معايير تقييم التعليم لا تدعم التعلم - قضايا تعليمية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معايير تقييم التعليم لا تدعم التعلم

نشر فى : السبت 25 أبريل 2015 - 9:00 ص | آخر تحديث : الأحد 26 أبريل 2015 - 1:12 م

تأتى هذه المقالة نتيجة إحباطى كمعلمة، وشخص يقدم الدعم للمعلمين الآخرين، وباحثة، وعالمة غير تقليدية، وأم. لإحباطى صلة بمعايير الجودة، وكيف يبعدنا الهوس بها عما هو مهم فعلا بالنسبة للتعليم.

إن هذه المعايير بطبيعتها غير موضوعية، ومسيسة، وتمييزية. إنها دائما معايير شخصٍ ما، وغالبا ما تكون معايير الأقلية المهيمنة التى تمتلك السلطة والنفوذ، وفى العادة توضع من قبل صانعى السياسات وليس الممارسين. وفى كثير من الأحيان، تحقق هذه المعايير الحاجات (الليبرالية الجديدة) للسيطرة والقياس، وليس الحاجة الحقيقية لتحسين قيمة التجربة التعليمية الواقعية داخل الفصول الدراسية.

عندما يتحدث الناس عن معايير لضبط جودة التعليم، خصوصا فيما يتعلق بالتدريس (كالاعتماد)، فإنهم فى العادة يشيرون إلى بعض المقاييس الموحدة والمفرغة من المضمون، ويعتبرون أى شخص يتوافق معها مؤهلا. مع ذلك، هل يأخذ الأشخاص ممن يضعون تلك القواعد فى الإعتبار كون جميع الفروقات الدقيقة والتعقيدات للسياقات المحلية لأولئك الذين ستفرض عليهم هذه المعايير ستؤدى عملها؟ وهل سيتأكدون من أن هذه المعايير ستطبق فى الممارسة؟ أحد الأمثلة على واحدة من المعايير التى قد تكون كارثية تتمثل بمخرجات التعليم المحددة مسبقا والتى لا تأخذ بالاعتبار النقاط التى بدأ منها الطلاب. كما تعتبر خطط الدروس الصارمة التى لا تستجيب لحاجة الطلاب مثالا آخر على ذلك. تتعلق الأمثلة الأخرى بوضع معايير توجب على الطفل أن يحقق تحصيلا معينا، وتقييم ذلك وفق طرق موحدة تفشل فى أن تأخذ بالحسبان النظرة الشاملة للطفل.

إن هذا النهج الكلى يعمل على تجريد المعلمين من إنسانيتهم، من خلال تقليل الإيمان بقدرتهم على الحكم والتصرف بشكلٍ ملائم فيما يتعلق بالمواقف الصغيرة التى تحصل فى داخل فصولهم الدراسية. كما أنهم يجردون الطلاب من إنسانيتهم بجعلهم قابلين للمقارنة دائما وفق بعض المعايير التعسفية، حيث الهدف هو ألا ينقصهم شىء بدلا من تحسين ذواتهم. كما أنها تجرد أولياء الأمور من إنسانيتهم من خلال عدم إشراكهم وجعلهم يشعرون على الدوام بأنهم محكومون فى كون أطفالهم لا يلبون معايير شخصٍ آخر يحدد لهم ما يتوجب عليهم أن يكونوا عليه. إن أمورا كالاختبارات الموحدة تهين العملية التعليمية نفسها من خلال اختزالها برقم يتحصل عليه الطالب خلال ساعات قليلة من وقت الامتحان الموحد.

•••

التقيتُ مؤخرا بسيدة أخبرتنى بأن طفلها كان مصنفا ضمن «طيف التوحد». أخبرتنى عن مدى الصعوبة التى واجهوها فى تشخيصه، حتى وجدت فى نهاية المطاف شخصا أخبرها بأن تتجاهل طبيعة التشخيص أو العنوان الذى يصف حالته، وأن تركز عوضا عن ذلك على العمل مع الطفل فى مجالات معينة حيث يمكن لنوعية حياته أن تتحسن. أعتقد بأن ذلك كان منهجا أفضل – أن تركز على كيفية مساعدة الآخرين على التحسن بدلا عن تشخصيهم وتصنيفهم.

يمكننا أن نأخذ ذلك لمستوى أعلى من الاعتماد الجامعى وما الذى يعنيه البحث عن اعتماد من مؤسسات خارجية والتى تعرف القليل جدا عن واقع المؤسسة المحلية. نشرت الفنار للإعلام مؤخرا تقريرا يظهر حجم اهتمام الجامعات العربية فى الحصول على اعتماد خارجى.

تتضمن فكرة قيام بعض الجامعات والشهادات بقولبة تصميمها الخاص بطريقة تمكنها من الحصول على الاعتماد قيامهم بإيجاد برامج تلائم معايير بعض الأشخاص الأجانب عوضا عن بحثهم بشكل أكثر قربا عن الأهداف الأكثر نفعا بالنسبة لسياقاتهم المحلية. من الممكن القيام بالأمرين بالتوازى، كما أفترض، لكن من الصعوبة بمكان أن نوازن بين الأمرين بشكلٍ عادل. فهل تنتقل السياقات الثقافية المختلفة فى الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بشكل جيد عند تقييم البرامج المحلية فى المنطقة العربية، مع العلم بأن بعض سياقاتها ذاتها تختلف كثيرا عن بعضها البعض؟

نحن نخدع أنفسنا إذا ما اعتقدنا بأن اجتياز المؤسسات للوائح التقييم للعوامل ومنحها الاعتماد يخبرنا شيئا ذا معنى فيما يخص طريقة التدريس المتبعة. أعترف بأننى لم أكن أبدا فى وسط عملية اعتماد جامعى، لكن فى إمكان أحدهم من المحيط ملاحظة كيف تغيب الكثير من التفاصيل المهمة عن بال المعتمدين لأن تلك التفاصيل وببساطة ليست على لائحة الفقرات التى يبحثون عنها.

يشبه الأمر إلقاء نظرة على خطة عمل شركةٍ ما من دون التدقيق فى الكيفية التى أنشئت بها يوما بعد يوم. كما لو أننا نلقى نظرة على المناهج والكتب الدراسية ثم نصدر حكما عن جودة التدريس. بناء على ذلك، أو إلقاء نظرة على البنى التحتية للمؤسسة كمختبراتها مثلا، ولكن من دون رؤية كيف يعمل الطلاب فيها فى الأيام الاعتيادية. التعلم أكثر من مجرد تصميم، إنها عملية تحدث بين المدرسين والطلاب. التعلم عملية تحدث للمتلقى نفسه داخل وخارج الفصل الدراسى ومنهج لن يكشف عن قدر التعليم الذى تم فعلا. فى إمكان امتحان أو بحث نهائى أن يقوم بذلك. لكن ذلك سيريك النتيجة النهائية فحسب، وليس العملية ككل.

قد يعتقد المدير أو المعتمِد بأنهم قد رأوا نتيجة التعليم على الأقل، وهذا هو المهم، لكنهم لم يروا المكان الذى بدأ الطلاب منه، ولا ما مروا خلاله، وكيف تم دعمهم للانتقال من نقطة «أ» إلى النقطة «ب». فكلنا يعرف بأن مؤسسات رابطة اللبلاب قد تكون رائعة ببساطة فى اختيار متعلمين جيدين بدلا عن توفيرها لتعليمٍ جيد. سيكون اختبارا حقيقيا لتعليم رابطة اللبلاب إذا ما كان فى إمكانهم التعامل مع فوجٍ كامل من الطلاب ذوى المعيار المتوسط القادمين من خلفيات مدرسية، وقدرات قراءة، ومستويات تفكير نقدى متباينة، فضلا عن خلفيات ثقافية مختلفة، خلال وقت كانت فيه بلادهم تمر بفوضى سياسية، وقدرتها على جعلهم متفوقين. سيكون الأمر كذلك إذا ما قبلوا باحثين متوسطى الخبرة ووفروا لهم الموارد والدعم الكافى لجعلهم من الفائزين بجائزة نوبل (ولكن أوه نحن ههنا مرة أخرى أمام التساؤل حول كون جائزة نوبل ليست الطريقة الوحيدة فى تحديد جودة المعرفة، صحيح؟).

إذن كيف يمكننا أن نتعرف على عملية التعلم؟ ليست هنالك إجابة بسيطة لهذا التساؤل، ولا يتوجب علينا أن نبحث عن واحدة. إحدى الطرق هى أن نفكر باستمرار بالمعلمين والمتعلمين معا، وعن كل ما يجرى أثناء الفصل الدراسى نصف السنوى، أن نتحدث ونفكر فى العمل، حتى بعد (وخاصة بعد) انتهاء الفصل الدراسى. من خلال جمع ملفات العمل قيد الإنجاز والسماح للأشخاص فى المؤسسات بإجراء تقييم ذاتى للتقدم، وفقا للمعايير التى تكون ذات معنى بالنسبة لهم وفق واقعهم المعاش أنفسهم. سينقل هذا النوع من التحولات عبء الرقابة والتقييم من المؤسسات الخارجية إلى المستوى المحلى.
كان الفيلسوف الفرنسى ميشيل فوكو ليأخذ موقفا من هذا ويعتبره أحد أشكال التنظيم الذاتى. لكن ذلك تحسن بالنسبة للتقييم الخارجى، والذى يعتبر موضوعيا بسبب بعده، بينما فى الواقع يجعله هذا البعد أقل حساسية بالنسبة للسياق العام والفروقات البسيطة.

•••

لا يمكننى أن أنكر أهمية الحصول على شكل من أشكال الاعتراف بجودة ما نقدمه كمؤسسات تعليمية، ففى النهاية، يحتاج الطلاب وأولياء الأمور لطريقة ما للمقارنة والاختيار بين المؤسسات، ومن المرجح أنهم لا يمتلكون الوقت أو المعلومات الكافية لدراسة كل مؤسسة بشكل متعمق.

إذا ما كان على تقديم اقتراحات بناءة ليؤخذ بها، فإنها ستكون موجهة للمؤسسات بأن عليها أن:

تدرك بأن المعايير الخارجية والاعتماد ليس كافيا، وأننا بحاجة لفعل المزيد أكثر مما هو ظاهر بالنسبة للمعتمدين.

ألا ندع المعايير والمؤشرات الخارجية لتكون مؤشرنا الوحيد أو الرئيسى، وألا يعمينا ذلك عن رؤية أشياء أخرى لها أهميتها.

البدء ببناء معاييرنا الخاصة وطرق تقييمها بشكل يجعلها ذات معنى بالنسبة لسياقاتنا، وإشراك الممارسين فى وضع تلك المعايير.

مراجعة المعايير باستمرار وترك قدر من المرونة فيها بما يسمح بالابتكار وإدخال أشكال غير تقليدية من المعرفة.

مها بالي- أستاذ مساعد مشارك فى مركز التعليم والتدريس فى الجامعة الأمريكية فى القاهرة

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفنار للإعلام

التعليقات