وطنِيَّاتُ المشرقِ إذ تتعفَّن - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وطنِيَّاتُ المشرقِ إذ تتعفَّن

نشر فى : الثلاثاء 25 يوليه 2017 - 8:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 25 يوليه 2017 - 8:40 م

نشرت صحيفة الحياة اللندنية مقالا للكاتب السياسى «حازم صاغية» يقول فيه: بين 1993 و2011، بدت المنطقة مرشّحة لسلوك طريق يغاير ما كانت تسلكه: فى 1993، وُقّع اتفاق أوسلو لإنهاء النزاع الفلسطينى – الإسرائيلى. فى 2003، سقط صدام حسين. فى 2005، أُخرج الجيش السورى من لبنان. فى 2011، اندلعت الثورة السوريّة فى سياق ثورات عربيّة أخرى.
القاسم المشترك الأبرز بين هذه الأحداث الكبرى كان اشتراكها، من مواقع مختلفة، وبأشكال مختلفة، فى إسقاط الطور الأخير والمديد من الحقبة العسكريّة ــ القوميّة البادئة فى 1949، وخصوصا فى 1956. السقوط كان بدأ طوره الأوّل مع الانفصال السورى عن «الجمهوريّة العربيّة المتّحدة» فى 1961، ثمّ كان طوره الثانى مع نكسة 1967.
ما من شكّ فى أنّ كلاما نقديّا كثيرا وقويّا يمكن توجيهه إلى هذه المنعطفات الكبرى ما بين 1993 و2011. بيد أنّها جميعا ــ ولو بتفاوت ــ وفّرت شروطا للمبادرة والفعل الإنسانيّين أرقى ممّا كان سائدا قبلها. فقد انكسرت المنظومة الفكريّة والعمليّة التى شكّل العدوّ والعداوة عمودها الفقرى، والتى انضبطت المجتمعات طويلا بموجبها. المواطنون بات فى وسعهم، من حيث المبدأ، أن يصنعوا مستقبلهم انطلاقا من تلك المنعطفات وبالصراع معها. لم تعد هناك أيديولوجيّات رسميّة حاكمة وضابطة وخانقة. حرّاس هذه الأيديولوجيّات شرعوا يَتَهاوَوْن.
بهذا ظهر احتمال ــ فى عموم المشرق ــ يتيح مكانا للقيم فى السياسة. ذاك أنّ الحقبة القوميّة ــ العسكريّة عطّلت القيم لصالح التعويل الأحادى على الضدّيّة حيال العدوّ، ولمصلحة اشتقاق المعانى الذاتيّة من هذه الضدّيّة. حتى القيم القليلة التى حفّت بالناصريّة (على عكس البعث الذى خلا منها تماما) رُبطت بجهاز السلطة العسكرى والأمنى وبصياغته للمجتمع. هكذا استُبعدت الحرّيّة تماما بوصفها القيمة التى تنمو فى كنفها القيم الأخرى.
لكنْ مع انهيار التسوية الفلسطينيّة ــ الإسرائيليّة، وانقلاب التجربة العراقيّة إلى حرب طائفيّة مستترة أو معلنة، وتفسّخ التحرّر اللبنانى إلى تجاذب طائفى تخالطه تسويات عارضة بين الطوائف، ثمّ فشل الثورة السوريّة من ضمن الفشل الأعرض للثورات العربيّة، تبدّى أنّنا انتكسنا، وننتكس، إلى ضدّيّة لا تُمارَس هذه المرّة ضدّ العدوّ السابق إلاّ لفظيًّا. إنّها تُمارس ضدّ الأعداء الأهليّين الناشئين، أو الذين كان العداء لهم مستترا قبل أن ينفجر انفجاره العظيم الراهن.
لم يَنْجُ احتمال واحد من الاحتمالات التى فُتحت بين 1993 و2011. هذا ما يطرح علينا أسئلة حارقة ومؤلمة. لكنّنا، فى هذه الغضون، بتنا أمام تفسّخ وتناحر يطاولان العلاقات السنّيّة ــ الشيعيّة، كما السوريّة ــ اللبنانيّة، كما الكرديّة ــ العربيّة، كما الأكثريّاتيّة ــ الأقليّاتيّة فى عمومها.
الماضى كانت وطأته ثقيلة على المستقبل: فلنتذكر أنّ الوطنيّتين المشرقيّتين الأكبر، أى السوريّة والعراقيّة، كانتا الأكثر تعرّضا لسحق الحقبة العسكريّة ــ القوميّة ولكبتها. وإذ انقطعت الوطنيّة اللبنانيّة، منذ 1975، عن تطوير ذاتها، فقد عاشت الوطنيّة الفلسطينيّة، منذ الجلاء عن بيروت فى 1982، فى عزلة عن مجارى التأثّر والتأثير فى الحياة العربيّة. هذا بعدما كان التفاعل السابق، فى حضن الوعى والسلوك القوميّين ــ العسكريّين، سلبىَّ المردود على الوطنيّات الفلسطينيّة واللبنانيّة والأردنيّة جميعا، ومنعشا لعناصر التنازع الأهلىِّ فيها.
تجسّدت أكبر محاولات التصدّى لولادة البدائل الوطنيّة، وربّما الديموقراطيّة، فى المقاومة العراقيّة، السنّيّة ثمّ الشيعيّة، المدعومة من أنظمة العالم القديم كلّها، خصوصا النظامين السورى والإيرانى اللذين جهدا لإحباط اتّفاق أوسلو ومفاعيله، بالتحالف، من موقع الخصومة، مع اليمين الإسرائيلى المناهض للسلام. لم ينافس المقاومة العراقيّة فى ذلك إلاّ المقاومة اللبنانيّة، ممثّلة فى «حزب الله»، فى جرّ لبنان والمنطقة إلى حرب تمّوز (يوليو) 2006 لإعادة الاعتبار إلى الأجندة القوميّة ــ العسكريّة، المؤسّسة على العداوة وانتفاء القيم، والتى هدّدت أحداث 2005 بتجاوزها.
وليس قليل الدلالة أنّ النظام السورى حين «حرّر» الوطنيّة السوريّة من الكبت المديد للحقبة الأيديولوجيّة، بعد 2005 ثمّ بعد 2011، إنّما استعادها على صورة الحقبة التى كبتتها: وطنيّة شوفينيّة و«حضارية» وطائفيّة وعديمة القيم. فوطنيّاتنا، فى مناخ الانتكاس المتصاعد، إنّما ورثت قوميّتنا العسكريّة والأمنيّة بعد تفتيتها، أو بعد المجاهرة بتفتّتها، إلى عناصرها الأولى. هناك مقابلٌ لذلك فى العراق وفى لبنان وفى فلسطين وفى الأردن.
بعض ثمار هذا التفتّت هو ما نشاهده اليوم فى لبنان حيال اللاجئ السورى.

الحياة ــ لندن

التعليقات