علامات شهر يونيو - سمير عليش - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 10:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

علامات شهر يونيو

نشر فى : الأحد 25 يونيو 2017 - 9:05 م | آخر تحديث : الأحد 25 يونيو 2017 - 9:05 م
الانهيار

فى الذكرى الخمسين لهزيمة 67 (بفعل الصهيونية والدعم الأمريكى فى سيناء وأعتقد بترحيب شديد من الرجعية العربية التى كانت تقاتل الجيش المصرى فى اليمن بمساندة السعودية)، والتى أدت إلى انهيار شبه كامل للمشروع الناصرى «القومية / النهضوية / الاستقلالية»، قامت السلطة، بالرغم من أن الرئيس أكد فى مؤتمر الشباب على احترام القضاء، بتسخين قضية تيران وصنافير بصورة مفاجأة، ثم العمل على إقرارها فى غضون ثلاثة أيام فى مجلس النواب بعد أن كانت عالقة بالمسار القانونى لمدة نحو 14 شهرًا. ضاربة بذلك (من وجهة نظرى) عرض الحائط بالدستور وأحكام القضاء بل وبمشاعر الملايين من المصريين الذين يعتبرون الأرض المكافئ الموضوعى للشرف وتصاعد الإحساس لديهم بالمرارة والهوان والحزن بمثل إحساس الملايين فى 5 يونيو 67 (كنت واحد منهم) بل وتكرس لديهم الشعور بالانهيار الكامل للحلم الناصرى (دولة قائدة لأمتها العربية والأفريقية)، وخاصة أن هناك تساؤلات مطروحة (لم تجد إجابات) تؤجج تلك المشاعر.
• ما هى إذن حدود صفقة القرن (البديل للمشروع الناصرى) الذى أعلن عنها الرئيس السيسى؟ وهل موضوع الجزيرتين جزء منها؟
• ولماذا قامت إسرائيل بتسريب مكونات الاتفاق الذى تم بينها وبين السعودية ومصر بشأن الجزيرتين قبل أن يقوم السيد الرئيس بالإعلان عنه، وخاصة فيما يتعلق بفكرة أن مصر باعت الجزر بمبلغ 12 مليار دولار ثم قيل بعد ذلك أنه زاد إلى 16 مليارًا؟
الاجتثاث
فى يونيو الحالى تصاعدت حوارات ومسلسلات وحملات إعلامية أعتقد أنها تستهدف اجتثاث أسطورة الزعيم الملهم وصورته الذهنية بين جموع المصريين والعرب عامة تبريرا للسياسات الخارجية والداخلية الجديدة وتمهيدًا لإعلان صفقة القرن وهذا عبر ما يلى:ــ
(أ) الطعن فى مصداقية البطل الناصرى عندما أعلن قفل مضيق السويس أمام المرور غير البرئ للسفن المتجهة إلى إيلات بحجة أن جزيرتى تيران وصنافير جزر مصرية.
(ب) أن مصر كان يمكن لها أن تستمر فى مسارها الليبرالى وتصعد وتنمو وتفجر الطاقات الإبداعية والحداثية لصالح التنوير مثلما كان باديا عليها فى مطلع القرن الماضى ومن ورائها العالم العربى بأسره، وفى مقدمته المملكة السعودية عبر الصداقة التى جمعت بين الملك عبدالعزيز والملك فاروق وخاصة بعد انتهاء حرب 48 والاستقرار على ضم غزة إلى الإدارة المصرية والضفة الغربية إلى الأردن. هذا لولا انقلاب الضباط الأحرار، الذين حولوا هذا المسار عن اتجاهه الأصلى بقيادة جمال عبدالناصر «وارتباطه بالإخوان!! وفق مسلسل وحيد حامد الذى يذاع حاليا على نطاق واسع» بترسيخ الديكتاتورية ونشر الحقد على الأغنياء وتأميم ممتلكاتهم والإضرار بالجاليات الأجنبية والأقليات الأثنية والدينية.
(ج) مسئولية ناصر بسياساته الخارجية والعدائية للسعودية والدول الرجعية ربيبة الاستعمار كما كان يسميها، وثم بعدوانه فى 67 على إسرائيل عندما أمر بقفل المضيق بدون وجه حق (كما يدعون الآن)!، فى تحويل مصر إلى شبه دولة «الفساد والفقر والبطالة والعشوائيات والتقهقر فى جميع المجالات» مع فرض قيود على سيادة مصر على سيناء وفق اتفاقيات كامب ديفيد.
(د) ابتداعه لفكرة الدعم والقطاع العام الذى ضرب به الاقتصاد ونشر الفساد مما أدى إلى تدهور الخدمات.
ومن المثير أن تسمع هذه الصورة المشوهة على لسان مواطنين متنوعى المشارب والأهواء والمستويات يتم ترديدها هكذا، وأكثر من يلفت النظر كثرة المقارنات حاليا بين ما كانت عليه مصر فى التعليم والسياسة وفى العلاقات بين الجنسين ومعتنقى الأديان (اليهودية / المسيحية / الإسلام) ومختلفى الأثنيات (الأجانب، الأرمن..... إلخ) وفى الذوق والسلوك الحضارى، بين ما قبل ثورة/انقلاب 23 يوليو وما بعدها.
على العموم أن تلك الصورة القاتمة لسياسات الناصرية لا يتم تداولها صراحة بين الرسميين الحاليين الذين لم يشاركوا فى أى حروب ضد إسرائيل أو ضد الرجعية بمساندة السعودية فى اليمن.
من الملاحظ أيضا أن الحوارات السياسية والإعلام الموجه والكتائب الإلكترونية استهدفت أيضا اجتثاث الذاكرة الجامعة للأمة، عن حقيقة امتلاكها لجزيرتى تيران وصنافير، وفكرة عدوان إسرائيل على مصر فى 67 ومطالبة مصر لها بتعويضات عن تخريب وإغلاق قناة السويس لمدة سنوات، والاستفادة من خيرات سيناء «البترول والسياحة، والأسماك..... إلخ»، واستبدال ذلك بأن إسرائيل ــ الدولة الحضارية فى نظر العالم ــ على العكس هى التى تساعد حاليا مصر ضد الإرهابيين فى سيناء «القاعدة / داعش / حماس الإخوانية»، وتدعمها اقتصاديا عبر علاقاتها الدولية، وقد تتنازل عن اثنين مليار دولار التعويضات التى حكم لها عن انقطاع الغاز عنها فى حالة التنازل عن الجزيرتين للسعودية بغية حصولها على الممر الدولى.

التتويج

فى رأيى أن يونيو 2017 حمل معه تتويجات أيضا:
أولا: للسعودية «الوهابية» كقائد للمسيرة العربية الإسلامية السنية والمنقذة للاقتصاد المصرى والداعمة والمحرك الرئيسى لحلف التصدى للإرهاب مع ترامب / الولايات المتحدة الأمريكية (لغسل صورتها الداعمة للإرهاب/ التعصب الدينى «الجهاد» فى أفغانستان وتمويلها لطالبان وحاليا فى سوريا (النصرة) والعراق (الصحوات) ومصر (السلفيين) واليمن ونيجيريا..إلخ).
ثانيا: لإسرائيل بحصولها على مشروعية كاملة أمام العالم أجمع لما قامت به فى 67 وخاصة باستعادة أورشليم، وبالسيطرة على الممر الدولى فى مضيق السويس إلى الأبد (الأمر الذى حاولت أن تحصل عليه عبر الاتفاقات وتسويات الأمم المتحدة فى 54، 56، 67 وفشلت فيه) مما يمكنها الآن من تحقيق حلمها فى إنشاء قناة بديلة لقناة السويس (من إيلات إلى أشدود) وخط سكة حديد ومشروعات لربط المشرق والمغرب بديلا لطرح مشروعات منافسة لما هو متوقع على إقليم القناة المصرى. «وزير الدفاع الإسرائيلى اتعتبر تسليم الجزيرتين انتصارا لإسرائيل يستحق تهنئة جيشها عليه، ودليلا على أن بلاده كان لها الحق فى حرب 67 باعتبار أن «عبدالناصر» أغلق مضيق تيران الذى هو باعتراف البرلمان المصرى ليس مصريا».

التحدى

فى ذكرى يونيو فقد تحدى الشعب الهزيمة بمظاهرات منذ 9، 10 يونيو67 بعد اعتراف القائد بخطأه رفضا لها وطلبا للتغيير ونقدا للذات، وكان هذا التحدى إيزانا بإعادة تنظيم وتسليح الجيش وانطلاق حرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر عبورا من قاع اليأس إلى قمة البأس لبدأ خطوات إزالة آثار العدوان الصهيونى على مصر والأمة العربية. وفى 30 يونيو2013 طلب الشعب من أول رئيس جمهورية مدنى فى تاريخ مصر الحديث ــتم انتخابه بعد ثورة 25 ينايرــ بانتخابات رئاسية مبكرة على أثر اصداره إعلانا دستوريا ديكتاتورى النزعة.
أما فى يونيو 2017 فكان التحدى موجها ضد تنفيذ اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية عبر التمسك بدستورنا 2014 والقانون والمطالبة بتفعيل الأحكام النهائية (تيران وصنافير جزر مصرية)، وبالتمسك بمصداقية ناصر وسياسته فى 67 عبر إعلاء الصوت الجمعى للأمة (كل فئاته المدنية والسياسية)، مطالبين السيد الرئيس بالوفاء بقسمه على الدستور وعلى وبعوده الأخيرة بأن الأمر متروك للقانون بمعنى ضرورة النزول على حكم المحكمة الإدارية العليا التى قضت بأن تيران وصنافير مصرية أو الانتظار لحكم الدستورية، أو على الأقل طرح الموضوع للاستفتاء الشعبى.

***

اختتم قائلا إن المجتمع المصرى حاليا (وخاصة الشباب وفق اعتقادى) فى أزمة خطيرة اهتزت فيها ثقته فى تاريخه وحاضره ومستقبله، وباهتزاز تلك الثقة لا يمكن التنبؤ بردود الأفعال فى ظل مشاعر العجز والكآبة العامة وضغوط الحالة الاقتصادية والسياسية والأمنية، مما يتطلب تضافر جميع قطاعات الدولة للخروج من هذه الأزمة بأسرع وقت ممكن.

 

سمير عليش  ناشط في مجال الشأن العام
التعليقات