الآثار الدولية للخروج البريطاني - أحمد رحمي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 7:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الآثار الدولية للخروج البريطاني

نشر فى : السبت 25 يونيو 2016 - 8:55 م | آخر تحديث : السبت 25 يونيو 2016 - 8:55 م
منذ شهر ونصف وفيضانات عارمة تجتاح القارة الأوروبية، فاض على إثرها نهر «السين» فى فرنسا بمعدل لم يحدث منذ عام 1982، لدرجة دعت «فرنسا» إلى وضع كنوز متحف اللوفر فى خزائن آمنة خشية تأثر المتحف بالفيضان وتلف هذه الكنوز التاريخية. وفى تصريح للرئيس الفرنسى «فرانسوا أولاند» عن هذه الفيضانات قال: «عندما نعاصر مثل تلك الظواهر المناخية المفاجئة والقاسية، يجب علينا أن ندرك أنه لابد لنا من العمل سويا لمواجهتها على المستويات العالمية وليس المحلية». وكأن الطبيعة بهذه الظواهر المناخية كانت تحاول تحذير الأوروبيين من الفيضان الأخطر الذى سيجتاح بلادهم فى الفترة القادمة، والذى بدأ فعليا منذ ساعات قليلة وتحديدا صباح الجمعة 24 يونيو، بإعلان نتيجة استفتاء انفصال «المملكة المتحدة» عن الاتحاد الأوروبى، والتى حسمت الانفصال بنسبة 52%، مع صدمات متعاقبة فى «المملكة المتحدة» بعد إعلان النتيجة من انهيار للجنيه الإسترلينى أمام اليورو والدولار بمعدلات لم تحدث منذ 31 عاما، وانخفاض شديد لليورو مقابل الدولار فى مشهد لم يحدث مذ ظهور اليورو، مع استقالة لرئيس الوزراء «ديفيد كاميرون»، وتصريح من وكالة التصنيف الائتمانى «ستاندرد أند بوورز» بترجيح تخفيض التصنيف الائتمانى الممتاز للمملكة المتحدة، بعد إعلان نتيجة التصويت الجمعة. جدير بالذكر أن «ستاندرد أند بوورز» هى الوحيدة من الوكالات الثلاث العالمية التى تبقى على التصنيف الممتاز للمملكة حتى الآن، بعد أن تم تخفيضها فى 2013 من قبل الوكالتين الأخريين.

***

وشهدت البورصة البريطانية، انخفاضا حادا بنسب تصل إلى 9% عند فتح التداول بعد إعلان النتيجة، وبدأت البنوك الإنجليزية فى وضع خطط بديلة وعقد اتفاقات استراتيجية مع البنوك المركزية حول العالم، لتدارك أى انهيار بنكى قد يحدث. وعلى مستوى آخر وفيما يخص خطوات ما بعد نتيجة الاستفتاء، فعلى «المملكة المتحدة» فى أقل من عامين، وفقا لشروط الاتحاد الأوروبى إنهاء عملية «الطلاق» كما أُطلق عليها، والتى تستدعى تسوية نصيب المملكة فى ميزانية الاتحاد فورا بكل تعقيدات مثل هذه العملية. وأيضا فك الارتباط فى القوانين المشتركة بين المملكة والاتحاد والممثلة فى أكثر من 80 ألف صفحة مكدسة بقوانين كانت تنظم شتى مناحى الاقتصاد والسياسة بين الطرفين، مع فك الارتباط التجارى وإلغاء الاتفاقيات التجارية، ما قد يستغرق خمس أعوام فى المتوسط «ستعمل المملكة المتحدة خلالها بقوانين واتفاقات «منظمة التجارة العالمية» فى تعاملاتها مع دول الاتحاد». يتبقى تحديد وتقنين وضع أكثر من 2 مليون مهاجر أوروبى يعيشون ويعملون على أراضيها بموجب كونها فى السابق جزءا من الاتحاد الأوروبى، وتوقع المعاملة بالمثل لنفس العدد تقريبا من مواطنيها المهاجرين لدول أوروبية أخرى.

«المملكة المتحدة» على الصعيد الداخلى عليها توقع ثورات داخلية فى المفاهيم الراسخة وطلب طرحها على الاستفتاء الشعبى، كمفهوم «الملكية الدستورية» فى حكم البلاد ووجود العائلة المالكة كجزء من نظام الحكم فى البلاد، والذى طالب الصحفى «مات أيتون» من جريدة «الإندبندنت» بالفعل بطرحه للاستفتاء بعد النتيجة الإيجابية لاستفتاء الانفصال على حد زعمه، ويجب عليها أيضا توقع طلبات استفتاء للانفصال من «أسكتلندا» و«أيرلندا الشمالية» واللتين صوتا برفض الانفصال عن الاتحاد الأوروبى فى الاستفتاء الأخير، وذلك على الرغم من رفض الشعب الأسكتلندى الانفصال عن «المملكة المتحدة» فى استفتاء 2014 بنسبة 55% إلا أن الزعيمة السياسية لأسكتلندا ورئيسة حكومتها «نيكولا ستيرجن» أعلنت الجمعة 24 يونيو، أن الظروف التى بُنى عليها استفتاء انفصال أسكتلندا فى عام 2014 مختلفة تماما عن ظروف اليوم، وعليه فإنها وحكومتها بدأوا بالفعل فى الإعداد لاستفتاء ثان لانفصال «أسكتلندا» عن «المملكة المتحدة» ولكن ما سبق يعد أبسط ما يمكن حدوثه وتوقعه من فيضان تاريخى مثل هذا.

***

والتوقعات العالمية جميعها تنبئ بحدوث سيولة سياسية واقتصادية عالميا لا يستطيع تحديد مداها أعتى وأمهر الخبراء الاستراتيجيين والاقتصاديين فى العالم. والمتفق عليه أن خريطة قوة اقتصادية وسياسية جديدة تبدأ بذورها فى النمو والتكوين منذ إعلان النتيجة، فالاتحاد الأوروبى منذ ارهاصات نشأته فى العام 1951 وقتما كان يعرف بالسوق الأوروبية المشترك وقبلها «اتحاد الصلب والفحم الأوروبى»، كان بمثابة صمام الأمان فى هذه القارة من أية حروب ونزاعات متوقعة، حيث اتفق الأوروبيون ولأول مرة فى تاريخهم الممتد من الحروب والتقاتل المميت أن يُعلوا صوت «المصلحة» فوق أى صوت عرقى أو وطنى. وكان بمثابة القوة الثالثة بعد أمريكا والاتحاد السوفيتى وقتها قبل دخول الصين المشهد كلاعب اقتصادى مؤثر. وعلى مر السنين تحول الاتحاد الأوروبى بمؤسساته إلى «دولة» موحدة وقوية باقتصاد يوازى تقريبا اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، ويزيد 15% عن إجمالى الناتج المحلى لجمهورية الصين الشعبية.

على رأس هذه التوقعات هو انفصال دول أخرى عن الاتحاد الأوروبى بل وانفراط عقده بالكلية فى سيناريو أكثر تشاؤما، والذى أصبح وشيكا ومنطقيا بعد خروج المملكة المتحدة كلاعب رئيس وفاعل فى هذا الاتحاد، وليس أقوى من هذا الخروج شرارة لثورة الانفصال الأوروبى، واللاعبين الرئيسيين فى الاتحاد الأوروبى على جاهزية كبيرة واستعداد بالفعل لمثل هذا الانفصال. ففى فرنسا وفى انتخابات مجلس النواب الفرنسية عام 2014 ولأول مرة فى تاريخ فرنسا بل وأوروبا، اكتسح حزب «الجبهة الوطنية» نتيجة الانتخابات بنسبة 25% من الأصوات وحصل على 32% من مقاعد البرلمان، وكما هو معروف فهذا الحزب معادٍ وبقوة لفكرة الاتحاد الأوروبى وضد مبادئ العملة الموحدة والهجرة الداخلية منذ إعلان الاتحاد الأوروبى بشكل رسمى فى عام 1993، وزعيمته الحالية «مارين لوبين» وابنة مؤسس الحزب والتى تجىء من أقصى اليمين تسعى، مرشحة وبقوة للفوز بمنصب رئيسة جمهورية فرنسا فى انتخابات 2017 أبريل القادم. وبالمناسبة «مارلين لوبين» دعت إلى حملة Frexit على غرار حملة Brexit والتى كانت وقود جبهة الانفصال فى استفتاء «المملكة المتحدة»، وصرحت بعد إعلان نتيجة الاستفتاء «ما كنا نظنه مستحيلا بالأمس، بات اليوم واقعا».

ليست فرنسا فقط المرشحة لتكرار تجربة «المملكة المتحدة»، «هولندا» أيضا على لسان «جيرت وايلدرز» مؤسس وزعيم «حزب الحرية الهولندى» والذى جاء فى المركز الثالث بنسبة 14% فى انتخابات البرلمان الهولندى لعام 2014 من حيث التصويتات والمركز الثانى من حيث عدد المقاعد فى البرلمان، قال: «نريد استعادة السيطرة على بلدنا، وعلى حدودنا، وعلى أموالنا، وعليه فلابد من الانفصال عن الاتحاد الأوروبى». «جيرت وايلدرز» ممثل لليمين المتطرف وهو صاحب التصريحات الشهيرة والمعادية للمسلمين فى بلاده وتشبيهه للقرآن بأنه يشبه كتاب «كفاحى» لهتلر، وبالمناسبة فحزبه مرشح بقوة للفوز بأغلية فى انتخابات مارس 2017 ومن ثم الحصول على رئاسة الوزراء وقيادة البلاد.

***

يبقى تساؤل أخير فى نهاية الكلام، ويطرح نفسه بقوة بعد تصريحات «دونالد ترامب» مرشح الرئاسة الأمريكى، الجمعة 24 يونيو، أثناء زيارة عمل لأسكتلندا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء، والتى قال فيها «المكان هنا ملىء بالحماسة بسبب التصويت، لقد استعاد الإنجليز دولتهم كما سنستعيد أمريكا دولتنا قريبا»، والتساؤل هنا: «هل هذا مؤشر ودلالة على عودة العالم مرة أخرى لتغليب المفاهيم القومية والوطنية والعرقية على مفاهيم التحالفات الدولية والمجتمعات الكوزموبوليتانية؟ وهل هذا نذير ونبوءة بفوز مرشح صاحب أجندة اقصائية واضحة مثل دونالد ترامب؟ خصوصا بعد أن أثبتت نتيجة استفتاء انفصال «المملكة المتحدة» أن الشريحة العمرية التى انتصرت للانفصال هى الشريحة العمرية الأكبر والتى جاوزت الستين عاما فى السن، وهو ما قد يكون الحال فى أى استفتاء شعبى أو انتخابات حول العالم.
التعليقات