محمد على كلاى وصناعة التاريخ - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 4:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محمد على كلاى وصناعة التاريخ

نشر فى : السبت 25 يونيو 2016 - 9:00 م | آخر تحديث : السبت 25 يونيو 2016 - 9:00 م
تلقيت بالحزن خبر وفاة الملاكم الأمريكى الجنسية العالمى الأهمية الأسطورى الإنجاز «محمد على كلاى». ويظل «محمد على كلاى» اليوم، وسيظل فى المستقبل، كما كان فى الماضى، مثار اهتمام واسع للبشر فى مختلف أرجاء المعمورة، كما أنه يبقى محورا لحالة احتفالية دائمة من بين صفوف معجبيه ومحبيه.

وبالنسبة للجيل الذى أنتمى إليه، وهو أمر أعتقد أنه ينطبق على أجيال أخرى عديدة ومتتالية إما سبقت جيلى أو جاءت تالية له من الناحية الزمنية، سواء كان ذلك داخل مصر أو خارجها، كان «محمد على كلاى»، ولا يزال، يعتبر بمثابة «أسطورة» لعبت دورها فى صناعة التاريخ على أكثر من وجه ولأكثر من سبب.

فمن جهة أولى، احتل «محمد على كلاى» موقع البطل العالمى فى رياضة «الملاكمة» للوزن الثقيل لفترة طويلة. ولكن وجه الأسطورة لا يكمن فقط فى التتويج بهذا اللقب لعدة سنوات متتالية، وبعد معاناة ومصاعب حتى وصل إلى موقع الصدارة أصلا بسبب خلفيته الاجتماعية المتواضعة وكونه من الأمريكيين من أصول أفريقية الذين عانوا طويلا من التمييز فى الولايات المتحدة الأمريكية حتى وصلت «حركة الحقوق المدنية» إلى عنفوانها بفضل تضحيات شخصيات كثيرة منها بالتأكيد الزعيم الأمريكى الأفريقى الراحل الدكتور «مارتن لوثر كنج»، بل تكمن الأسطورة أيضا، وبجانب ما سبق، فى الإرادة الصلبة التى من خلالها تمكن الملاكم الكبير آنذاك من استعادة لقبه العالمى أكثر من مرة بعد أن كان قد فقده، وذلك فى وقت كانت الملاكمة فيه رياضة محل اهتمام كثيف وواسعة الانتشار عبر العالم، بما فى ذلك فى مصر والوطن العربى، خاصة فى صفوف النشء والشباب.

ومن جهة ثانية، وبعيدا عن رياضة «الملاكمة» فى حد ذاتها، تميز «محمد على كلاى» خلال كونه بطلا فى رياضة «الملاكمة» وبعد اعتزاله لها، بل وحتى وفاته، وبالرغم من مرضه الطويل والمستمر منذ سنوات كثيرة، بحالة متقدمة من الاهتمام والانشغال بالشأن العام، سواء كان ذلك بشأن قضايا داخل الولايات المتحدة الأمريكية، أو على الصعيد العالمى، وسواء كانت قضايا سياسية أو اجتماعية أو ذات طابع إنسانى بشكل عام. وصاحب ذلك بلورته لوعى نضج على مدى السنين والعقود بأهمية موضوعات حيوية على ساحة العمل الداخلى فى الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك على ساحة العمل الدولى، ونمو إدراكه لضرورة الالتفات إلى فئات مهمشة، مرة أخرى سواء داخل مجتمعه الأمريكى أو خارج حدوده.

وربما كان من أهم المواقف التى سيظل التاريخ يذكرها فى هذا السياق للنجم الكبير «محمد على كلاى» هو موقفه المبدئى، والثابت بعزيمة وإصرار، بالرغم من كل الضغوط التى تعرض لها، الرافض للحرب الأمريكية فى فيتنام وضد شعبها الباسل، بل ومجمل الدور الأمريكى المتدخل فى شئون منطقة الهند الصينية فى عقدى الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين. وقد جمع هذا الموقف بين الذاتى والموضوعى، وبين العام والخاص، فقد ارتبط الأمر أيضا بإعلان رفض «محمد على كلاى» أداء الخدمة العسكرية فى حرب فيتنام، وارتبط ذلك بلغة خطاب حادة اتهم من خلالها الإدارة الأمريكية آنذاك بإلقاء الشباب الأمريكى إلى التهلكة فى حرب لا ناقة للمصالح القومية الأمريكية فيها ولا جمل، معتبرا إياها حربا تعيد إلى الذاكرة الظاهرة الاستعمارية وتبتعد بالولايات المتحدة الأمريكية وشعبها بعيدا عن القيم التقليدية، بحسب تصوره، للثورة الأمريكية الداعية للحرية وكذلك تدفعها نحو الابتعاد عن المبادئ الأمريكية فى مطلع القرن العشرين الداعية إلى ممارسة الشعوب لحقها فى تقرير مصيرها بحرية. وكان هذا الموقف سببا فى تصعيد ومزيد من الشحن لحالة استقطاب حادة بين مؤيد ومعارض لموقف «محمد على كلاى»، وبالتالى للحرب الأمريكية فى فيتنام والتدخل السياسى والعسكرى فى شئون مجمل منطقة الهند الصينية.

ومن جهة ثالثة، فقد جذب نجم الملاكمة العالمى «محمد على كلاى» الاهتمام داخل بلاده وخارجها عندما أعلن عن اعتناقه للإسلام، وهو فى أوج مجده وشهرته كشخصية رياضية، بل وعامة، عالمية. ولكى نتفهم أكثر دلالات هذا الحدث فى حينه، وليس بمعايير اليوم، فيكفى أن نقول إنه فى تلك الحقبة التاريخية لم يكن من المعهود أو المعتاد من أعلام المجتمعات الغربية، سواء من الشخصيات الثقافية أو الرموز الفنية أو نجوم الرياضة، أن يعلن اعتناقه للإسلام، ولذا جاء إعلان «محمد على كلاى» عن ذلك، وعن تغيير اسمه الأول من «كاسيوس» إلى «محمد على» ليحدث دويا كبيرا وضجة لم تهدأ. ولم يكتف «محمد على كلاى» بالإعلان عن تحوله إلى الإسلام، بل صار له دور فعال فى مجال أنشطة الدعوة الإسلامية فى الولايات المتحدة الأمريكية، وإن أوقعه هذا الأمر أكثر من مرة خلال تلك الفترة التاريخية المبكرة فى أكثر من مأزق بسبب اقترابه من منظمات للأمريكيين المسلمين تعرضت للاتهام إما بتبنى أفكار متشددة أو متطرفة فى تفسيرها للدين الإسلامى، أو باللجوء إلى ارتكاب أعمال عنف أو التحريض على ارتكابها بشكل مباشر أو غير مباشر.

ومن جهة رابعة، وآخر ما نتناوله هنا، هو دور «محمد على كلاى»، حتى، وبالرغم من، إصابته بمرض عضال، فى المشاركة فى الترويج لحملات جمع أموال لمشاريع خيرية، سواء فى مجالات الطب والعلاج والصناعات الدوائية، أو تجاه موضوعات أخرى لها طابع إنسانى مثل الفئات الأكثر ضعفا، خاصة الفئات المهمشة من الأطفال على سبيل المثال.

وهكذا عرضنا للقطات لها تاريخ وأدوار تبقى لها قيمتها ودلالتها فى مسيرة وحياة النجم الأسطورى والتاريخى الراحل لرياضة المكالمة «محمد على كلاى»، خاصة أن أجيالا جديدة من النشء والشباب داخل مصر والوطن العربى لا تعرف إلا القليل عن هذا النجم المحبوب والمثابر وصاحب المواقف المبدئية العديدة.
وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات