هل تريد أن تشعر بالتلاحم الإنساني؟ - هبة الخولي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل تريد أن تشعر بالتلاحم الإنساني؟

نشر فى : السبت 25 أكتوبر 2014 - 12:25 م | آخر تحديث : السبت 25 أكتوبر 2014 - 12:28 م

هل تفتقد الحنان الأسري وتريد أن تشعر بأن هناك من هو بجانبك وفي ظهرك؟، هل تريد أن تختبر صبرك إلى أقصي حد؟، وترى إن كنت جدير بأن تدعي رب العالمين بدخول الجنة؟، عليك وعلى مترو الانفاق، هذا الذي يسير تحت شوارع القاهرة ويحمل معه كل يوم 4 ملايين مقهور.

خلقني الله عصبية فرزقني بالمترو كي يختبر قدراتي البشرية، وليس محطة أو اثنتان، فياسيدي أنا أسكن في أطراف القاهرة، أخرج من منزلي قبل ميعادي بساعتين، أركب المترو كل يوم لمدة ساعة ونصف  الساعة 20 محطة، وإذا ما حسبنا فترة الكلية التي كانت في الزمالك ولا وسيلة لي إلا المترو، والوقت الحالي فأكون قد ركبت المترو لمدة 8 سنوات كاملة، أعتقد أنه يجب أن يكون هناك جائزة ما لي، لقد عشت في المترو ما يُعادل عمر كامل، ويبدو أن المترو يسير معي في كل مراحل حياتي، عشت فيه مواقف قد تؤهلني أن أكتب عنه كتابا كاملا، واجعلوني من هذا المنُطلق، وبما أني أثبت جدارتي وخبرتي العميقة في الشؤون المتروية أن أخبركم بأعظم سر، سر الأكوان، سر عربة السيدات.

فدائماً ما تكون عربة السيدات محطّ أنظار الفضوليين، وموضوعا مهما في جلسة النميمة، وقد تصل لانتحاريين يُلقون بأنفسهم فيها حتى يجابوا على السؤال الذي حيّر العلماء، ماذا يفعلن في هذه العربة؟، سأخُبرك. ننام، نعم هناك من تركب عربة السيدات كي تنام، وهناك من تقرأ، وهناك من تجلس مع أولادها ومعها كيس من عالم العجائب، مليء بكل ما هو شهي، لذا لا تقلق سيدي نحن لا نرقص في عربة السيدات، إلا إذا تقصد الرقص من الألم.

إذا ما تميزت العربة المختلطة بالهدوء، فعربة السيدات لا تعرف الهدوء، نحنُ نحب أن نتناقش، نحن نخبر الغريب بهمومنا، بل نخبره بفرحنا ونضحك معه، وإذا ما كنت أقرأ كتابا فطبيعي جدا أن يبدأ حوار عن الكاتب أو القراءة مع جارتي بجانبي، وقد ينتهي اليوم بتبادل أرقام الهاتف ونصبح أصدقاء، قد تتبادل معي فتاة المقاعد لأنني أبدو ناعسة ومقعدها مريح أكثر، وإذا ما سألت إحدانا على المحطة التي تريدها وجدت ألف صوت يدلها، لكن إذا ما غضبت واحدة من الأخرى فيجب أن تبحث لك عن ساتر حديدي لا يقل سُمكه عن 2 متر، فالخناقات في المترو لم أر مثلها في حياتي، جائز في فيلم هاري بوتر الخيالي، تتطاير اللعنات فوق رؤوسنا، وقد تجد في يدك طرحه لفريسة ما، هذا إذا ما أغضبت والدتك يوما ونزلت تركب المترو، وكان في ساعة ذُروة أو خروج مدارس، فترى ملحمة متلاحمة من الأجساد البشرية، لا تتحرك إلا ومعك 5 أشخاص، أنت لا تملك جسدك، فعليا يمكنك أن تحتضن شنطتك وقوة التيار ستوصلك مكان ما تريد، لا تُحاربه أرجوك، وهنا اجعلني أُذكرك، لهذا تركب البنات عربة السيدات.

ويبدو أنك سيدي القارئ قد جاء أمامك عارضاً أنهم يفكرون في تخصيص عربة في المترو لرجال الأعمال، فأضحك وأسأل نفسي، ألن يُخصصوا عربات للبني آدميين أولا؟ فنحن الطبقة الكادحة نركب المترو لأنه أسرع وأرخص وسيلة مواصلات، ولكن هذا لا يعني أن نستحمل أطواف البشر التي تنحشر من محطة دار السلام، أو الشهداء “صدق الاسم” التي إذا ما أردت أن تتعظ من يوم القيامة فأنصحك أن تذهب هناك يوم اثنين الساعة الثانية ظهرا، صدقني ستذهب تُقبّل أسرتك الذي كادت أن تفقدك اليوم شهيداً.

وهناك الكهف المهجور الذي نمر عليه كل يوم، وتستطيع أن ترى نظرة الحسرة لكل الركاب، يودعون عزيزا على قلبهم كان منذ سنة ماضية جزء كبير في حياتهم، تتصايح الأمهات لأولادها ألا يلعبوا على الكراسي، ولا تهدأ الحركة ولو ثواني، ويصدع الميكروفون الداخلي كل دقائق بتعليمات ما، ولكنها الآن كالكهف المحفور في جبل، يدعو صبر الناس عليه لكتابه مجلدات. لكن لا يمنع أن يدور السؤال كل يوم،”هما مش هيفتحوا محطة السادات بقي؟

هبة الخولي مصورة صحفية مصرية
التعليقات