«الماء والخضرة والوجه الحسن».. الصراع الطبقى فى المطبخ! - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 12:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الماء والخضرة والوجه الحسن».. الصراع الطبقى فى المطبخ!

نشر فى : الخميس 25 أغسطس 2016 - 9:40 م | آخر تحديث : الجمعة 26 أغسطس 2016 - 1:42 م
يمكننا أن نستعير مفردات وصف الطعام، الذى يمثل محور حكاية فيلم «الماء والخضرة والوجه الحسن» للمخرج يسرى نصر الله، لكى نصف دراما الفيلم نفسها فنقول إنها تأرجحت بين التفاصيل الطازجة، والأفكار البايتة، وأن أجزاء منها نضجت على نار هادئة، وأجزاء أخرى قدمت مثل عجينة لم تختمر، وفى النهاية، لم تكن الوجبة جيدة، على الرغم من طموح الطباخ، وعلى الرغم من اجتهاد الطباخين، هناك خلطة عير متوازنة، أوصلتنا إلى غياب المذاق المتجانس.

الفيلم الذى كتبه يسرى نصر الله وأحمد عبدالله عن فكرة لباسم سمرة، والذى عرض فى المسابقة الرسيمة لمهرجان لوكارنو 2016، يطرح العلاقة بين«الناس اللى فوق»، و«الناس اللى تحت»، بصورة شعبية وحميمة، ولكنه يقع فى فخ الكليشيهات والتنميط، بالذات فيما يتعلق بطرف الصراع الثانى، وهم الأغنياء، وبينما تبدو شخصيات الفقراء، أو فلنقل بسطاء البلد، واضحة، ومليئة بالتفصيلات، وتكاد تجزم بأنك شاهدتَ بعضهم، أو التقيتَ بهم فى الواقع، فإن شخصيات الأغنياء تبدو كأنها قادمة من أفلام الباشوات القديمة، أو من أفلام مراكز القوى فى السبعينيات.

وفى حين تأسرنا أساليب عائلة يحيى الطباخ فى إعداد أنواع الطعام بإتقان، وبأقصى درجات الاستمتاع بالحياة، فإننا نكاد ننسى فى أوقات كثيرة وجود عائلة أبو رية، حتى يظهر أحدهم، فيلقى ببعض عبارات التهديد، أو ببعض نظرات الغيرة والحسد، أو ببعض لفتات التعالى.

وما بين الحضور القوى، الذى يصل إلى درجة الاستطراد والإلحاح فى حال عائلة الطباخ، والوجود الشبحى، والإيجاز المخل، وفقر المعلومات فى حال أسرة أبو ريّة، يعانى الفيلم من فقر الصراع، مع أن محور القصة فكرة صراع الأغنياء والفقراء فى بلقاس بالدقهلية، من خلال أسرة تحترف تقديم وجبات الطعام فى الأفراح، وعائلة ثرية تريد أن تستغل ذلك لصالح مشروع كبير، يتشارك فيه الغنى بالفكر، ويحصل على نصيب الأسد، بينما يبيع الفقير ما يملك، ويحصل على الفتات.

لا بأس أبدا من المعالجة، فالكاميرا ستخرج إلى ريف الدلتا، حيث الماء والخضرة، ثم ستتكفل ليلى علوى ومنة شلبى وصابرين والوجه الجديد لمى كتكت ببند الوجه الحسن، الصورة ستكون مختلفة، والألوان ستصبح فاقعة، لن يصلنا بالطبع عبق الطبخ، أو رائحة الشواء، ولكننا سنشاهد داخل الكادر طرق إعداد الأكل، وستكتظ الشاشة الكبيرة بالحلل والصوانى والأطباق، وستظهر أفخاذ اللحوم، لكى يتم تقطيعها على مهل، وسننتظر وصول الزعتر، حتى تكتمل النكهة المطلوبة، وسيكون لأنواع التورتات والحلوى نصيبٌ فى نهاية الفرح.

كل ذلك حققه يسرى نصر الله بامتياز، بل وبنوع من الانبهار السياحى، حيث بدا أحيانا أننا أمام متابعة دقيقة لطقوس فرح مصرى فى الدلتا، ولكن بناء السيناريو لم يسمح بضبط الطبخة حتى النهاية. هناك قوسان كبيران يحيطان بالأحداث: بداية احتفال يقيمه فريد أبو رية (محمد فراج)، وزوجته أم رقية (صابرين)، لتدشين مشروع جديد، يتكلف الاحتفال 100 ألف جنيه، ويحضره المحافظ وكبار المسئولين، ويعد فيه الطعام آل الطباخ، أما القوس الآخر، فيمثل نهاية الاحتفال، أو بمعنى أدق، تمرد آل الطباخ أو ثورتهم، على آل أبو رية، حالة من «قلب المائدة» عليهم، وفضحهم، وتعريتهم.

ما بين القوسين، نعود إلى الماضى القريب، نصعد ونهبط، ويتوه الصراع، بل وننسى أحيانا شخصيات تغيب عن الصورة، ثم نعود ونتذكرها، بل إننا قد ننسى أننا سنعود من جديد إلى الاحتفال، وسبب ذلك هو الاستطراد الذى أخذنا إلى تفاصيل ذهاب يحيى (علاء زينهم فى أفضل أدواره) مع ولديه رفعت ( باسم سمرة) وجلال ( أحمد داود)، لإعداد الطعام فى أحد الأفراح، وهناك ستظهر أيضا شادية ( ليلى علوى) العائدة إلى بلدتها، بعد أن اشترى فريد مصنعا ورثته عن قريبه، زوجها الراحل، وستظهر كريمة (منّة شلبى)، ابنة عم رفعت وجلال، وستُدعى إلى الفرح أم رقية وابنتها رقية..

وسيستغرق الفيلم فى إعداد الطعام، وفى محاولة رفعت جذب اهتمام شادية، ومحاولة جلال الانفراد بالزوجة اللعوب لشقيق العريس، ومحاولة كريمة لفت انتباه جلال، ويضيع الصراع الأصلى، الذى يمثله مشهد استدعاء فريد لجلال، حيث يعرض عليه هدم فندق يملكه آل الطباخ، وإقامة مصنع بدلا منه، وعمل مشروع مشترك: من مزرعة يملكها فريد يأتون باللحوم، ويقوم آل الطباخ بصنع وجبات استهلاكية، يفترض أن تنافس الوجبات السريعة الأمريكية!

يكتظ شريط آل الطباخ بالحكايات الفرعية، وبأحوالهم العاطفية، ويدعمه خط المغنواتى عاشور (محمد الشرنوبى)، الذى يتزوج عرفيا من فاتن (لمى كتكت)، شقيقة فريد، وهى فتاة نراها فى كل مكان، إلا فى قصر أسرتها (!).

حتى وفاة يحيى الطباخ، ووصيته، تقدم بكل تفاصيلها، ونستطرد وصولا إلى الغجر الذين يعيشون على هامش الريف، بينما نسمع عن فريد وزوجته وابنته رقية أكثر مما نراهم، وحتى عندما يظهرون، يبدون وكأنهم نماذج أحادية الجانب، أغنياء يتوارثون السطوة مع أموالهم، أما الست أم رقية فكل ما نعرفه عنها هو أنها تغار على فريد من شادية، ورقية نفسها، التى ستنحاز للفقراء فى النهاية، لا نعرف عنها سوى أنها طالبة، وأنها ترتدى نظارة «كعب كباية»!

ينتهى التبسيط والتنميط إلى السذاجة، وتنتصر سينما الأربعينيات فى مشهد النهاية المفتعل، حيث يكسب آل الطباخ بالضربة القاضية، وحيث يبدو فريد خصما تافها يُقاد بسهولة إلى السجن، يضحكنى كثيرا مشهد إطلاق أم رقية للنحل على القرية بأكملها، وكأننا فى فيلم كارتون، ثم ينزل الغلابة إلى الترعة، حيث يعترفون لبعضهم بالحب، ثم ينتهى صراع باهت تأرجح بين أسلوب واقعى صارم، وأسلوب فيلم كارتون من إنتاج ديزنى.

بالكاد يمرر الفيلم رؤيته عن فئة تكافح وتنتج، وأخرى تستغل عملها، بل وتسلبها كل ما تملك، وبالكاد نستبين أن حكاية بلقاس هى حكاية بلدنا كلها، فأسرة الطباخ لها الأغلبية، ولكن الثروة فى أيدى أسرة أبو رية، الفقراء هنا يصنعون الطعام عنوان الحياة والبهجة والسعادة، ويحولون أحزانهم إلى أفراح، ولكن الفيلم ينسى تقديم تفاصيل الفندق موضع الصراع، مثلما ينسى ملامح طرف الصراع الآخر: الأغنياء.

كان باسم سمرة وأحمد داود الأفضل، بينما تاهت ليلى علوى ومنّة شلبى، وحاول البعض مثل صابرين ومحمد فراج أن يصنعوا شيئا دون جدوى. لم ينقذ الطبخة تميز بعض العناصر الفنية مثل صورة سمير بهزان، وموسيقى وائل علاء الذى أعتبره اكتشافا عظيما، وملابس غادة توفيق التى عكست ألوانا فاقعة توازن بساطة الظروف وفقر المال، ورغم محاولة يسرى نصر الله التخفيف من الحوار الطويل، بإيجاد مكونات ثرية للصورة، وبتنويع زوايا اللقطات إلا أن شيئا لم يتغير سواء فى ترهل السرد أو فى تلك النهاية التى تليق حقا بأفلام الأربعينيات والخمسينيات الكوميدية البسيطة.

«الماء والخضرة والوجه الحسن» نقل الصراع بين الأغنياء والفقراء إلى المطبخ، ولكن الدراما نفسها كانت ضحية الصراع.
محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات