سلاح فى اليد - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سلاح فى اليد

نشر فى : السبت 25 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 25 مايو 2013 - 8:00 ص

قررت الولايات المتحدة الأمريكية منذ أشهر قليلة السماح لركاب الطائرات بحمل السكاكين الصغيرة على متن رحلاتها الجوية معلنة نهاية الحظر الذى فرضته فى أعقاب هجمات الحادى عشر من سبتمبر. هذا التحول فى السياسات الصارمة التى تتبعها الخطوط الجوية الأمريكية والتسامح المفاجئ مع المسافرين الذين يلاقون الويلات فى عمليات التفتيش بدا غريبا بعض الشىء.

 

صرح المسئولون بعدة أسباب دفعتهم إلى اتخاذ هذا القرار؛ منها بأن الموافقة على حمل الركاب لسكاكين الجيب يجعل من لائحة الأغراض الممنوع اصطحابها على متن الطائرات الأمريكية أكثر تطابقا مع اللوائح المعتمدة دوليا كما أنه يساعد على توفير الوقت الذى يتم إهداره فى التفتيش ومن ثم التركيز على الأخطار الحقيقية التى تتهدد حالة الأمن أثناء الرحلات والتى لا تتضمن «سكاكين الجيب» بأية حال.

 

بعد أيام قليلة من نشر الخبر السابق صرحت ولاية ساوث داكوتا الأمريكية للعاملين فى المدارس بحمل السلاح. لم تكن ساوث داكوتا الولاية الأولى التى تتخذ مثل هذا الإجراء، إذ سبقتها أخرى؛ أتاحت حمل المعلمين لمسدساتهم داخل الفصول الدراسية. قيل إن الأمر صار ضروريا فى ظل تزايد الهجمات المسلحة على المدارس وإن الدفاع عن التلاميذ أصبح احتياجا حقيقيا. وسط الأصوات العالية؛ لم يتمكن المعارضون لحمل الأسلحة والمطالبون بوضع قيود على حيازتها من الوقوف أمام عملية التسلح الجديدة.

 

•••

 

لم تلق سياسة «إباحة السكاكين» استحسان طواقم الطائرات فى الولايات المتحدة، فقد اعتبرها المضيفون والطيارون خطوة غير محسوبة سوف «تولّد خطرا يمكن تفاديه»، كذلك لم يلق تسليح العاملين فى المدارس قبولا واستحسانا، فمعلم يقف أمام السبورة، وفى حزام بنطلونه مسدس، لهو أمر عبثى مفزع، والحقيقة إنه لا يوجد ضمان حقيقى لعدم استخدام هذا السلاح فى فورة غضب ــ ولو كانت استثنائية ــ من مُدَرِّس، تجاه طالب تعدى عليه قولا أو فعلا، فاستفزه أو استهزأ به.

 

•••

 

ذكرتنى تلك الأخبار المتعاقبة بظاهرة حمل السلاح التى صارت فى الفترة الأخيرة أمرا مألوفا، تمكن ملاحظته جهارا نهارا، على أطراف المدن المصرية وفى قلبها، وسط العشوائيات، وكذلك داخل الأحياء المنظمة التقليدية.

 

خلال بضعة أشهر؛ نشرت الصحف أخبارا أتت من محافظات متنوعة؛ عن أولياء أمور يهاجمون مدارس أبنائهم بالسلاح؛ انتقاما من مدرس أو اعتراضا على قرار مدير. نُشِرَ كذلك خبرٌ عن تَحَوُّل لجنة امتحانات إلى ساحة اقتتال بالأسلحة النارية بين الطلاب، وثانٍ عن مشاجرة فى مدرسة ثانوية أضيف إليها المولوتوف والشوم، وثالث عن طالب لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره ألقى القبض عليه وبحوزته سلاح نارى بالقرب من مدرسة بنات، وآخر أصيب بالفعل بطلق نارى فى الكتف حال دخوله مدرسته، وخامس يقول إن تلميذا فى المرحلة الإعدادية اصطحب معه أربع زجاجات مولوتوف لحرق الكتب الموجودة بالمدرسة بعد انتهاء الامتحانات. تذكرت وأنا أقرأ الخبر الأخير تحديدا، إن أقصى حالات الفرحة، والتمرد على الكتب، بعد انتهائى وزميلاتى من الامتحانات فى زمن مضى كانت تتحقق بإلقائنا الكتب إلى أعلى فى الهواء وتركها تسقط أرضا وسط الضحكات والصياح بأنه «لا مذاكرة بعد اليوم». تغيرت الظروف والأحوال ولم يعد إلقاء الكتب أرضا شافيا للغليل.

 

•••

 

أثناء الثمانية عشرة يوما الأولى من عمر الثورة، وحين تكونت اللجان الشعبية فى كل مكان، ظهر السلاح فى أيدى المواطنين، محمولا كما تُحمَلُ أرغفة الخبز. حالما تناثرت الشائعات وكان بعضها صادقا، عن قدوم مجموعات من الخارجين على القانون للسطو على الأحياء وإشاعة الذعر بين الناس، لم يعد هناك شارع واحد أو ربما بناية واحدة بغير سلاح نارى. لم يختف السلاح مع الاستقرار النسبى فى الأوضاع، ولم يعد إلى مكمنه بمرور الوقت، على العكس؛ سعى كل من لا يملك سلاحا إلى الحصول عليه.

 

بدأ سباقٌ مستعرٌ نحو التسلح بشتى الطرق، وهو سباق يحمل فى طياته دلالات متعددة؛ منها هذا الشعور العميق بعدم الأمان الذى أصاب المجتمع يقابله تضاؤل الثقة فى أجهزة الدولة الأمنية وكفاءتها وقدرتها على توفير الحماية للمواطنين، وكذلك التيقن من السقوط الفادح لسيادة القانون بكل ما يترتب عليه مِن تداعيات. صار كثيرٌ من الناس يؤمن بأن استرجاع الحق غير ممكن إلا عن طريق السلاح، والحصول على المزيد ممكن بالسلاح، واغتصاب حقوق الآخرين أمر يسير لا يلزمه أيضا سوى سلاح. فى ظل هذا الكم من «السلاح» غير المشروع راحت الشرطة تطالب هى الأخرى بتسليح أكثر تطورا حتى تتمكن من تحقيق التفوق الميدانى على المواطنين.

 

•••

 

ربما تنظم الضوابط والتشريعات حمل وتداول السلاح، لكنها لن تزيل أسباب وجوده، ولن تمثل إلا محاولة لعلاج العرض لا المرض نفسه، وسواء تَسَلَّحَ المعلمون الأمريكيون وفقا للقوانين واللوائح أو تَسَلَّحَ المواطنون المصريون عنوة دون قوانين أو لوائح يبقى السلاح فى الحالتين احتياجا واقعيا وماسا تفرضه الظروف والأوضاع الجارية وفى كلتا الحالتين أيضا تبقى مشاعر الخوف والقلق والتوجس الدائم مِن اعتداء محتمل سيدة الموقف.

 

هكذا يتسلح المواطنون؛ كبارا وصغار، وتتسلح الشرطة فى المقابل بالمزيد، ويصبح الرصاص فى نظر حامليه حلا أمثل وجذريا للمشكلات.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات