أزمة القضاء المصرى - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة القضاء المصرى

نشر فى : الأربعاء 25 يونيو 2014 - 6:10 ص | آخر تحديث : الأربعاء 25 يونيو 2014 - 6:10 ص

سمعة القضاء المصرى صارت بحاجة إلى إنقاذ. ليس فقط لأن عواصم العالم والمنظمات الحقوقية الدولية صارت تشكك فى استقلاله ونزاهته، ولكن أيضا لأن الثقة فى القضاء تراجعت إلى حد كبير فى داخل مصر ذاتها. لست أتحدث فقط عن أصداء الإسراف فى إصدار أحكام الإعدام ولا عن القسوة المفرطة فى أحكام السجن الصادرة بحق الطلاب والمتظاهرين، ولا عن التسامح المحير والمدهش مع رجال الأمن الذين أدينوا فى ارتكاب جرائم بحق المواطنين. وإنما أتحدث أيضا عن عمليات الكيد والتنكيل بالقضاة الذين رفعوا منذ عقود راية الدفاع عن استقلال القضاء. وتلك ملابسات أزعم أنها تشكل أكبر إساءة للقضاء وإهانة له. إذ بمقتضاها فإن الإساءة صارت تتم من داخل المرفق ذاته وليس من خارجه.

لا غرابة والأمر كذلك أن يشير الاستطلاع الذى أجراه فى شهر مايو الماضى مركز بيو للدراسات (الأمريكى) إلى تراجع ثقة المصريين فى القضاء، إذ بين الاستطلاع أن 58٪ من المصريين صاروا يعتبرون دوره سلبيا فى حين أن 41٪ فقط ارتأوا العكس.

ما عاد مقنعا الرد على أصوات الاستنكار التى صدرت فى أنحاء العالم بأنها تمثل تدخلا فى الشأن الداخلى لمصر، وما عاد مقنعا القول بأن بيوت الآخرين من زجاج ولديهم من السوءات والمثالب أكثر مما عندنا. إذ رغم أن التدخل فى الشأن الداخلى مرفوض قطعا من حيث المبدأ. إلا أن قضايا حقوق الإنسان لم تعد شأنا داخليا فى زماننا. فضلا عن أنها صارت أحد أبواب التدخل الدولى المقبولة سياسيا وقانونيا. بحيث ما عاد من حق أى نظام أو سلطة أن يدير ظهره لانتقادات حقوق الإنسان التى تنسب إليه محتجا بمقوله «شعبى وأن حر فيه». صحيح أن الهوى السياسى كثيرا ما يشوه براءة الفكرة، إلا أن الأصل يظل قائما. أما كون الآخرين لديهم مساوئهم أيضا فهو صحيح، إلا أن انتقاد مساوئ الآخرين لا ينبغى أن يكون مسوغا للقبول بوقوع الانتهاكات عندنا. فنقدهم واجب حقا ونقد ما يجرى فى ديارنا أوجب.

ثمة حجة تساق أيضا مفادها أن الأحكام محل الانتقاد صدرت ولا معقب لنا على حكم القضاء. وهى حجة توضع فى غير موضعها وتساق لإسكات الأصوات وتخويفها.

ذلك أننى أفهم أن الحظر ينصب على التعقيبات والتعليقات التى تصدر أثناء نظر القضية، ضمانا لاستقلال القاضى وتجنبا للتأثير عليه من خلال وسائل الإعلام أو ضغوط الرأى العام. أما مناقشة الحكم بعد صدوره أو التعقيب عليه بعد أن يصدر القاضى قراره بشأنه. فلا حظر عليه وإنما هو مطلوب من باب ممارسة حرية التعبير وتنوير الرأى العام. ومن المفارقات أننا فى مصر نرفع الشعار ثم نطبق عكسه تماما. بمعنى أن المحاكمات ما عادت تجرى فى ساحات القضاء فحسب، وإنما صارت تتم فى وسائل الإعلام بصورة موازية فى نفس الوقت. بل إن بعض وسائل الإعلام أصبحت تتطوع وترشح أحكاما بالمؤبد أو الإعدام أو البراءة على بعض المتهمين. بل إن بين يدى نماذج لتسريبات أوصلها بعض القضاة للصحف تتعلق بتحقيقات جارية أو تحريات تمت، أريد بها تعبئة الرأى العام وتحريضه إلى جانب تشويه صورة بعض الشخصيات العامة. وفى حين يتم ذلك أثناء التحقيق والمحاكمة، فإن الجميع يطالب بالصمت بعد صدور الأحكام بدعوى الالتزام بذريعة عدم التعليق على الأحكام.

فى أجواء البلبلة الراهنة ما عاد ممكنا الفصل بين سيل الإعدامات التى استهدفت عناصر وقيادات الإخوان، لأول مرة فى تاريخ القضاء المصرى، وبين الصراع الحاصل بين سلطة يوليو والجماعة. كما صار من الصعب الفصل بين الإفراط فى إصدار أحكام السجن والغرامات المهولة بحق المتظاهرين السلميين، وبين إصرار السلطة على وقف المظاهرات المستمرة فى مصر منذ عشرة أشهر. كما أصبح من المتعذر الفصل بين تدهور العلاقات بين القاهرة والدوحة وبين أحكام السجن القاسية التى صدرت بحق صحفيى الجزيرة الانجليزية، الذين كانوا يمارسون عملهم العادى شأن أى مهنى فى مصر. والسجل حافل بالنماذج الأخرى التى أثارت شكوكا حول تسييس القضاء وتراجع استقلاليته فى مصر.

أما الذى يفعله القضاة بالقضاة فذلك فصل محزن وباعث على الأسى. لأننا نجد أن قامات عالية من القضاة الشرفاء تم إيقافهم عن العمل وإحالتهم إلى الصلاحية بتهمة الاشتغال بالسياسة والاتصال بالإخوان. وقد أقحم مع هؤلاء حوالى 15 شخصا من الرموز القضائية التى نذرت نفسها للدفاع عن استقلال القضاء وعدالته منذ ثلاثين عاما. ووجهت إليهم اتهامات مضحكة بناء على تقارير أمنية ملفقة. وبعض هؤلاء يجرى التنكيل بهم والكيد لهم بواسطة قضاة كان بعضهم متهما فى عملية تزوير انتخابات عام 2005.

أدرى أن فى مصر أكثر من 14 ألف قاضٍ، واثق فى أن الإساءات والتجاوزات التى حدثت منسوبة إلى شريحة محددودة من هؤلاء. فى حين أن الأغلبية لاتزال تنتسب إلى القضاء الشامخ الذى يحرس العدالة ويشرف مصر والمصريين. لذلك فربما كان الأدق والأصوب أن تنصب ملاحظاتنا على قضاة أو شريحة منهم وليس على القضاء فى مجمله. وربما كان عذرنا فى ذلك الخلط أن البقع السوداء أكثر ما يلفت الانتباه فى الثوب الأبيض. أما كيف ومتى تزال تلك البقع؟، فالإجابة ليست عندى ولا عند وزير العدل، ولكنها عند الرئيس عبدالفتاح السيسى بالدرجة الأولى لأن أصابع السياسة وحسابات المؤسسة الأمنية ليست بعيدة عن المشهد.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.