حار جاف.. مصرى - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حار جاف.. مصرى

نشر فى : الإثنين 25 أبريل 2016 - 10:15 م | آخر تحديث : الإثنين 25 أبريل 2016 - 10:15 م

فى ظهيرة يوم قائظ، تتزاحم السيارات البطيئة، تحت أشعة الشمس الحارقة. تتزايد كثافة الإحساس بالاختناق عند الجميع. ضيق يعلو وجوه السابلة.. المنظر يوحى ببداية اندلاع مشاجرات.. وسط تلك الأجواء المتوترة، يلتفت البعض إلى عربة أجرة، بداخلها، على المقعد الخلفى، تجلس فتاة بفستان الزفاف الأبيض، بجانبها رجل عجوز، فورا، ينقلب الحال. تنفرج الأسارير المتجهمة. البهجة تتسلل سريعا للوجوه. بنات وأولاد يلوحون للعروس. كلاكسات السيارات تطلق نغمات التحية المتداولة. ابتسامة عريضة تضىء ملامح العروس، خاصة حين تسمع أمنيات طيبة.
هذا المشهد القاهرى تماما، يحققه مخرجنا الشاب، المتمكن فى أدواته، صاحب الحس الإنسانى، شريف البندارى، فى فيلمه الذى بدا خير افتتاح لمهرجان الإسماعيلية الدولى للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة، فى دورته الــ«١٨».
«حار جاف صيفا»، أقرب للآهة المصرية الصادقة، النابعة من القلب والعقل، يمتزج فيها الألم بالأمل، الغضب بالتسامح، العناء بالقدرة على الصمود، الرضا بما هو خارج عن السيطرة، الإيمان العميق بإمكانية الإنقاذ من المصائر الفاجعة.. هذه كلها، من المعالم الجوهرية للشخصية المصرية، يعبر عنها، ببساطة وبلاغة، الفيلم المعتمد على طاقات إبداعية ذات شأن كاتبة السيناريو، نورا الشيخ، المتفهمة لأعمال أبطالها، بضعفهم وقوتهم.. المصور الجديد، صاحب العين اليقظة، المتسعة الأفق، فيكتور كيردى.. المونتير، عماد ماهر، بنعومة قطعاته ووصلاته، حتى إن الفيلم يبدو كأنه يتنفس الحياة، بسلاسة.. ثم، من قبل ومن بعد.. شريف البندارى.
يبدأ الفيلم صباحا، الرجل العجوز، عم شوقى، بأداء خلاب من محمد فريد، ينشر الغسيل على حبال شرفة شقته المتواضعة فى بيت قديم. سرواله يقع.. على صوت تنبيهات ابنه الذى لن نراه، يستكمل ارتداء ملابسه البسيطة، ولا يفوته ــ حسب التوجيهات ــ أن يحمل الأشعة والتقارير الصحية كافة، لعرضها على طبيب الأورام الألمانى الزائر..
الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، من أهم ايجابيات الفيلم، تمنحه مذاق الحياة. زجاجة مياه مثلجة، يحملها عم شوقى بإعزاز، يبلل بجرعات صغيرة منها حلقه الجاف فى هذا النهار الحار.. السروال، يجده حين يغادر باب البيت، يلتقطه من الأرض، يضعه فى كيس الأشعة والتقارير.. لاحقا، فى عيادة الطبيب، يسقط السروال. ينشغل شوقى فى سحب السروال، بقدمه، بينما يعرب الخبير الألمانى عن دهشته من بقاء العجوز على قيد الحياة، حتى الآن. يصرح بأن الرجل سيغادر الدنيا، خلال فترة وجيزة.. أما كيس الأشعة، فإنه سيصبح أحد أبطال الفيلم!
فى سيارة التاكسى، قبل الذهاب للطبيب، تستأذن الفتاة المتعجلة، دعاء «ناهد السباعى»، فى الركوب، بجانب عم شوقى، ومعها صديقتها، لإيصالها فى الطريق، خاصة أنها تحمل الكثير من مستلزمات الفرح.. تنزل من العربة، حاملة معها لفافاتها، بما فى ذلك كيس الأشعة والتقارير.. يصبح لزاما على عم شوقى البحث عنها.. بعزيمة من حديد، ينتقل العجوز المنهك، من صالون تجميل إلى شقة تأجير فساتين الزفاف، إلى أن يعثر على مبتغاه.. لا يفوت الفيلم إلقاء الضوء على جانب من حياة المصريين، وقيمهم، فى الحاضر.. نساء يعملن، بلا كلل، هنا وهناك.. دعاء، الشعبية، تتحايل على عريسها، عن طريق المحمول، من أجل السماح لها بإظهار خصلة من شعرها، كى تظهر بها فى صورة الزفاف.
محمد فريد، ممثل يتمتع بحضور محبب، ظهر فى عشرات الأفلام، فى أدوار ذات طابع كوميدى.. لكن، فى هذه المرة، يختلف تماما، ليس بسبب طبيعة دوره كرجل استفحل المرض بداخله وأسقط شعر رأسه وذقنه وحاجبيه، لكن لأنه يعايش الحالة، بحركته، لفتاته، صوته، روحه كلها.. إلا أن ثمة لقطة أو أكثر، ترتفع به، ويرتفع بها، إلى درجة تستحق الإشادة والتأمل.
بناء على إلحاح «دعاء»، يذهب معها إلى استديو التصوير، انتظارا لعريسها الذى تأخر لأنه يحضر أسرته من طنطا.. مع مرور الوقت يقترح المصور أخذ لقطات لعم شوقى، فى وضع العريس، ثم، حين يأتى المتأخر، يصوره منفردا، وعن طريق «الفوتومونتاج» يضع صورة العريس مكان صورة العجوز.. أثناء التصوير، أكثر من مرة، تلتمع عيون المريض، للحظات، بألق عشق الحياة، التمسك بتلابيبها، الرجاء بالبقاء فيها.. إنها من أجمل مواقف الفيلم، خاصة تلك اللقطة الكبيرة لكفه النافرة العروق حين يضعها فوق كفها المترعة بالشباب.
«حار جاف صيفا»، الذى يدور فى عدة ساعات، ينتقل، زمنيا، إلى ما بعد عام: «عاء» حامل، عندها طفل يلعب، صورتها مع عريسها تزين المكان.. بينما عم شوقى، يجلس فى شفرته، منتشيا بمزاق «الآيس كريم».. تتراجع الكاميرا للوراء، لنلمح صورته كعريس مع الفتاة الشعبية، فالواضح، أن المصور، أو البنت، أو العريس، سمحوا له باستبقائها معه.. إنه فيلم جميل، موغل فى مصريته.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات