الوجه القبيح لسندريلا - صحافة عربية - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الوجه القبيح لسندريلا

نشر فى : الخميس 25 مايو 2017 - 10:45 م | آخر تحديث : الخميس 25 مايو 2017 - 10:45 م
إحدى المجلات فى بداية القرن التاسع عشر كان عنوانها «حارس التعليم»٬ وهدفها الأساسى هو «المساهمة فى حماية عقول الأطفال الأبرياء من الأدب الساذج وغير الناضج المقدم لهم»
كتبت المجلة عن قصة سندريلا أنها على الرغم من مقبوليتها الواسعة تعتبر من أسوأ القصص التى تقدم «مشاعر خاطئة» فيما يخص النمو الشعورى عند الطفل٬ والتى يجب ألا يعرفها الطفل أو يتعرض لها٬ مثل الحقد٬ والغيرة٬ وكره زوجة الأب٬ وحيازة الفساتين وغيرها.
خذ أيضا السيدة هيوينز أمينة المكتبة العامة فى لندن فى نهايات القرن التاسع كتبت مقررا للآباء يعطيهم تعليمات عن الطريقة الأفضل لاستخدام كتب الطفل٬ قالت: «لا تجعلوهم إطلاقا يقرأون شيئا لم تقرأوه أنتم قبلا٬ اقرأوا لهم لتوضيح الأوهام والخيالات الموجودة داخل القصة وفصلها عن الواقع وأكثروا من قراءة أشعار شكسبير لهم٬ والأهم هو أن تتذكروا دائما أن تقدموا للأطفال أدبا يمنحهم نموذجا لما يجب أن يكونوا عليه حين يكبروا٬ وليس نموذجا لما يجب أن يتجنبوه.
قد أشعر بتعاطف مع هذه الأفكار التربوية القديمة لكونها كانت تشجع على النقد والتحليل٬ لكنى كتربوية من القرن الحادى والعشرين ومهتمة بأدب الطفل٬ لدى هموم تواكب عصرى لا أحمل نفس القلق بأن الانتشار الهائل لأدب الطفل يجعله متاحا به الغث والثمين٬ ولذا فإن الطفل لا يجب أن يملك خيار اختيار القصص التى يقتنيها.
الصيغة الحديثة للسؤال الذى يعنى بأدب الطفل قد تكون: ما الذى يعنيه أن يتم اختيار الكتاب الجيد بناء على معرفة جيدة بالطفل؟ أو مثلا٬ ما الأدب الذى يجذب الطفل؟
سنجد أن المنهمكين فى تعريف الأدب الجيد للطفل هم الكبار فقط٬ بينما ينهمك الصغار بالحكم الفورى والعفوى على نص ما٬ لذا دعنا نصوغ السؤال بطريقة تناسبنا نحن الكبار حتى تستطيع أدواتنا البحثية التعامل معه: ما العناصر التى تحدد أدب الطفل الجيد؟
لنخوض فى هذه الأسئلة٬ علينا أن نضع فى الاعتبار تاريخية العرف السائد عن مفهوم الطفولة٬ بالإضافة للذوق العام والعادات والتحيزات الفكرية السائدة، لذا لنسأل مرة أخرى: من هو الطفل تحديدا؟ وكيف تغير مفهوم الطفولة عبر الوقت٬ ماذا عن التغيرات التى لم نمتلك أدوات فهمها بشكل كامل بعد، مثل تأثير الميديا والإنترنت على نموذج الطفولة الحديث؟
جهد تصنيف الأدب الجيد للطفل بالنسبة للتربويين فى الغرب٬ هو جهد قديم بدأ منذ قرابة ٣٠٠ عام حين كانت قصص الأطفال مشبعة بالدوجما والمدرسانية والنوايا الحسنة التى تغرق الطفل بالمواعظ عن كيف يكون طيبا وخلوقا ومسالما وطائعا وخاضعا للكبار٬ هل يا ترى يبدو هذا النموذج القديم غريبا عن أدب الطفل العربى اليوم٬ أم أن أثر هذه الروح ما زال يسرى فى جسد الأدب حتى يومنا هذا٬ أليس أدب الطفل العربى اليوم٬ ما زال حبيسا فى تقديم الصورة المشرقة للحياة حيث الأطفال يعيشون حياة صحية٬ محمية٬ مسقوفة٬ وخالية من المعاناة؟
ماذا عن ذلك الأدب سىء السمعة والذى يتحدث عن الشر والموت والمعاناة والتشرد والنزوح والفقر وحقيقة الحياة التى لا تناسب «الطفل العربى السعيد»؟ ماذا عن الحس الطبقى والعنصرى الذى نجده فى الأدب السائد والذى يفصل الحياة الحقيقية الكادحة عن حياة الطبقة المرفهة والمحظوظة التى تتمتع برفاهية الأسلوب التربوى النموذجى فى معالجة النمو النفسى للطفل.
لكن ما الذى يوسع عالم الطفل حقًا ويثريه؟ وألا يساهم تقديم أدب للطفل بصورة مطابقة لحياته وظرفه الاجتماعى فى تأخر المحتوى الثقافى له وعودة لزمن التزمت والصرامة التربوية؟
بهذه الحزمة من التساؤلات قد نعود لقصة سندريلا ونقرأها ربما بنقد أقل صرامة وأكثر اتساعًا لاستيعاب تنوع المشاعر الإنسانية وأنماط الحياة التى سيكون مفيدا بلا شك أن يتعرف عليها الطفل٬ حتى «الطفل العربى السعيد»٬ قد تتفتح مسام الإنسانية لديه كلما تعرض لأدب واسع ومتنوع كتنوع حياة البشر.
المدينة ــ السعودية
داليا عبدالله تونسى
التعليقات