إشارات خطرة.. فى أوضاع صعبة - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إشارات خطرة.. فى أوضاع صعبة

نشر فى : الثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 10:05 م | آخر تحديث : الثلاثاء 25 أكتوبر 2016 - 10:05 م

أى ضغط اقتصادى فهو سياسى.
فى الأزمة الاقتصادية المتفاقمة مشروع ضغوط سياسية مرشحة للتصعيد.
بدواعى الضجر البالغ من السياسات الحالية هناك من لا يمانع فى أن يحدث ما يحدث ولتكن العواقب ما تكون.
وبدواعى الذعر الفادح هناك من يدعو لانتهاك ما تبقى من دولة القانون وقمع أى رأى باسم الحفاظ على الدولة.
الموقفان المتناقضان يفضيان، بالضجر أو الذعر، إلى تزكية احتمالات الانهيار دون أن يتبدى ضوء فى نهاية أى نفق مظلم.
بانسداد القنوات السياسية فإن كل شىء محتمل وكل ضغط ممكن.
وفى غياب عدالة توزيع الأعباء للإصلاح الاقتصادى تتبدى أشباح الاضطرابات الاجتماعية التى لا يعرف أحد متى وأين وكيف تحدث، فلا هى تندلع بدعوات على شبكات التواصل الاجتماعى ولا هى تمنع بصراخ على شاشات الفضائيات.
أمام تلك الأوضاع فإن الخطر الأفدح أن تضرب بنية المجتمع بالفوضى ويفتقد بالوقت نفسه قدرته على التماسك الداخلى لتجاوز أزماته وفق مصالحه هو لا ما يصوغه الآخرون فى الإقليم والعالم لمستقبله المنظور.
من الإشارات الخطرة اغتيال قائد عسكرى كبير أمام منزله، وهذه نقلة نوعية فى الحرب مع الإرهاب بالنظر إلى دوره فى هدم الأنفاق بسيناء.
مثل هذا الاستهداف قد تلحقه عمليات مشابهة لضرب الروح المعنوية للمقاتلين والمواطنين معا فى أجواء أزمة مستحكمة.
القضية تتجاوز إجراءات التأمين الضرورية إلى إعادة النظر فى استراتيجية الحرب على الإرهاب.
لماذا عاد بقوة من جديد يضرب فى سيناء وعلى تخوم العاصمة؟
هناك كلام كثير عن شمول المواجهة على جميع الأصعدة، لكن الأفعال تخذل التعهدات، فلا جرى إصلاح فى الخطاب الدينى، ولا بادر مثقفون ومبدعون بطرح ما لديهم من رؤى بالفكر أو الفن، فالمجال العام مغلق وعلى أبوابه متاريس خوف، والبيئة العامة مسمومة بحملات التحريض على حرية الفكر والتعبير والحق فى الاختلاف.
وهناك كلام كثير آخر عن ضرورات التوازن بين الأمن والحرية لا تسندها أية سياسات تمنع تغول الأول على الحياة العامة وتسمح للثانية بالتنفس السياسى.
فى مثل تلك الأحوال تنضب الأفكار والتصورات وينخفض منسوب الثقة فى المستقبل ــ أى مستقبل، ويصعب التعويل على ظهير شعبى قوى ومتماسك يساند ويدعم الحرب على الإرهاب.
ومن الإشارات الخطرة تهريب سجناء من سجن «المستقبل» بالإسماعيلية بقوة السلاح، واستشهاد ضابط ومواطن وإصابة فرد شرطة.
كيف دخلت الأسلحة والذخائر إلى داخل السجن؟
وهل يمكن أن نعزو القصة كلها إلى الإهمال الجسيم أو فساد مالى لتمرير السلاح أم أن المنظومة الأمنية مخترقة وتحتاج إصلاحا جديا لمصالحتها مع مجتمعها؟
عندما يتغول الأمن فى الحياة العامة فإن منسوب الثقة فيه يتراجع، وهذا آخر ما تحتاجه مصر فى حربها مع الإرهاب.
بقدر التماسك بين الأمن ومجتمعه فإنه يمكن خفض كلفة الدماء فى تلك الحرب.
السيناريو الأخطر أن أية اضطرابات اجتماعية محتملة تضع الأمن فى مواجهة شعبه، وذلك فوق طاقته، كما أنها تفسح المجال لتمركزات جديدة للجماعات الإرهابية.
شىء من هذا التمركز تبدى فى اغتيال العميد «عادل رجائى» قائد الفرقة التاسعة مدرعة، فهناك من تابع تحركاته ومستويات تأمينه على مهل قبل أن ينال من حياته دون أن ينتبه أحد من سكان الضاحية التى يسكنها، أو تستوقفه أية تصرفات مريبة.
المعنى أن البيئة الاجتماعية ــ بأثر الإحباط الاجتماعى ــ لم تعد تشغلها حروب الإرهاب بقدر ما تشغلها صعوبة الحياة.
ومن الإشارات الخطرة «تسييس» مطالب صندوق النقد الدولى.
رغم نفى رئيس الوزراء «شريف إسماعيل» لاحتمال التسييس، فإنه يصعب تفسير امتناع الصندوق عن دفع الشريحة الأولى من القرض بقيمة (2.5) مليار دولار إلا قبل تعويم الجنيه المصرى ورفع الدعم عن الوقود ــ حسب تصريحات «كريستين لاجارد».
الحكومة لا تمانع فى ذلك، غير أن ترافق الإجراءين قبل توقيع الاتفاق النهائى مع الصندوق ينطوى على مقايضة صعبة.
إذا ما جرت الموافقة فإنها مقامرة بمستقبل النظام الحالى بالأثر المتوقع لانهيارات حادة إضافية فى مستويات المعيشة.
وإذا ما رفضت فإنها مقامرة أخرى بتفاقم الأزمة حيث تنهار قيمة الجنيه فى السوق الموازية ويعجز الاقتصاد عن تلبية أبسط احتياجاته فى توفير السلع الضرورية مثل السكر والأزر والزيت بأسعار مناسبة، وقد بدأ العجز يعلن عن نفسه فى الأسواق والسخط الاجتماعى يرتفع أنينه.
بين المقامرتين يصعب الادعاء بأن شروط القرض المستجدة اقتصادية محضة.
ليس من طبيعة الصندوق ولا دوره الضغط فى الملفات السياسية، لكن الجهات الدولية المتحكمة فيه تعرف طريقها، ماذا تطلب.. وكيف؟
حسب معلومات أولية هناك ضغطان سياسيان على خلفية الأزمة الاقتصادية يجرى الإلحاح عليهما الآن من دوائر نفوذ غربية.
الأول، إعادة دمج جماعة الإخوان فى الحياة السياسية.
كان ذلك الضغط قد تراجع فى الشهور الأخيرة لكنه بدأ يطل من جديد.
تصعب أية استجابة الآن لمثل ذلك الطلب رغم أن بعض الجهات الأمنية لم تكن تمانع فيه باعتبار خبرتها السابقة وتواترت تصريحات لبعض الوزراء والمسئولين فى هذا الاتجاه.
مشكلة الجماعة أنها خسرت ثقة مجتمعها بتورطها فى العنف والتحريض على الإرهاب.
وهذه مسألة يستحيل على أية سلطة، الآن أو فى المستقبل، تجاوز اعتباراتها أيا كانت مستويات الضغوط.
كما أن إعلان إحدى خلاياها المسلحة مسئوليتها عن اغتيال قائد الفرقة التاسعة مدرعة انتقاما لتصفية قائد العمليات النوعية «محمد كمال» يضع صاحب القرار فى وضع حرج لا يستطيع معه تجاوز الحقائق فى مؤسسات القوة.
‫مشكلة النظام هنا أن قبوله بإعادة دمج الجماعة مستحيل وممانعته مكلفة، وذلك يستدعى حضور الرأى العام فى الملف كله.
والثانى، تراجع القوات المسلحة عن أية مشروعات عامة.‬
بدا لافتا تصريح الرئيس لرؤساء تحرير الصحف القومية: «إن الجيش سوف يتراجع ما أن ينتهى من مشروعات البنية الأساسية».
كان لافتا ثانيا ما قاله رئيس الوزراء فى حوار امتد لثلاث ساعات مع خمسة كتاب كبار: «الجهاز الإدارى يحتاج إلى وقت ليتطور ويستعيد قدرته على العمل ومتابعته، لذلك فنحن نستفيد من الجيش كقطاع منضبط فى إدارة المشروعات، يشرف عليها لكن الذى يتولاها قطاعا الأعمال العام والخاص».‬
كما كان لافتا ثالثا تصريح وزير الصحة من أن «مستلزمات المنظومة الصحية بمصر ستكون من خلال الوزارة».‬
المعنى لا يخفى على خلفية أزمة ألبان الأطفال.‬
ولا يخفى على صعيد آخر رغبة تمكين مجموعة من المستثمرين تربطهم علاقات بدوائر المال والنفوذ فى الولايات المتحدة من أية مشروعات اقتصادية عندما يضخ قرض الصندوق.‬
بغض النظر عما تطلبه رسائل الكواليس فإن عودة الجيش إلى مهامه الطبيعية بأقرب وقت ممكن لصالحه قبل غيره حتى يخرج من أية مساجلات سياسية تحاول أن تسىء إلى صورته التى استقرت لعقود طويلة كبوتقة للوطنية المصرية.‬
غير أن ذلك يستدعى إعادة بناء جهاز الدولة، واختيار المسئولين بمعايير الكفاءة وحدها، وإصلاح الجهاز الأمنى ومنظومة العدالة وفق الالتزامات الدستورية، وتحسين البيئة العامة وإفساح المجال العام لتوافقات وطنية واسعة حتى لا يمكن الحديث مرة أخرى عن «شبه دولة»، أو ينفسح المجال لأية ضغوط مستجدة.