نص سلطوى واضح - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نص سلطوى واضح

نشر فى : الأربعاء 25 مايو 2016 - 10:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 25 مايو 2016 - 10:40 م

على من يعتقدون أن الحكم فى مصر يتعامل دون اختيارات حاسمة أو بعشوائية مع ملفات الحقوق والحريات أن ينظروا إلى عموم المشهد المجتمعى والسياسى لكى يتثبتوا من بطلان اعتقادهم. كذلك على من يروجون لكون قضايا الحقوق والحريات تسقط باستمرار كضحية لصراعات يفترضون حدوثها بين الأجهزة الأمنية بعضها البعض أن يعيدوا قراءة تفاصيل المشهد المصرى لكى يتيقنوا من خطأ ما يروجون له.


فالحكم فى مصر يتصرف وفقا لنص سلطوى واضح وممنهج، لا غموض ولا عشوائية به. وحديث الصراعات والتناقضات بين الأجهزة ينتجه من راهنوا فى ٢٠١٣ على إمكانية التزام الحكم بسيادة القانون وضمانات الحقوق والحريات، ويجدون اليوم صعوبة فى الاعتراف بالتصادم المبدئى بين حكم بوليسى الطبيعة والتوجه وبين كل ما يندرج تحت خانات الديمقراطية والحرية.


فحصيلة الفترة الممتدة من ٢٠١٣ إلى اليوم لا لبس بها، وعقارب الساعة أعيدت بالفعل إلى وراء أبعد زمنا عن مجرد ما قبل يناير ٢٠١١. بوضوح ومنهجية، أميتت الحياة السياسية بمضامين التحول الديمقراطى التى حملتها بين ٢٠١١ و٢٠١٣، بل وبمضامين التعددية السياسية المقيدة التى حضرت عقود حكم الرئيس الأسبق مبارك. ومما نسميه تفاعلات سياسية بقى لنا فى مصر فقط عمليات انتخابية شوهت يتنافس بها فقط مبايعو الحكم، ومؤسسة تشريعية تعرف دورها «كظهير» للحاكم ويحظر على المنتسبين إليها «التورط فى توجيه النقد» لأعمال السلطات.


بوضوح ومنهجية، حوصرت منظمات المجتمع المدنى وعصف بالحريات النقابية على نحو حد كثيرا من فاعلية الاحتجاجات السلمية إن ضد الانتهاكات الرسمية لحقوق الإنسان والحريات أو بشأن السياسات الاقتصادية والاجتماعية التى ينفذها الحكم. واتبع فى هذا الصدد خليط من ممارسات التعقب والتهديد والعقاب باتجاه الفاعلين المستقلين فى مساحتى المجتمع المدنى والنقابات، وتصاعد المضمون القمعى وصولا إلى إنهاك منظمات المجتمع المدنى بعمليات تقاضى لا تتوقف وإلى الاصطدام المباشر بنقابتى الأطباء والصحفيين وسلب حرية قيادات عمالية أو استبعادها من العمل.


بوضوح ومنهجية، أغلق بين ٢٠١٣ و٢٠١٦ الفضاء العام فى مصر وأعيدت عقارب ساعة حرية التعبير عن الرأى إلى وراء لم تعاصره الأغلبية الشابة من المواطنات والمواطنين. يوظف الحكم سلب الحرية وجرائم وعقوبات قاسية أخرى لتهجير المواطن من الفضاء العام. يطلق اليد القمعية للأجهزة الأمنية لإخماد الطاقات الاحتجاجية لقطاعات سكانية مؤثرة كالطلاب والشباب والعمال. يهدد المشاركون من مواقع مختلفة فى النقاشات العامة بالتعقب والعقاب (متنوع الأدوات والمستويات) ما لم يمتثلوا للرأى الرسمى أو يصمتوا عن الانتقاد والمعارضة.


يفرض الإنكار استراتيجية رسمية وحيدة للتعاطى مع جرائم وانتهاكات للحقوق والحريات لم تشهدها بلادنا منذ الوراء البعيد وتجعل «السجل مصرى» موصوما ومحبطا ــ مصر تأتى اليوم فى مقدمة القوائم العالمية للمنتهكين. وبالإضافة إلى جميع هذه الممارسات والاستراتيجيات المنفذة منذ ٢٠١٣ بحدة غير مسبوقة، أخضع الحكم المساحات الإعلامية إن لسيطرته المباشرة (وسائل الإعلام  الحكومية) أو لسيطرة رأس المال المتحالف معه (أغلبية وسائل الإعلام الخاصة)، وألزم الإعلام من ثم (فى معظم الأحيان) بالرواية الرسمية.


لا غموض ولا عشوائية هنا، ولا صراعات وتناقضات أجهزة تذبح على عتباتها الحقوق والحريات. بل نص سلطوى واضح ينفذه الحكم، ولم تزل كلفته على الحاكم والحكم ضئيلة.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات