عيد ميلاد.. حلمى حليم - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عيد ميلاد.. حلمى حليم

نشر فى : الإثنين 25 يوليه 2016 - 10:40 م | آخر تحديث : الإثنين 25 يوليه 2016 - 10:40 م

على مقهى «ريش» التقيته فى إحدى أمسيات صيف ١٩٦٨، يجلس مع الصديق المشترك، مجيد طوبيا، يتناقشان بمودة، واحترام متبادل، حول تفاصيل «حكاية من بلدنا»، المأخوذ عن قصة الحكامير التى كتبها مجيد طوبيا، بينما يستعد حلمى حليم لإخراجها.. بدا لى حلمى حليم، الراسخ، قلقا، ليس بسبب ظروف الإنتاج القاسية وحسب، بل لأن الفيلم على قدر كبير من التجهم، بحكم موضوعه الصارم الذى يتعرض للصراع بين العمدة، المحتكر لأماكن تخزين الفول فى بيارات تحت الأرض. يفرض سطوته على الجميع، لا يتورع عن قتل من يقف فى وجهه.. لكنه يفاجأ بمن يثور ضده، خاصة الطالب الجامعى، بأداء الممثل الجديد، حينذاك، محمود ياسين.
بمقدم الرجل الطويل، المفعم بالنشاط، بجلبابه الأبيض، حاملا بيده سلة، انفرجت أسارير حلمى حليم، طلب منه مأكولات مكونة من السميط، البيض، شرائح جبنة رومى، جرجير، خيار.. تابع بإعجاب، طريقة الرجل فى تقشير البيض: يطرق البيضة على المنضدة طرقة محسوبة، يمر ببطن كفه فوقها ليفصل بينها وبين قشرتها.. بشهية منشرحة، بدأ يتناول العشاء، بمشاركة مجيد طوبيا، وأنا.
تواصل الحديث عن مخاوف حلمى حليم تجاه «حكاية من بلدنا».. قال إن حجم الغضب والضغينة فى الفيلم، أكبر من طاقة الوئام والمحبة، وربما، تأتى الشخصيات أقرب للأفكار، لا تتمتع بدفء الحياة. حاول مجيد طوبيا طمأنة الأستاذ، مشيرا إلى أن الفيلم يثير قضية، ويرصد، على نحو ما، مقدمات النزعات الثورية عند الشباب، خاصة طلبة الجامعات.
فى العام التالى، ١٩٥٩، شاهدت الفيلم، لم أجد فى تقييمه أدق مما قاله مخرجه.. أدركت أمرين، أولهما، قيمة حلمى حليم، ناقدا، فى عدد من مجلات أواخر الأربعينيات، فضلا عن خبرته العميقة، الواسعة، كأستاذ سيناريو، يحظى بمكانة رفيعة عند الجيل الذى تعلم منه الكثير، مثل رأفت الميهى، سمير سيف، نبيهة لطفى، وآخرين.. أما الأمر الثانى، الأهم بالنسبة لى، فإنه يفسر سحر أفلامه الجميلة، التى تشكل جزءا خلابا من ذاكرتنا فى عالم الأطياف: «أيامنا الحولة»، «القلب له أحكام»، «حكاية حب»، «طريق الدموع».. كما شارك بقصصه وسيناريوهاته فى «صراع فى الوادى» ليوسف شاهين، «أرض السلام» لكمال الشيخ، «لا تطفئ الشمس» لصلاح أبوسيف، «معبودة الجماهير» لحلمى رفلة.
حلمى حليم، مواليد مدينة شربين الدقهلية ــ ١٩١٦ ــ عمل مع كمال سليم فى «العزيمة» ١٩٣٦، ويوسف وهبى، فى عدة أفلام، وكامل التلمسانى فى «السوق السوداء» ١٩٤٥.. استوعب فن السينما، عن طريق القراءة وممارسة النقد، والعمل فى حقلها، كاتبا ومخرجا ومنتجا.
أسلوب حلمى حليم، يتجلى فى المشاهد الأولى من عمله المبكر «أيامنا الحلوة» ١٩٥٥، ببطولة ثلاثة من الوجوه الجديدة أيامها: «عمر الشريف»، «أحمد رمزى»، عبدالحليم حافظ، مساهما فى تكوين الصورة التى سيظهر بها كل منهم، لاحقا.. «عمر الشريف»، الرزين، المهذب، صاحب المشاعر العميقة، بصوته الهادئ، الذى قلما يرتفع.. «أحمد رمزى»، الشقى، المشاغب، العابث، المنطلق دائما.. «عبدالحليم حافظ»، الرومانسى، الخجول، المتردد، الصادق فى عواطفه.
فى المشاهد الأولى، بلمسات حلمى حليم، يبين بجلاء طباع الأبطال الثلاثة، فى الحجرة التى يسكنونها، فوق سطح بيت السيدة الطيبة، الغاضبة غالبا، زينات صدقى.. «أحمد رمزى»، يدق الأرز فى «الهون»، ليلا، يداعب صاحبة البيت المستاءة، بتسبيل عينيه!.. «عمر الشريف» أمام وابور الجاز، يقلب حلة الشوربة، بينما «عبدالحليم حافظ»، يغنى لنفسه، مقشرا بصلة.
طوال الفيلم، تتأكد نزعات المحبة الدافئة، الحنو، التعاطف، بين الأصدقاء الثلاثة، برغم منازعاتهم الصبيانية.. ثم تتجلى معانى الرحمة، حين تتعرض جارتهم الرقيقة، فاتن حمامة، لحالة مرضية مستعصية، تتطلب إجراء عملية باهظة التكاليف.. الثلاثة، مع صاحبة البيت، يلهثون، من أجل توفير النقود المطلوبة. إنه فيلم، شأن أفلام أخرى، يمس شغاف القلب، يتغنى فيه حلمى حليم ــ رحل عام ١٩٧١ ــ بأجمل ما فى النفس الإنسانية.. الاحتفال بعيد ميلاده، يليق به.. وبنا.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات