نحو تعديل مسار إعداد قانون التعليم العالى - محمد عبدالسلام - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 6:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نحو تعديل مسار إعداد قانون التعليم العالى

نشر فى : الأحد 25 سبتمبر 2016 - 9:40 م | آخر تحديث : الأحد 25 سبتمبر 2016 - 9:40 م
ترتفع اﻷصوات من آن ﻵخر للمناداة بدعم مؤسسات التعليم العالى وتشجيع البحث العلمى، يكاد يجمع على ذلك المسئولون التنفيذيون ورؤساء الجامعات والأساتذة والسياسيون والكتاب المهتمون بشئون التعليم العالى، ورغم ذلك تغيب المناقشة الجادة للإطار التشريعى الذى ينظم شئون الجامعات ومؤسسات التعليم العالى. ومعروف أن القانون الحالى لتنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972، يعمل به ما يزيد عن أربعة عقود، ولا شك أن تغيرات كبيرة سياسيا واجتماعيا قد لحقت بالمجتمع المصرى، دون أن يواكب القانون هذه التغيرات أو يتصدى لمشكلات التعليم العالى المتزايدة.

الجديد هنا أن المجلس الأعلى للجامعات برئاسة وزير التعليم العالى، قد شكل لجنة لإعداد مشروع قانون للتعليم العالى. تعمل هذه اللجنة منذ مارس 2014 وتعاقب على رئاستها عدد من رؤساء الجامعات. ولا يعرف حاليا من يرأس هذه اللجنة منذ إعلان وزير التعليم العالى أشرف الشيحى، فى يناير 2016، عن توجه الوزارة لتشكيل لجنة جديدة، لأن اللجنة التى واصلت العمل نحو عامين واجهتها خلافات وتوقفت النقاشات بها، بحسب تعبير الوزير.

***

خلال هذه الفترة التى تقترب من العامين والنصف، تضاربت التصريحات بشأن إعداد قانون التعليم العالى، فتارة يعلن الوزير السابق السيد عبدالخالق عن إتمام الجزء اﻷكبر من إعداد القانون، وتارة أخرى يصرح رئيس للجنة إعداد القانون أن ما أعلنه الوزير يستحيل تحقيقه. بين معلومة وأخرى مناقضة، ازدادت تخوفات المجتمع الأكاديمى من تهميش أعضائه من طلاب وأساتذة وعاملين من عملية مناقشة وإعداد القانون، خاصة فى ظل الغموض والتعتيم الشديد الذى يفرض على عملية إعداد القانون، والتقارير الصحفية التى نقلت استعانة الوزارة بمشروع القانون الذى أعده وزير التعليم العالى اﻷسبق «هانى هلال» ومستشاروه الذين عملوا فى اللجان المختصة بإعداد القانون الحالى.

إضافة إلى ذلك، أثير الجدل حول مجانية التعليم العالى فى ظل اقتراحات لتحميل الطلاب تكلفة حصولهم على التعليم العالى فى حال الرسوب وتحمل جزء من التكلفة، وفقا للتقديرات الدراسية التى يحصل عليها الطالب. مشهد عبثى بامتياز تشكل حول عملية إعداد القانون، ولا يستطيع الرأى العام أو المجتمع اﻷكاديمى معرفة ما توصلت له لجان إعداد القانون، ولا آلية إشراك المجتمع الأكاديمى فى مناقشة مشروع القانون، ومتى تعتزم وزارة التعليم العالى تقديم مسودة القانون لمجلس النواب. والغريب فى اﻷمر أن لجنة التعليم والبحث العلمى بمجلس النواب طالبت الوزير بتقديم القانون أمام اللجنة، ولم تصل إلى شىء، بحسب تعبير أحد أعضاء اللجنة فإن وزير التعليم العالى «لن يخرج مشروع القانون من الدرج»!

لذلك بات على المجلس اﻷعلى للجامعات، أن يسرع فى تعديل مسار إعداد قانون التعليم العالى، بحيث يتم إتاحة المعلومات عن عمل اللجنة المشكلة وما توصلت إليه من أفكار أساسية أو مسودات، إلى جانب تعريف المجتمع الأكاديمى بأعضاء اللجنة الحالية وكيفية اختيارهم. ويمكن من خلال عقد مؤتمر صحفى للجنة إعداد القانون، طرح كل الأفكار والإجابة عن التساؤلات مباشرة، إلى جانب إرسال مسودة القانون إلى مجالس الجامعات والكليات والأقسام لمناقشتها، وإقامة مؤتمر لاحقا لمناقشة ملاحظات المجتمع الأكاديمى بما يشمل حضور الحركات الجامعية وممثلى اتحادات الطلاب والعاملين. ستخفف هذه الإجراءات كثيرا من التراشق المستمر بين وزارة التعليم العالى وشرائح مختلفة من المجتمع الأكاديمى، والتى تتهم الوزارة بالسيطرة على ملف إعداد قانون التعليم العالى، وستكون هناك أرضية للنقاش، ويمكن جدولته زمنيا فى فترة من ستة أشهر إلى عام، قبل عرض مشروع القانون على مجلس النواب لمناقشته وإقراره.

***

ويمكن للحركات الجامعية أن تطرح مبادرة مستقلة ﻹعداد مشروع قانون للتعليم العالى، بمساعدة من منظمات المجتمع المدنى ونواب بالبرلمان. سيتيح ذلك توفير مسار آخر فى حالة عدم استجابة المجلس الأعلى للجامعات ﻹشراك المجتمع اﻷكاديمى فى عملية إعداد القانون. ويمكن استخدام آليات مثل: ورش العمل ومؤتمرات لعرض أوراق خاصة بمشكلات التعليم العالى وأطره التشريعية والاستماع إلى الخبراء وتنظيم حملات فى الجامعات للتوعية بأهمية مشروع القانون ومعرفة توجهات أعضاء هيئة التدريس والطلاب. ولا يشترط التوصل إلى مسودة كاملة للقانون، بقدر تضمين المبادئ واﻷسس العامة التى يجب ألا يتجاوزها مشروع القانون. يوفر ذلك فرصة للعمل المشترك مع منظمات المجتمع المدنى ونواب البرلمان وغيرهم من المهتمين بقضايا التعليم العالى، ويجنب أعضاء المجتمع الأكاديمى الاصطدام بالقيادات الجامعية والمجلس اﻷعلى للجامعات، كما يتيح لهم العمل الجاد للوصول إلى صيغة مقبولة يمكنهم التفاوض حولها فى المراحل النهائية ﻹقرار القانون فى مجلس النواب. وفى حالة استجابة الأعلى للجامعات وإشراك المجتمع الأكاديمى فى المناقشات توضع هذه المقترحات أمام اللجنة المختصة. سيواجه هذا المسار البديل تحدى عدم اعتراف المجلس اﻷعلى للجامعات به، ولكن على أى حال يمكن التغلب على ذلك بتنوع المشاركين فى وضعه وعرض الفعاليات ذات الصلة على الرأى العام ونواب البرلمان الفاعلين. تعد فعالية اﻷدوات التى تمتلكها الحركات الجامعية محل جدل كبير فى ظل الاقتصار على ردود الفعل تجاه مختلف القضايا المطروحة فى الجامعة وليس هناك خبرات واسعة فى عملية اﻹعداد للقوانين، ما يضع عقبة كبيرة أمام هذا المسار، وستحتاج الحركات الجامعية إلى تخطيط فعال قبل تبنى هذه المبادرة وقياس قدراتها جيدا لتصميم خطة عمل أكثر ملائمة.

***

هناك أولوية كبيرة لتعديل مسار عملية إعداد القانون والالتزام بمعايير الإفصاح والشفافية، ولكن هذا وحده ليس كافيا، إذ يقع على عاتق أعضاء المجتمع الأكاديمى أن يبادروا إلى بلورة مقترحات مستقلة عن مسار اللجنة الرسمية المختصة بوضع القانون، وهذا تحدٍ كبير يحتاج إلى مساندة من قبل منظمات المجتمع المدنى ونواب بالبرلمان. ولازال باﻹمكان تحقيق الحد الأدنى المطلوب ﻹقرار قانون يحظى بتوافق ونقاش جيد، شريطة تعزيز العمل المشترك بين المجموعات المختلفة.
محمد عبدالسلام مسئول ملف الحرية الأكاديمية، بمؤسسة حرية الفكر والتعبير بالقاهرة.
التعليقات