زلزال إيران وحسب الله السادس عشر - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

زلزال إيران وحسب الله السادس عشر

نشر فى : السبت 25 يوليه 2009 - 9:04 م | آخر تحديث : السبت 25 يوليه 2009 - 9:04 م

 ما وقع من أحداث فى انتخابات الرئاسة الإيرانية الأخيرة هو بمثابة زلزال عالى الرختر، حيث زلزل المنطقة بكاملها، ثم جاءت توابعه الواحدة بعد الأخرى، ولقد ضرب الزلزال عدة مواقع من أهمها:

1ــ نموذج الدولة الدينية:

عندما قامت الثورة الإيرانية فى عام 1979 عاد الأمل قويا لكل من تضاءل حلمه بوجود دولة دينية، فعودة الخمينى من باريس بضغط شعبى كاسح وسقوط إمبراطورية بهلوى بعظمتها وقوتها جعل العالم يرفع حاجبيه متعجبا ومتسائلا: هل سوف يرى دولة دينية فى نهاية القرن العشرين؟ ولقد بنى الإمام الخمينى دعوته للثورة على فساد الشاه وأتباعه وزيادة الفارق بين الأغنياء والفقراء، وتهميش الدين والإباحية والخلاعة فى الإعلام والعلاقة مع أمريكا وإسرائيل، وهكذا تطلع الشعب الإيرانى وشعوب العالم إلى حقبة جديدة متميزة فى إيران واستيقظ الشيعة فى لبنان والعراق ودول الخليج وأصبحوا شركاء فى الحكم بعد أن كانوا شعوبا مسالمة تنتظر عودة الإمام لينقذهم أشبه بالمتصوفة. وبدأ الحديث فى الدول العربية والإسلامية عن الدولة الدينية وأنها السبيل الوحيد للخلاص من الفساد والانحلال والفقر .. الخ، وأنها هى الطريق الوحيد لتحرير القدس، بل رأينا وسمعنا هنا فى مصر من يمجدون مثل هذه الثورة ويطالبون بنظير لها، لكن بعد الحرب مع العراق لمدة ثمانى سنوات استنفذت فيها ثروات البلاد، وبعد دكتاتورية دينية وهى أسوأ أنواع الدكتاتوريات، وبعد التدخل فى شئون الدول الأخرى الداخلية ومحاولة تصدير الثورة، اهتزت ثقة الشعب الإيرانى فى حكامه الأتقياء ولم يقبلوا نتيجة الانتخابات وخرجوا بقوة فى مظاهرات حاشدة قوبلت بالقمع الشديد، وهكذا اهتزت الأرض تحت فكرة الدولة الدينية التى لا تخطئ وتحطم النموذج.

2 ــ نموذج رجل الدين:

فلقد ضرب الزلزال رجل الدين الذى يصر على أن يحكم ويخلط بين الدين والسياسة، فبعد أن قدم الخمينى صورة فائقة لرجل الدين الزاهد الذى رفض أن يسكن فى القصور وكان ينام على الأرض، ذلك الرجل الذى لم يخرج من طهران على مدى عشر سنوات هى مدة حكمه وحصل على ثقة وحب شعبه بصورة لم يسبق لها مثيل، وقدم صورة كاريزمية لرجل الدين الذى يتمناه الشعب الإيرانى، رأينا كيف أن خليفته الحالى مع المؤسسة الدينية تلاعبوا فى الانتخابات فزعموا أن الرئيس الحالى محمود أحمدى نجاد قد حصل على 63 % من الأصوات وأن خصمه حصل على 34 % فقط . لكن عندما اجتمع مجلس صيانة الدستور وفحص صناديق الانتخابات أقر أن عدد الأصوات فى أكثر من 50 مدينة كان أكبر من عدد الناخبين الفعليين ومن بين 40 مليون صندوق اقتراع هناك تزوير فى ثلاثة ملايين منها وهكذا وضح كذب رجال الدين الذين أعلنوا نتيجة الانتخابات، ثم جاء المرشد الأعلى لينحاز لأحد الطرفين على حساب الآخر ويدخل فى اللعبة السياسية، وهكذا انقسم رجال الدين على بعضهم ليس بسبب الدين لكن بسبب السياسة واتهموا بعضهم البعض بالكذب والخيانة العظمى .. الخ، ولا شك أن كل هذا ضرب نموذج رجال الدين فى مقتل.

3 ــ ضرب الزلزال العلاقة بين رجل الدين وشعبه:

لقد تميزت العلاقة بين رجال الدين وشعوبهم على أساس الاحترام المتبادل والثقة المتبادلة، وعندما حدث الاختلاف بين ما يقرب من نصف الشعب الإيرانى ورؤسائهم الدينيين على نتيجة الانتخابات وخروج الشعب فى مظاهرات سلمية قام المرشد الأعلى بإرسال القوة الأمنية ورجال ميليشيا الباسج لتفرقة المتظاهرين وسقطت ندى سلطان بنت السبعة وعشرين ربيعا، حيث أصيبت برصاصة فى صدرها وماتت وأصبحت رمزا فى حركة الاحتجاج. وهكذا حدث فالق ضخم بين رجل الدين الحاكم والشعب .

4 ــ ضرب الزلزال الاستقرار المزيف:

لقد كانت إيران مثلها مثل الدول المجاورة لها تبدو مستقرة على السطح ولم ينتبه أحد إلى ثورة المعرفة والتى تنبأ بها فرنسيس بيكون عندما قال ( المعرفة سلطة ) حيث قالها فى سياق حديثه عن التقدم الحضارى، ولقد حدثت تطورات علمية مكثفة خاصة فى وسائل الاتصال الالكترونى التى حولت العالم إلى قرية الكترونية صغيرة كان من نتيجتها أن أصبح العالم قرية صغيرة من سماتها نقل المعلومات عبر وسائل الاتصال المتعددة وليس عبر الحكومات ( المستقرة ) حيث لم تعد هناك رقابة كاملة من جانب الدولة وهكذا وقع تحول عميق فى منحنى السلطة بشكلها التقليدى إلى آخر جديد تعتمد فيه القوة والثروة على المعرفة وهكذا انفلقت الأرض فى إيران بسبب الزلزال المعرفى فاهتزت العروش والدول وفوجئ الحكام ورجال الدين بها وانقلب الاستقرار إلى حركة اهتزاز مستمرة لم تتوقف ولن تتوقف.

عزيزى القارئ، كنت فى أمريكا منذ أكثر من شهر أشاهد قناة CNN ومعى بعض الأصدقاء المصريين وفجأة ظهر أحد الرؤساء العرب فى زيارة إلى إحدى الدول الأوروبية يلبس بزة عسكرية عليها النياشين، ويضع على رأسه الكاسكت العسكرى ويضع تحت إبطه عصا المارشالية وكان منظره وسط مستقبليه غريبا، وهنا صرخ أحد المصريين وهو يضحك مشيرا إلى التليفزيون (حسب الله السادس عشر) وعندما التفتنا جميعا غرقنا فى الضحك بصوت عال، وتذكرنا عبدالسلام النابلسى فى فيلم شارع الحب وهو يرفع وجهه إلى السماء وتحت أبطة عصى المارشال قائلا (ابسطها يا رب) إذا بزينات صدقى تسكب عليه (الملوخية) فيصرخ متبسطهاش أكثر من كدة، ومن عادة هذا الرئيس أنه عندما يتكلم يرفع رأسه وكان كلما رفع رأسه لأعلى نهتف جميعا (متبسطهاش أكثر من كدة )ومن أسابيع قليلة قام أحد ملوك المنطقة بتنصيب ابنه وليا للعهد لأن عمره قد وصل خمسة عشر عاما، وهناك حالات أخرى كثيرة متشابهة فى منطقتنا، والسؤال الذى يثور اليوم فى الأذهان : ألن يشعر هؤلاء بزلزال إيران؟ أم أنهم يتصرفون وكأن شعوبهم ميتة؟ وهل هذه الشعوب ميتة حقا؟ أم أن هناك بعضا من الأمل؟

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات