قراءة فى تاريخ الأحزاب السياسية فى مصر (1) حكاية جمعية مصر الفتاة أقدم تشكيل حزبى عرفته مصر فى تاريخها الحديث - عماد أبو غازي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 6:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قراءة فى تاريخ الأحزاب السياسية فى مصر (1) حكاية جمعية مصر الفتاة أقدم تشكيل حزبى عرفته مصر فى تاريخها الحديث

نشر فى : الجمعة 26 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 26 أبريل 2013 - 8:00 ص

الحزب الوطنى حزب سياسى لا دينى.. مؤلف من رجال مختلفى الاعتقاد والمذهب وجميع النصارى واليهود ومن يحرث أرض مصر ويتكلم لغتها

 

 

عرفت مصر الأحزاب السياسية منذ أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر، فى تجربة قصيرة سبقت الثورة العرابية وانتهت ظاهريا مع الاحتلال البريطانى لمصر، وبعد هذه التجربة الأولى فى العمل الحزبى عرفت مصر فى تاريخها أربع تجارب أخرى فى التعددية الحزبية المقننة.  

 

الأولى فى بدايات القرن العشرين. الثانية واكبت ثورة 1919 واستمرت حتى صدور قرار حل الأحزاب السياسية فى يناير 1953 بعد انقلاب الضباط الأحرار، والثالثة فى منتصف السبعينيات من القرن العشرين مع العودة للتعددية المقيدة، والتجربة الرابعة نعيشها الآن بعد ثورة 25 يناير، ولكل مرحلة من هذه المراحل ملامحها المميزة وسماتها الخاصة.

 

ورغم ما يبدو فى هذا المسار من انقطاعات وفجوات زمنية إلا أن حقيقة الأمر أن النشاط الحزبى لم يتوقف تقريبا فى مصر منذ بدأ قبل أكثر من مائة وثلاثين عاما، كما أن هناك تواصلا دائما بين التجارب الحزبية فى تاريخنا حتى وإن لم يبد ظاهرا على السطح.

 

التجربة الأولى:

 

فى سبعينيات القرن التاسع عشر، فى وقت كانت البلاد تموج بتيارات الإصلاح والتجديد، وكان الشعور الوطنى فى تصاعد مستمر، حيث سعى الوطنيون المصريون إلى إنقاذ البلاد من عبء الديون الخارجية التى كانت قد أوشكت أن تهدر استقلال مصر، أصدرت مجموعة من قادة الرأى ورجال السياسة والعسكريين الوثيقة المعروفة باسم اللائحة الوطنية فى 2 أبريل سنة 1879، ووقع عليها 327 شخصية من بينهم ستون من أعضاء مجلس شورى النواب وشيخ الإسلام وبطريرك الأقباط الأرثوذكس وحاخام اليهود المصريون وعدد من العلماء ورجال الدين، وأكثر من أربعين من التجار وكبار الملاك، وبعض الموظفين الحكوميين، وقرابة تسعين من العسكريين، وركزت اللائحة على مطلبين أساسيين: مشروع وطنى لحل أزمة الدين الخارجى يضع حدا للتدخل الأجنبى فى إدارة شئون البلاد، ونظام نيابى دستورى يأتى بحكومة مسئولة أمام البرلمان، وقد قبل الخديو إسماعيل العريضة وسعى لتنفيذها، وكلف شريف باشا برئاسة الحكومة وإعداد الدستور وتنفيذ ما ورد فى اللائحة، الأمر الذى أدى إلى الإطاحة به من مقعد الخديوية باتفاق أوروبى عثمانى، ليحل محله ابنه توفيق، ولم يستطع شريف باشا الاستمرار مع التوجهات الجديدة للخديو الشاب الذى خضع لمخططات القوى الأوروبية.

 

دفع الوضع المتأزم المعارضين الوطنيين إلى تشكيل تجمعات معارضة لسياسة الخديوى وللتدخل الأجنبى، فتشكلت التجمعات السياسية مثل جماعة مصر الفتاة والحزب الوطنى،التى كانت تطرح مشروعات للإصلاح الوطنى والدستورى.

 

وتعد جمعية مصر الفتاة التى ظهرت فى سبعينيات القرن التاسع عشر أقدم تشكيل حزبى عرفته مصر فى تاريخها الحديث، وقد تأسست فى مدينة الإسكندرية، وقد اقتبست اسمها من تنظيم وطنى إيطالى لعب دورا بارزا فى تحقيق الوحدة الإيطالية كان يسمى «إيطاليا الفتاة»، وأظن أن اختيار الاسم جاء بتأثير اختلاط الجالية الإيطالية فى الإسكندرية بالمصريين، وكان للجمعية جريدة ناطقة باسمها تحمل أيضا اسم «مصر الفتاة» تمت مصادرة أعدادها ثم تعطيلها نهائيا فى نوفمبر 1879، ورئيس الجمعية غير معروف لكن نائب رئيسها كان رئيسا لمحكمة أسيوط اسمه محمد أمين، وكاتم سرها محمود واصف، وكان ممن اتصل بالجمعية وانضم إليها عبدالله النديم، وكان للجمعية برنامج سياسى يدعو لإقامة نظام سياسى جديد يقوم على توزيع السلطات وتوازنها، واستقلال القضاء، وتحقيق المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون، وصيانة الحريات الشخصية وحرية الاعتقاد والتعبير، وتطوير التعليم العام والاهتمام به، وإعادة تنظيم الجيش، والإصلاح الضريبى والاقتصادى للتخلص من أزمة الدين العام، كما اهتمت الجمعية فى كتابتها بأوضاع الفلاحين والطبقات الشعبية، ويبدو أن الجمعية لم تستمر طويلا فحسب ما ذكره الدكتور محمود متولى فى كتابه المعنون «مصر والحياة الحزبية والنيابية قبل سنة 1952»، انتقل أعضاء الجمعية تدريجيا إلى الحزب الوطنى.

 

أما الحزب الثانى فقد قام بتشكيله بعض الموقعين على العريضة الوطنية فى شكل جماعة أخذت تجتمع بشكل سرى فى القاهرة فى بيت السيد البكرى نقيب الأشراف ثم فى بيت محمد باشا سلطان، وقد عرفت باسم الحزب الوطنى الأهلى كما عرفت باسم جماعة حلوان بسبب نقل اجتماعاتها إلى حلوان بعيدا عن عيون شرطة رياض باشا، وقد بدأت المجموعة نشاطها الرسمى فى 4 نوفمبر 1879 بإصدار بيان سياسى طبعوا منه 20 ألف نسخة تم توزيعها فى أنحاء البلاد، وفشل رياض باشا فى التوصل إلى المجموعة التى تقود الحزب، وكان محمد باشا سلطان أول رئيس للحزب، وضم الحزب فى عضويته عناصر مدنية وعسكرية وعددا من قادة الرأى البارزين آنذاك تبنوا برنامجا للإصلاح السياسى والاقتصادى، منهم سليمان باشا أباظة وحسن باشا الشريعى وشريف باشا وإسماعيل راغب باشا وعمر باشا لطفى، ومن العسكريين شاهين باشا كينج ناظر الحربية السابق ومحمود سامى البارودى وأحمد عرابى وعبدالعال حلمى وعلى فهمى، وتوالت بيانات الحزب فى الداخل والخارج تحمل مطالب الحركة الوطنية المصرية، وفى ذات الوقت تم تكليف أديب اسحاق بإصدار صحيفة فى باريس اسمها «القاهرة» لتكون لسان حال الحزب الوطنى، بعد إغلاق جريدتى «مصر» و«التجارة» المعبرتين عن التيار الوطنى، وكانت أعداد جريدة القاهرة تدخل إلى البلاد مهربة ويتم تداولها سرا.

 

وكان لجمعية مصر الفتاة والحزب الوطنى دورهما المهم فى التمهيد لقيام الثورة العرابية، بل إن أحمد عرابى نفسه كما رأينا كان عضوا بالحزب.

 

 وبعد الثورة سعى الحزب الوطنى إلى تقديم نفسه بشكل واسع داخل البلاد وخارجها من خلال برنامج سياسى تفصيلى ساهم فى ترويجه السياسى البريطانى ويلفرد بلنت صديق العرابيين، وأشير فيه صراحة إلى أن أحمد عرابى هو لسان حال الحزب، واللافت للنظر أن البرنامج يبدو فيه اتجاه طمأنة الخارج العثمانى والأوروبى، فقد أكد البرنامج على العلاقة الودية بين مصر والدولة العثمانية مع الحفاظ على ما نصت عليه الفرمانات السلطانية من استقلال لمصر، لكنه فى ذات الوقت اعترف بحق السلطنة العثمانية فيما تحصل عليه من خراج من مصر. أما ما يتعلق بالقوة الأوروبية الكبرى (إنجلترا وفرنسا) فقد أشار البرنامج إلى اعتراف الحزب الوطنى بفضلهما، وبحقهما فى استمرار الرقابة المالية الأوروبية لحين سداد ديون مصر، وفى هذا تراجع واضح عن مطالب اللائحة الوطنية.

 

وفى الشأن الداخلى أشار البرنامج فى ماده الثانية إلى الخديو توفيق وأعلن خضوع الحزب لجنابه العالى وتأييد سلطته «ما دامت أحكامه جارية على قانون العدل والشريعة حسب ما وعد به المصريين فى شهر سبتمبر سنة 81»، فى إشارة إلى مظاهرة عابدين فى 9 سبتمبر 1881، وقرن البرنامج الخضوع للخديو «بالعزم الأكيد على عدم عودة الاستبداد والأحكام الظالمة التى أورثت مصر الذل، وبالإلحاح على الحضرة الخديوية بتنفيذ ما وعدت به من الحكم الشورى وإطلاق عنان الحرية للمصريين». وفى هذا السياق وفى مواضع عدة من البرنامج يتكرر الهجوم على الخديو إسماعيل باعتباره نموذجا للاستبداد وإهدار موارد البلاد.

 

ويشير البرنامج إلى أن دور العسكريين فى السياسة مؤقت وإلى عودتهم إلى مهمة حماية الأمة بمجرد اكتمال الإصلاح السياسى وانعقاد مجلس النواب.

 

ويعرف البرنامج الحزب بأنه: «حزب سياسى لا دينى، مؤلف من رجال مختلفى الاعتقاد والمذهب وجميع النصارى واليهود ومن يحرث أرض مصر ويتكلم لغتها منضم لهذا الحزب، فإنه لا ينظر لاختلاف المعتقدات ويعلم أن الجميع إخوان، وحقوقهم فى السياسة والشرائع متساوية».

 

ويُختتم البرنامج بعبارة تقول: «آمال هذا الحزب محصورة فى إصلاح البلاد ماديا وأدبيا؛ ولا يكون ذلك إلا بحفظ الشرائع والقوانين وتوسيع نطاق المعارف وإطلاق الحرية السياسية التى يعتبرونها حياة للأمة، وللمصريين اعتقاد فى دول أوروبا التى تمتعت ببركة الحرية والاستقلال أن تمتعهم بهذه البركة، وهم يعلمون أنه لن تنال أمة من الأمم حريتها إلا بالجد والكد فهم ثابتون على عزمهم، آمنون فى تقدمهم، واثقون بجانب الله تعالى إذا تخلى عنهم من يساعدهم».

التعليقات