حرقة الدم - إسعاد يونس - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حرقة الدم

نشر فى : الجمعة 25 سبتمبر 2009 - 9:54 ص | آخر تحديث : الجمعة 25 سبتمبر 2009 - 9:54 ص

 الشامتون فى فاروق حسنى.. إنما يشمتون فى مصر.
لا أتفق أبدا مع هؤلاء الذين يسفهون من شخصيته أو اختياره للترشيح.. أو يسفهون من انتخابات اليونسكو أو من المنصب وأهميته ومدى شعبية هذا المنصب لدى المصريين..

فأى مصرى يمثل بلده فى الخارج فى أى وظيفة أو منصب، هو نموذج جيد يجب الوقوف خلفه وتشجيعه والافتخار به.. حتى لو كان «منادى سيارات» ناجحا.

فى لندن.. وعلى باب أحد الأوتيلات الفخمة والشهيرة جدا.. يقف رجلان.. يرتديان زيا يشبه الردينجوت الإنجليزى الشهير والقبعة العالية والقفازات البيضاء.. حاجة آخر ألاجة.. وهما يستقبلان السيارات التى تصل إلى الفندق ليفتحا الباب ويحييان الزائرين للفندق بمنتهى الشياكة والأدب..

ويتبادلان العبارات الودودة مع جميع الزباين.. هذان الرجلان أحدهما بريطانى والآخر مصرى.. ومهنة هذا المصرى نسميها نحن هنا سايس أو منادى سيارات.. ولكنه يعامل هناك ولا اللورد..

فهو يشغل هذه الوظيفة منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما.. وهو إحدى علامات هذا الفندق البارزة.. لدرجة أن الفندق لا يستطيع ولا يقبل أن يضحى به مهما كان الثمن.. وهو مشهور ومحبوب جدا من كل رواد الفندق وكل.... وأعنى كل الطبقة الراقية التى تتردد على هذا الفندق بما فى ذلك الدبلوماسيون وأصحاب المناصب الرفيعة.
فما بالك بمنصب مدير اليونسكو؟.. وما بالك بالمرشح وهو وزير ثقافة؟.. كنت أرى أن نبادر جميعنا إلى تشجيعه والوقوف خلفه لا أن ننشر المقالات المسخفة المشككة فى صحافة الداخل والخارج لهز صورته وصورتنا معه.. ما كانش وقته ولا مكانه..

يا راجل ده مصر كلها وقفت خلف محمد عطية فى تصفيات ستار أكاديمى لدرجة أنه أصبح وقتها نوعا من الهدف القومى لأن نستغل تعدادنا المكتظ فى دعم الولد.. حتى لو كانت من أخذت المبادرة إحدى شركات الاتصالات للحصول على أرباح من الرسائل التليفونية..

ولكن كان الناس جميعا فى سباق محموم لنصره على زملائه فى المسابقة.. وهو ليس عتها ولا حاجة.. فقد رصدت الدول الأخرى التى ينتمى إليها المنافسون ويحملون اسمها مبالغ ضخمة وحملات مكثفة لنصرة متسابقيها.. وده فى إيه؟.. مسابقة غناء.. فما بالك مرة أخرى؟.

لا أنكر حرقة دمى وقلبى على خسارة فاروق حسنى فى الجولة الأخيرة من انتخابات اليونسكو.. فقد خاض الرجل المعركة ببسالة وخرج منها بشرف.. فوصوله إلى الجولة الرابعة بهذا الكم من الأصوات أمر غير مسبوق.. ووقوفه ندا لند أمام البلغارية فى بداية الجولة الخامسة وهو متعادل معها أمر مشرف..

ولكن فاروق حسنى خسر المعركة بفعل التآمر والتحالف ضده.. ومن مين؟.. من أمريكا.. ومن تحت الترابيزة إسرائيل.. يعنى مافيش فايدة.. ولا أوباما ولا خطاب للعالم الإسلامى ولا كينيا ولا السمار ولا عم حسين غيروا حاجة من الواقع السخيف.

مع شديد احترامى واعتذارى لعم فيكتور هيجو مبدع الرواية الخالدة «أحدب نوتردام».. ومع شديد احترامى واعتذارى للجميلة أزميرالدا والنبيل الطيب كوازيمودو الأحدب.. لا أستطيع أن أقاوم الصورة التى تحتل خيالى عندما أفكر فى العلاقة الغريبة التى تجمع بين أمريكا وإسرائيل.

أتخيل أمريكا وهى الشابة الجميلة فارعة الطول رشيقة القوام حسنة الملبس رائعة الملامح.. وهى تسحب فى يدها قزما قبيحا يحمل خلف ظهره ورما مشوها.. تجحظ إحدى عينيه وتحتل مكانا غير طبيعى من وجهه.. ويسير بساق أطول من ساق فيعرج.. وكمان أطرش.. يعنى مش ناقصه حاجة..

ولكنه دائم الابتسام فى شماتة ليكشف عن أسنان قبيحة متفرقة صفراء.. ويكاد يخرج لسانه لكل من يراه ويتعجب.. ما سر هذه العلاقة الآثمة؟.. ماذا ترى تلك الجميلة فى ذلك الأحدب القبيح؟.. كيف يمكن له أن يفاخر بأنه رغم كل هذه العيوب يستطيع أن يمتطى تلك الحسناء.. بل يخضعها له.. وقد يقسو عليها أحيانا ويستخدم أساليبه السادية فى جلدها وتحقيرها أمام العالم؟.. مش معقول.. أكيد فيه حاجة غلط.

حانفضل كده كتير؟.. ولا أقصد الباقى من عمرنا.. ولكنى أشعر أن الباقى من عمر العالم قليل.. الدنيا حتخلص واحنا مش عارفين نهزم هذا القزم القبيح؟.. ولا عارفين ندخل بين البصلة وقشرتها؟.. يعنى مكتوب علينا نموت بحسرتنا يعنى؟.. أكيد فيه حاجة غلط.

سؤال يحيرنى.. دأبت إسرائيل على سرقة أفلامنا السينمائية منذ أن رحلوا عن البلد.. عينى عينك كده.. نعرض الأفلام فى مصر.. وتانى يوم تتم سرقتها لتعرض فى دور العرض هناك بكل بجاحة.. والأنكى والأبجح والأشد عهرا.. أن التليفزيون الرسمى يعرض الأفلام كل خميس وش كده.. بلطجة وفردة صدر.. وطبعا عرضها فى التليفزيون يساوى دليلا ماديا على سرقتها.. هذا الدليل إذا قدم لأى محكمة دولية كانت أو محلية يصبح من الطبيعى الحكم بمبالغ تعويضية رهيبة..

يعنى إذا افترضنا أنهم سرقوا ثلاثة آلاف فيلم.. وحصلنا على تعويض مليون دولار فقط (وهو مبلغ ضئيل) عن كل فيلم.. تصبح الحصيلة ثلاثة مليارات دولار.. وعندما سألت بعض المسئولين.. لماذا لا نرفع قضايا تعويض لنسترد ثمن هذه الأفلام؟.. ردوا عليا بالاستنكار الشديد وقالوا ما ينفعش.. ده كده يبقى تطبيع!!.. وحيث أنى لا أفهم فى السياسة.. فأنا مش فاهمة.. يعنى نسيبهم يسرقونا عينى عينك كده؟.. وكمان ما نشتكيش؟.. ده إيه حرقة الدم دى؟

يجب أن نعترف أن جميع من قدموا أعمالا فنية فى رمضان اجتهدوا إلى أقصى حد فى عملهم.. حتى لو أجادوا أحيانا فى البواخة.. إلا أنهم اجتهدوا.. وهنا وجبت التحية..
تامر حبيب.. كاتب له طعم.. يمكن استطعامه فى الجمل التى يصيغها.. اجتهد فى مسلسله «خاص جدا» ليصنع للجميع مذاقا خاصا وعلى رأسهم يسرا.. ولكنه صاغ من بيت يسرا «الدكتورة شريفة» مجتمعا متعايشا فى سلام وأزال الفروق بين الطبقات بالود والمحبة.. صنع نموذجا جميلا لتعايش الجميع تحت هذا السقف بلا عنجهية وعنطزة.. وأرسى مفهوم الاحترام بين الناس مهما كانت مستوياتهم الاجتماعية.. فلم نر أحدا يوجه للعاملين فى المنزل أى لفظة مهينة أو أى تصرف ينم عن احتقار.. وهو ما أحببت.. فقد خلصنى من عقدة قديمة توارثناها من أفلام الخدامين.. لم نر أحدا يمسك بالعاملة فى المنزل ليواجهها بالحقيقة المرة «إنتى فاكرة نفسك إيه؟.. إنتى خدامة.. خدامة.. خدامة»..

لم نر أى معنى من المعانى التى أخذت تتكرر على مدى السنين فى أفلامنا ومسلسلاتنا من تسفيه وتحقير للخدامة والسباك والعجلاتى إلى آخر تلك المهن الشريفة.. والتى ترسخت فى وجدان الناس لدرجة انصرافهم عن مزاولة هذه المهن فى بلد بتاعة شهادات.. وتكالبهم على الجامعات عشان ما يتعلموش حاجة خالص.. أو مزاولتها بنفسية انتقامية حاقدة كارهة لموقعها وللطبقات الأخرى.

أتمنى أن نتعامل مع هذا الموضوع بجدية أكثر وأن يجعله كتابنا هدفا يجب تحقيقه لإعادة التوازن الاجتماعى لدى هذه الطبقات التى أصبحت تصدر عمالا غير مهرة أو مسجلين خطرا.

أجمل ما كان فى قناة القاهرة والناس الجديدة هو ذلك الكليب الراقص الذى تتخذه القناة شعارا لها من ضمن شعارات أخرى كثيرة.. فى هذا الكليب ترى الناس يرقصون.. بشر عاديون طبيعيون من الذين يملأون الشوارع والطرقات والأحياء الشعبية والمتوسطة..

لا فيهم دينا ولا لوسى ولا فيفى ولا أى كيس رمل يوجه المشمئنطون المنتفخون بكرههم للحياة لكماتهم إليهم.. مصريون بلا عقد يرقصون فى لحظات سعادة وإن كانت نادرة.. يقفزون فى مرح جماعى وبلا عقد ولا شراشيب..

يختلطون ببعضهم البعض دون التفكير فى تحرش ولا نيلة.. لأنهم فى هذه اللحظة منهمكون فى التعبير عن السعادة ومشاركة بعضهم البعض هذه السعادة.. يقتنصون دون وعى لحظات يخلصون فيها أرواحهم وأجسادهم من الكبت والخنقة والكآبة والصديد والفسافيس والدمامل والخراريج والتقيحات والقهر والخوف والكذب الإجبارى والعيب والحرام وعذاب القبر والثعبان الأقرع والمعزة أم رجل مسلوخة والإرهاب الفكرى والبدنى والروحى والخرس والعمى الحيثى.. يستعيدون ألسنة تم قطعها ليزغردوا بها ثم يقطعونها بأيديهم مرة أخرى خوفا من اللهو الخفى..

نحن شعب ضاحك مغنٍ راقص ساخر شاعر مداح زجال ناياتى طبال يعشق الفرح والمواويل والموالد والطبلية العامرة باللقمة الهنية اللى تكفى ألف ومية.. نقسم بالعيش والملح وحق مين جمعنا سوا.. والعشرة دول اللى سلموا على بعض.. ونقابل بعض بالحضن والبوس من هنا ومن هنا حتى من باب العند فى إنفلونزا الخنازير.

الله يلعن أبو اللى غمونا وكأبونا وكيسونا وحولونا إلى مجموعة من الغربان والحدادى والبوم.. نعرف ننعق بس.. ونسينا نغنى ونرقص ونضحك.
حاجة تحرق الدم بجد.

zahqanin@gmail.com

إسعاد يونس  فنانة ومنتجة سينمائية مصرية
التعليقات