الإنسان ذلك المعلوم 15ـ «وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفا» - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 9:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان ذلك المعلوم 15ـ «وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفا»

نشر فى : الجمعة 25 أبريل 2014 - 6:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 25 أبريل 2014 - 6:40 ص

حينما يقرر القرآن «حقيقة ضعف الإنسان»، فتلك حقيقة تستوجب الانتباه لها، ومعرفة «حقيقة الضعف» الذى خلقنا الله عليه ووصفنا به.

نعم فالقرآن يؤكد: (اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّة ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفا وَشَيْبَة..)

(1)

هذا ضعف يناسب زمانه ومكانه، ضعف المنشأ، فكل كائن يبدأ صغيرا ضعيفا، فهذا الإنسان الذى تراه ضخما قوى العضل يحمل الأثقال، بدأ خلقه جنينا فى بطن أمه بل كان فى صلب أبيه «ماء مهين» ماء لا يصلح إلا للنمو، وهو مهين فى تلك الحالة لضعفه، وربما لمجاورته المخرج القذر «لمجرى البول»، وربما مهين ضعيف لأنه قد يخرج ساقطا إثر البلوغ، وربما بسبب ضرورة إزالته من الملابس لتصلح الملابس للعبادة.

وهذا كله ضعف يناسب ظرفه «ظرف التكوين» ثم ظرف «الحمل فى بطن أمه» فيبقى الإنسان ضعيفا فى أطوار حمله (نُّطْفَةَ ــ عَلَقَة ــ مُّضْغَة غَيْر مُّخَلَّقَة ــ مُّضْغَة مُّخَلَّقَة ــ لَحْم ــ عِظَام) وعند استيفاء الحمل ينتقل هذا اللحم والعظام اللينة إلى «خلق آخر» أشد مما كان، لكنه لايزال ضعيفا لا يقوى على شىء.

هذا ما يناسب بدء التكوين، ثم الحمل فى بطن الأم.

(2)

ويتدرج الضعف بداية من مولده فها هو «وليد ــ رضيع ــ طفل ــ صبى ــ (فتى/ فتاة) ــ شاب ــ رجل ــ كهل ــ (شيخ / عجوز)»

وفى كل مرحلة من هذه المراحل يرى الإنسان نفسه بين الناس ضعيفا بالنسبة للبعض، وقويا بالنسبة للآخرين.

هذا الضعف المتوازن بين الناس يجعل الإنسان دائما أمام مسئولياته ويذكره: «إنك لست وحدك فعلى الأرض من هو أقوى منك فلا تتجبر على من هو أضعف منك».

وهذا هو معيار الآدمى، إذا تحول إنسانا يأنس إلى الناس ويأتنس بهم، هذا هو المعنى الظاهر من قوله تعالى (..وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفا) أى يا من ترى نفسك قويا على أحد، فإنك ضعيف أمام آخرين

(3)

و«للضعف وجه آخر محبوب ومطلوب»، فالضعيف يقوى بغيره، ويقوى مع غيره، وهذا هو المستهدف، فلو كان الإنسان قويا بمفرده فربما حاول الانفراد والانعزال والاستقلال عن غيره مما يعود عليه بالإرهاق المتواصل، وعدم الراحة وعدم الترفيه. كذلك فمهما كانت قوة الإنسان وقدرته فإن الوقت (زمن عمره) لا يسمح له بإنجاز كل رغباته - خصوصا أمام هذا السيل المتدفق من المخترعات، وهنا يلجأ للعدوان على الآخرين فيأخذ منهم أو يمنعهم مما معه.. فحاجة الإنسان لغيره «ضعف مستحب غير مكروه».

فالضعف عامل رئيسى فى عدم عدوانه ــ والضعف دافع رئيسى للتعاون مع الآخرين.

(4)

ومن بليغ تعاليم القرآن وتربيته للإنسان، ذلك المثل الذى ضربه الله لبيان قدرة الإنسان مهما كان قويا، ذلك المثل الوارد فى خواتيم الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)

هكذا يرى القوى نفسه «ضعيفا أمام الذباب» صورة تتكرر كثيرا سواء مع الذباب أو البعوض... إلخ. فإذا كنت أيها الإنسان «لقمة سائغة للذباب»، فلماذا التجبر على ضعفاء البشر؟ ولماذا هذا الكبر غير المبرر؟ وقد حدث أن أحد الأمراء طلب حضور الإمام مالك إلى قصره ليستفتيه فى مسألة، وكان مالك لا يدخل بيوت الأمراء، فبعث بأحد تلاميذه وهو الشافعى، وكان صغير السن، ورأى الأمير أن حضور ذلك الصبى إهانة له، فأراد الأمير تحقير الصغير وإشغاله بمعضلة علمية ــ ظاهرها السهولة ــ فقال الأمير للشافعى: «قبل أن أسألك عن مسألة الميراث قل لى أولا لماذا خلق الله الذباب؟ وأدرك الصبى تكبر الأمير وإنه بحاجة إلى درس ينجيه من غروره.

فأجاب الصبى: «خلق الله الذباب لإذلال المتكبرين» قال الأمير «كيف؟» فقال الصبى: «إن الذباب يقف على القذر، ثم يقف على وجه الآدمى فلا يستطيع رده ولا استرداد ما أخذه من دمه؟ ضعف الطالب والمطلوب

يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات