تجديد الخطاب العقلانى - حسام السكرى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تجديد الخطاب العقلانى

نشر فى : السبت 25 يونيو 2016 - 9:05 م | آخر تحديث : السبت 25 يونيو 2016 - 9:05 م
ــ يا راجل حرام عليك. ده كلام تقوله؟! هو الإسلام ممكن يبقى فيه حاجة زى كده؟!

ــ انا لم آت بهذا الكلام من عندى. ذاكر دينك كويس

ــ أنا اللى اذاكر؟! طب إيه رأيك ان الشيخ فلان قال كذا؟!

ــ شيخ مين؟! ياراجل ده فيه حديث بيقول كذا.

ــ وماذا عن الأية الكريمة اللى بتقول كذا؟

ــ انت فهمت الآية غلط؟ الكلام ده ذكر أكثر من مرة فى القرآن وفى أكثر من موضع.

ــ هى دى المشكلة. انت مش فاهم سبب نزول الآيات. والكلام وضحه الشيخ فلان فى كتاب كذا.

ــ ده عيب عدم الفهم الصحيح. الآية اللى انت استشهدت بيها هى اللى سياقها مختلف. والشيخ فلان رجع عما قاله لاحقا.

...

يكاد يكون هذا هو منطوق الحوار كلما ظهرت قضية خلافية للدين فيها جانب أو نصيب.

يدور النقاش على هذا النسق بصرف النظر عن موضوعه. نقاش أبعد ما يكون عن الاستناد إلى العقل وأقرب ما يكون إلى النقل من الكتب أو الذاكرة. وللمتحاورين دائما قدرة مدهشة على الإتيان بأدلة من كتاب الله وسنة نبيه لدعم أى موضوع، أونقيضه سواء تحدثنا عن الحرب، أو السلم، عن الاقتصاد، أو الفن. عن حماية المجتمع بدعم حرية العقيدة أو صيانة الجماعة بقتل من يفارقها.

فى كل مرة يكون الاستشهاد والتفسير بنفس الدرجة من الإيمان والحرارة، وبنفس القدر من اليقين الذى يؤكد به المتحدث، أن رأيه هو ما أراده الله عز وجل استنادا إلى منطوق ما جاء فى كتابه، وأيده رسوله بسنته قولا أو فعلا. ينظر إليك شذرا ويهتف مستنكرا «ده مش كلامى.. ده كلام ربنا».

يتصاعد الخلاف بين المسلمين فيسقط بعضهم صرعى بسيوف، وخناجر، وقنابل، وسيارات مفخخة، وانتحاريون متفجرون، بينما ترتفع تكبيرات المقتتلين وهم ينظفون سكاكينهم من الدماء. إيمان الجانبين لا يتزعزع بأن أفراده يحتكرون الحقيقة، ويعرفون على وجه اليقين رغبات الله ويطيعون تكليفاته. وثقتهم لا تهتز بأنهم عندما يقتلون خصومهم أو يسقطون كضحايا سيكونون أقرب إلى الخالق ويحتكرون جنته.

ربما لهذا السبب لم أفهم تكليف المؤسسات الدينية فى مصر بـ«تجديد الخطاب الدينى»، و«تنقية التراث». إذ يصعب على تصور الآلية التى ستتبناها هذه المؤسسات لدعم الجانب الذى يرى أحدهم فى مكان ما، أنه أكثر سماحة واعتدالا وقربا من «روح الإسلام».

لن أخوض هنا فى خبية الأمل التى تعلو الوجوه عندما يتبين أن النسخة «المطلوبة» من الإسلام، والتى يفترض أن تتسم بـ«السماحة والوسطية»، ليست هى بالضرورة التى تدعمها المؤسسة الدينية أو المشايخ المعتمدين. وإنما سأتساءل عن الآلية التى ستختفى بها التفسيرات والتخريجات التى ترسخت فى تراثنا الإسلامى عبر عصور شابها من تكاليف السياسة ونزاع الفرق الإسلامية ما شابها. هل يفترض مثلا أن تنتهى ثورة الخطاب الديني برعاية مؤسسات الدولة، إلى وضح كتاب جامع كامل شامل ينتصر لوجهة نظر نرى أنها أقرب لروح الإسلام، وأن هذا الكتاب سينسخ أو يمحو بقدرة قادر ما يخالفه؟

هل يمكن أن تنجح المؤسسة الدينية التى أنيطت بها مهمة «تجديد الخطاب الدينى» فى غضون سنة أو اثنتين، أو فى عشرة أعوام أو عشرين، فى الوصول إلى صيغة إسلامية محكمة لا يمكن أن يختلف عليها أحد؟ صيغة يسلم الجميع بإحكامها وبأنها الحق، والحق وحده، بعد نحو أربعة عشر قرنا من خلافات الفرق والطوائف والمشايخ والمفسرين؟

هل يكمن الحل بالفعل فى تجديد ودعم خطاب دينى ما، أم أن الحل هو نشر ودعم العلم والخطاب العقلانى؟
التعليقات