الرقابة اللاحقة! - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرقابة اللاحقة!

نشر فى : الأربعاء 25 مارس 2015 - 9:50 ص | آخر تحديث : الأربعاء 25 مارس 2015 - 9:50 ص

الساسة الألمان نازيون/الحكومة اليونانية لا تحترم تعهداتها الأوروبية والدولية لسداد الديون المستحقة عليها/الألمان يفرضون علينا إيقاف جميع خدمات التعليم والصحة والإعانات الحكومية وربما نتوقف أيضا عن دفع الرواتب/المسئولون اليونانيون يتلاعبون بمواطنيهم ويخدعونهم بالتحايل على سداد الديون والتهرب من تنفيذ برنامج فعال للتقشف الحكومى/الألمان لم يسددوا إلى اليوم التعويضات المستحقة عن احتلال النازى لليونان أثناء الحرب العالمية الثانية وقيمة هذه التعويضات كفيلة بسداد ديوننا الراهنة/ملف التعويضات عن جرائم النازى أغلق بعد موجة أولى فى أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية فى 1945 وبعد موجة ثانية تلت بناء دولة الوحدة الألمانية فى 1990 وحديث الحكومة اليونانية عن تعويضات مستحقة هو فعل غير مسئول من قبل سلطة ديمقراطية منتخبة.

وردت وترد العبارات العاصفة السابقة فى سياق الخلاف الراهن بين الحكومتين اليونانية والألمانية بشأن سداد الديون المستحقة على اليونان منذ أن أنقذها الاتحاد الأوروبى وأنقذتها المؤسسات المالية الدولية من إعلان الإفلاس خلال السنوات الماضية ــ وتحملت ألمانيا فى هذا السياق القسط الأكبر من التعهدات المالية. ومنذ أن ألزم الاتحاد الأوروبى اليونان بتنفيذ برامج للتقشف الحكومى لتقليص الإنفاق العام وتخفيض العجز فى موازنتها ــ وتصدرت الحكومة الألمانية الواجهة بجدول زمنى ممتد لتنفيذ برامج التقشف اليونانية وبالتعامل المشروط مع مسألة بقاء اليونان فى منطقة العملة الموحدة بالربط بينه وبين التنفيذ الجاد لبرامج التقشف هذه.

نحن هنا أمام حكومتين منتخبتين لدولتين ديمقراطيتين تربط بينهما (وكذلك بينهما وبين الدول الأوروبية الأخرى) الكثير من المصالح المشتركة، ومستويات مرتفعة من الاندماج الاقتصادى والاجتماعى والمالى فى إطار الاتحاد الأوروبى وبفضل بنائه القانونى والمؤسسى والسياسى المحكم.

وعلى الرغم من ذلك، تعجز الحكومتان اليونانية والألمانية عن الإدارة الرشيدة للأزمة الناتجة عن خلافهما بشأن سداد الديون وبرامج التقشف ويتورطان فى إطلاق للاتهامات المتبادلة وفى ممارسات سياسية تبتعد عن العقلانية الأوروبية المعهودة ــ حين تطرح اليونان قضية التعويضات الألمانية عن احتلال النازى بصيغة أقرب ما تكون إلى بحث التاجر المفلس فى دفاتره القديمة، وحين تتجاهل الحكومة الألمانية التداعيات السلبية لبرامج التقشف على الشعب اليونانى الذى تحاصره أزمات البطالة وانهيار مستويات الخدمات الأساسية، وحين تغلب الحكومتان لغة التصعيد والتهديد العلنى على آلية التفاوض الهادئ والبحث عن حلول توافقية، ﻷن اليونان تحتاج للبقاء فى منطقة العملة الموحدة، وﻷن ألمانيا هى المستفيد الاقتصادى والتجارى والمالى الأكبر من الاندماج الأوروبى والعملة الموحدة.

ليس عجز الحكومات فيما بينها عن الإدارة الرشيدة لخلافاتها وأزماتها الحادة، إذن، بخطر يتهدد الدول غير الديمقراطية وحدها ويدفعها هى دون غيرها إلى التورط فى صراعات متكررة. بل تتوالى شواهد حضور ذات العجز فى الدول الديمقراطية، وتندفع حكوماتها أحيانا بلا عقلانية إلى تغليب الصراع على التفاوض. والفارق الجوهرى بين السلطويات والديمقراطيات هنا هو فيما خص مؤسسات وآليات وأدوات الترشيد التالى والرقابة اللاحقة لاحتواء الخلافات والأزمات ومقاومة استحالة الصراعات إلى صراعات لا نهائية؛ فهى تغيب أو تضعف بشدة فى المجموعة الأولى من الدول والحكومات، بينما تتوفر بقوة وفى أطر قانونية ومؤسسية وسياسية واضحة فى المجموعة الثانية. فما زالت روسيا على سبيل المثال تغلب الصراع على التفاوض بشأن الأزمة الأوكرانية (ومداها الزمنى اليوم يقترب من عام)، بينما نشطت البرلمانات فى اليونان وألمانيا وكذلك مؤسسات الاتحاد الأوروبى لدفع حكومتى البلدين إلى طرق أبواب التفاوض مجددا.

وفى السياق المصرى، يظل دور رئيسى للأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى والشخصيات العامة المهتمة بقضايا الديمقراطية والإدارة الرشيدة للأزمات إن داخل الوطن أو بين مصر ومحيطها الإقليمى والدولى صريح الارتباط بممارسة الترشيد التالى للسياسات والممارسات الحكومية وتوظيف المحدود المتاح من مؤسسات وآليات وأدوات (رسمية وغير رسمية) للقيام بأعمال الرقابة اللاحقة بكفاءة بغية احتواء الأزمات وخفض مناسيب الصراعات، ويرتبط أيضا بدعم التوجه الحكومى حين يغلب التفاوض والتوافق على الصراع ــ كما هو حادث اليوم خارجيا فى ملف سد النهضة الإثيوبى ــ ودون إسقاط لضرورة مواصلة معارضة انغلاق أفق التفاوض والتوافق داخليا.

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات