الخلافة.. نظام بلا فقه مقبول (5) - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخلافة.. نظام بلا فقه مقبول (5)

نشر فى : الأربعاء 25 يوليه 2012 - 9:20 ص | آخر تحديث : الأربعاء 25 يوليه 2012 - 9:20 ص

كانت خلافة أبى بكر وعمر (رض) خلافة تأسيس وإنشاء، حيث لم يسبقهما إلا وضع خاص هو «وجود النبوة» التى استغنى الناس بها عن الحاكم أو الأمير، اكتفاء برسول الله (ص)، وقد أدرك الناس ذلك ساعة اقتراب أجل عمر بن الخطاب (رض) فقد أحس جميع أهل الرأى أن المؤسسات القائمة بالشئون العامة موجودة تؤدى دورها مثل مؤسسات (ديوان الجند ــ ديوان المال ــ ديوان الشرطة ــ ديوان البريد) وكذلك فخدمات الرعاية على طرق المسافرين من المدينة وإليها قد انتشرت كمراكز استضافة يأوى إليها المسافرون،كل ذلك وغيره، لكن الأمة حتى ساعة مقتل عمر لا تملك نظاما يكفل إبراز المرشحين المؤهلين للخلافة العادية، ولا كيفية المفاضلة بينهم، فكأن المسلمين استروحوا عدل عمر وفقهه فلم يلتفتوا إلى ضرورة ضبط أمور المنصب الأكبر طبقا لمقاصد الشريعة ومبادئها مع مبادئ الفطرة والعقل الرشيد، فلا يصلح لأمة فى حجم أمة المسلمين أن يبقى الباب مفتوحا للمؤهلين وغير المؤهلين مما يفتح مجالات الفوضى والتشاحن وتقطيع أواصر المواطنة، كذلك فإن اختيار أبى بكر كان بداية للنظرية وترشيح أبى بكر لعمر ورضا الصحابة كان استمرارا لبلورة نظرية تحت التجريب والاختيار.

 

ـ 2 ـ

 

فلما دنا أجل عمر اكتشف الجميع عدم وجود نظام (قواعد متفق عليها تلزم الجميع) للترشيح والانتخاب فسارع عمر كما ذكرنا بإنشاء مجلس التوافق من الستة الكبار كحل سريع لأزمة فراغ المنصب، وقد أثمر هذا الاقتراح انتخاب عثمان بن عفان وما أن تولى عثمان منصبه حتى عاد الجميع لمواصلة واجباتهم المعتادة من قيام كل واحد بإنجاز الواجبات المنوطة به، غير أنهم قد انشغلوا عن أمرين بارزين أولهما: ذلك العزم الشديد من عمر على الصحابة بعدم مغادرة العاصمة إلا للضرورة وتوافق جميع الصحابة كبارا وصغارا على ذلك.

 

وثانى هذين الأمرين: تلك الهيئة التى اضطر المجتمع لإنشائها (هيئة الترشيح) التى ساعدت الأمة على تجاوز أزمة الفراغ الرياسى.

 

ـ 3 ـ

 

كان المنتظر من عثمان ومن معه (رض) ان يحتفظوا لعاصمة الدولة بالمورد الدائم للشورى من جيل الصحابة وجيل التابعين حتى لا تحرم الدولة فجأة من غياب العناصر القادرة على دعم وظائف الدولة المختلفة من (شورى)، و(قضاء)، و(إدارة) وذلك يستلزم استمرار سياسة عمر فى عدم مغادرة الصحابة للعاصمة.. فهؤلاء الصحابة (رض) هم المدد والمعين الصافى الذى يشكل هيئة تشريعية من ناحية، ومصدرا ثريا للقضاة والولاة، فلما أذن عثمان للصحابة فى الإقامة خارج العاصمة أصبحت العاصمة (مفرغة مكشوفة) لا يجد أمير المؤمنين من يساعده من ناحية ولا من يراجع تصرفات المسئولين، علما بأن قواعد الفطرة والعدالة والإحسان تقضى بعدم كفاية شخص أو عدد من الأشخاص فى إقامة دولة مترامية الأطراف كتلك الدولة التى تسلم قيادتها عثمان (رض).

 

ـ 4 ـ

 

وقد تسبب خروج الصحابة من العاصمة وإقامتهم فى البلاد المفتوحة فى إخلاء المدينة من المؤهلين للعمل العام، وكذلك غفل الباقون عن الفكرة الأخيرة لعمر بن الخطاب (رض) إذ كيف تناسى الجميع مجلس الاختيار ووجوب الحرص على تجديد دمائه ووجود قواعد دائمة تضمن انتظام عمليات (التشريع) و(الشورى) و(الرقابة) بما يتناسب مع حجم الدولة واتساع أطرافها.

 

ـ 5 ـ

 

كان من الضرورى أن تستمر تلك الهيئة التى انتجت رياسة رضى عنها الناس حيث إن استمرار تلك الهيئة فضلا عن إنجاز مهام الحكومة، يشكل صمام أمان للهدوء النفسى العام، كما يصبح حائط صد تنكسر على أبوابه محاولات الهدم والدس تلك التى ينسبها المؤرخون لابن سبأ.

 

ـ 6 ـ

 

كذلك فان القوى السياسية التى شاركت فى مجلس الاختيار (الستة ومن ورائهم) كان لابد من بقاء مجلسهم بجانب الأمير حتى لا ينفرد به قوم أو يغيب عنه فصيل مما يجعل صياغة القرارات مع صدقها لكنها تتخذ اتجاها واحدا مما يشعر الناس باختطاف الدولة منهم.. وتلك قصة مقتل عثمان، وأظن أنها كانت فاتحة الباب لمقتل على والحسن والحسين وغيرهم حتى اضطر أهل الثقة للتعامل مع «الواقع المعوج» رغم عدم توافقه مع مقاصد الشرع ومبادئه.

 

 

 

 

 

 

 

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات