يتم استكمال الزواج إلا بعد كتابة ما يسمى بقائمة منقولات الزوجية، وهو ما يتم فى صيغة عقد من عقود الأمانة، ومع ظهور الخلافات بين الزوجين تلجأ الزوجة إلى مقاضاة الزوج بهذه القائمة أمام محكمة الجنح، ثم يلى ذلك اللجوء لمحكمة الأسرة بدعوى نفقة وفى حالات استحكام الخلاف تلجأ الزوجات إلى دعاوى الخلع، وهى ما تتم بشكل صورى وورقى لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة.

كل هذه المشكلات وغيرها، تكون سببا رئيسيا فى عدم الإقبال على الزواج، وقد وأوضح الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى عام 2017، فى إحصائية جديدة له تراجع عدد عقود الزواج الرسمية بنسبة 3 بالمائة فى العام الماضى، والنسبة الأعلى فى الزواج كانت بين الحاصلين على شهادة متوسطة، بينما انخفضت النسبة بشكل ملحوظ بين حاملى المؤهلات العليا. كما أن مشكلة العنوسة أو العزوف عن الزواج سواء بالنسبة للشباب أو الفتيات هى من المشاكل التى يعانى منها المجتمع المصرى وهى لا تقتصر على مصر فقط حيث أصبحت مشكلة فى معظم الدول العربية الأخرى، وعن أسباب انتشار هذه الظاهرة نقول: الظروف الاقتصادية التى يمر بها الشباب هى أهم أسباب ارتفاع سن الزواج، بالإضافة إلى عدم توافر فرص عمل مناسبة للشباب تساعد على بداية حياة زوجية سليمة، وعدم توافر رأس المال الكافى مما يجعل من الزواج أمرا صعبا، إلى جانب مبالغة الأسرة فى طلبات الزواج من خلال التمسك بالمظاهر المكلفة.

***

فهل سيقف المجتمع المصرى موقف المتفرج تجاه هذه المشكلة، التى تؤثر سلبا على بناء مجتمع قوى، وضمان مستقبل إلى حد ما مشرق للأجيال المقبلة، والتى يتم تدمير أطفالها الناتجة عن مثل هذه الزوجات المشوهة أو التى تنتهى بالفشل، وأرى أن هناك العديد من الأمور التى يجب النظر إليها بعين الدقة والتمحيص، أولها عدم التشدد بين أهلية الطرفين المقبلين على الزواج، مراعاة للظروف الاقتصادية العامة التى تمر بها البلاد، وهو ما يؤثر على مستوى الدخول، وقدرة الشباب على الزواج من الناحية المالية، ثانيها إعادة النظر فى أمر تجريم إيصالات الأمانة، التى يتم استخدامها من التجار «على غير الحقيقة» ضمانا لحقوقهم المالية جراء الشراء بالتقسيط، حتى لا ينتهى الأمر بوجود أى طرف داخل السجن. كما يجب على القضاء أن يتحقق من حقيقة العلاقة وليس مجرد تقديم الأوراق، على الرغم من معرفتى التامة بتضخم عدد القضايا أمام محاكم الجنح، وهو ما يمنع من وصول المحكمة إلى حقيقة هذه الأمور، ثالثا لابد كذلك من تعديلات شاملة لقوانين الأحوال الشخصية بشكل كلى، وبشكل أكثر دقة إعادة النظر فى المواد المنظمة للتطليق عن طريق الخلع بطريقة تجعله ليس بهذه السهولة التى تدمر الأسر، وإعادة هيكلة دور الإخصائيين الاجتماعيين، بحيث لا يكون دورهم مجرد استمارات يتم كتابتها، وإحالة القضية إلى المحكمة، فيجب أن يكون لهم دور حقيقى وفعال، منذ لحظة وصول الأوراق، فلابد من عقد مقابلات مع الطرفين، وليس بشكل روتينى، وكذلك زيارة الطرفين فى منازلهم، لمحاولة تقريب وجهات النظر، كما يجب أن يتم منع نظر قضية تبديد منقولات الزوجية أمام محكمة الجنح، وجعل محكمة الأسرة هى المختصة بنظر كل المنازعات الناشئة عن العلاقات الزوجية.
واعتقد أن ما أقوله ليس بالأمر العسير على المجتمع فى تطبيقه، حتى نحاول منع التشتت والتفكك المجتمعى، وأن نسعى إلى بناء أجيال صحيحة، والقضاء على مشاكل العنوسة، وارتفاع سن الزواج.

طارق عبد العال باحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية
التعليقات