الدليل النفيس فى أمر اختيار الرئيس - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 8:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدليل النفيس فى أمر اختيار الرئيس

نشر فى : السبت 26 أبريل 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 26 أبريل 2014 - 8:00 ص

فى قصة رائعة لباولو كويلو الكاتب البرازيلى بعنوان «دليل المحارب» يحكى عن صبى القرية الذى ملأه الطموح ليحكم بلاده فذهب ووقف عند الشاطئ يفكر ما هو الطريق الذى يجب أن يسلكه للوصول إلى هدفه، وبينما هو يتأمل مفكرا ظهرت فجأة أمامه سيدة مجهولة أخبرته أنه إن كان يريد أن يحكم هذه البلاد عليه أن يتوغل فى البحر حيث توجد جزيرة فى وسطه عليها معبدضخم به أجراس كثيرة وكما ظهرت السيدة فجأة اختفت فذهب الصبى إلى المكان التى أشارت إليه السيدة لكنه لم ير شيئا. عاد الصبى إلى القرية ليسأل عن الجزيرة والمعبد أجابه عجوز بأن هذه القصة قديمة جدا من أيام أجداد الأجداد وقد ابتلع زلزال الجزيرة والمعبد، لكن مازال صوت الأجراس يسمع حتى اليوم.

وهكذا تردد الصبى على المكان فى محاولة لسماع صوت الأجراس لكنه لم يسمع شيئا على الرغم من أنه على يقين بأن السيدة المجهولة لم تخدعه لكنه لم يدرك أن السيدة المجهولة كانت تدعوه إن كان يريد أن يحكم البلاد عليه أن يبحث عن هويته وهل إنتمائه الحقيقى لذاته وأطماعه أم لوطنه؟ صحيح أن هويته تكونت من طبقات فوق طبقات من أحداث ووقائع إنتصارات وهزائم للوطن على مدى التاريخ وكلها إنتهت كالأجراس التى انتهى وجودها المادى لكن بقى رنين صوتها يتردد فى الحاضر ويشكل الوجدان بل يدعو كل إنسان أن يعود إلى جذور إنتمائه، وإذا أراد أن يسمع رنين الأجراس عليه ألا ينغلق على ذاته سواء كان هذا الإنغلاق دينيا أو ثقافيا أو عرقيا وإذا إنغلق لن يسمع الرنين، أما الذى لديه الوعى والإدراك سوف يعيش الواقع والحاضر بكل أبعاده وذلك إذا إنتبه إلى حركة الناس والطيور والبحر والشجر والريح كحاضر يعيشه عندئذ يتفاعل الماضى مع الحاضر فيسمع رنين الأجراس.

إلا أن الصبى قرر فى نفسه أن الطريق الذى تدعوه المرأة إليه طويلا وشاقا وهكذا قرر أن يدَّعى على الناس والسيدة المجهولة لو عادت إليه أنه يسمع الأجراس أثناء جلوسه الطويل على الشاطئ وذلك إستسهالا وكذبا ولكى يصدقونه عليه أن يتحدث عن الوطن التاريخ والهوية، لقد إقتنع الصبى أن الجزيرة والمعبدوالأجراس مجرد أسطورة وتناساها وانغمس فى حياة الناس وملاحظة الطيوروالحياة والفن والموسيقى من حوله فسمع فجأة صوت الأجراس إلا أنه لم يهتم لأن تركيزه كان فى بحثه عن الكنز ولم يفهم أن إهتمامه بالناس وآلامهم وآمالهم والذوبان معهم بالمعايشة اليومية هو الطريق الصحيح كما حدث معه للحظة من الزمان.

•••

كبر الصبى وبعد سنوات عاد إلى القرية زائرا سار على الشاطئ وتجاهل كل ما سمعه قديما، صحيح لم يعد يحلم بالحصول على الكنز (الحكم) لكنه يطمع فى شئ آخر قريب من ذلك. فجأة ظهرت السيدة المجهولة ثانية، قالت له أنها تنتظره لأنه صاحب حلم سلمته كراسة صفحاتها بيضاء وأمرته أن يكتب ما تمليه عليه من صفات المحارب لأجل الوطن حتى يدرك مسئوليته، سألها: من هو المحارب؟ أجابت : إنه شخص ما قادر على النضال لآخر لحظة من أجل ما يؤمن به، قادر على سماع رنين الأجراس وأردفت أنه القائد الكفء الذى لا يحاول القيام بالدور الذى إختاره له الآخرون يعرف أن مرجعيته الناس الذين يعيش بينهم يفكر فى مصائر الناس الذين سيتأذون أو ينتفعون نتيجة قراراته، لا يرغب أن يتسبب فى معاناة بلا سبب يدرك تعاسة الآخرين ومعاناة الأغلبية يناقش خطته سعيا إلى الأفضل دائما لا يحكم المحارب على النوايا بل على نتائج الأفعال يميز بين العابر والدائم يعرف الفارق بين المثابرة والإصرار.

يدرك المحارب أنه يشارك فى لحظة مصيرية فى تاريخ الوطن لذلك يؤمن بأن التكرار ليس إعادة القديم كما هو لكن يجب إعادة النظر فيه فهو لا يعادى التغيير ولا يستأصل الإختلاف، يقبل تحدى التغيير يلتقط اللحظة الصحيحة فيقرأها بعقلانية مثمرة فيتبنى الإتجاهات اللازمة. يسيطر على نفاذ صبره ويبدى الإحترام لكل فكر يٌطرح يعَّظم ويقَّدر قيمة التفكير العلمى ويستخدمه لا كتراث ولكن يتقن التعامل به مع التحديات المحيطة.

يعرف المحارب أن التسامح لا يعنى قبول كل شئ لا يستطيع أن يحنى رأسه لأنه لو فعل فسيفقد رؤيته، يتلألأ نور الإيمان فى عينيه ولا يكون فى حاجة إلى إثبات أى شىء لأحد. لا يهدر وقته فى الإستماع إلى الإستفزازات لا يبحث عن الثأر وفى ذات الوقت لا يغفر الخيانة يعَّلم الناس كيف ينصتون إلى رنين الأجراس يفكر فى الحرب عندما يتعرض شعبه للعدوان، ويفكر فى السلام لأنه يؤمن بإستمرار معجزة الحياة، توقفت السيدة عن الحديث.

•••

عندئذ أدرك الرجل أن الشروط لا تنطبق عليه ولا يمكنه الوصول إليها فبدأ يصرخ فى وجهها قائلا: إن الكثير مما قلتيه يناقض بعضه بعضا، وهكذا أدركت السيدة أنه يحاول الهروب إلى الأسهل (كلمات بلا معايشة حقيقية أو فهم حقيقى للمسئولية والوطن مع مكاسب عديدة) فواجهته بحقيقته بوضوح قائلة: إنك تعرف بخبرتك السياسية وحنكتك أن رنين الأجراس ليس خرافة وأنه لا يستطيع سماعه إلا من يسمع ويدرك جميع الأصوات التى حوله فجميعها جزء من الرنين، ثم بدأت تعقد مقارنة بين حالته وحالة المحارب الذى أملت عليه صفاته ذلك الذى يؤمن أن كل ما يحيط به يشكل جزءا من معركته الصالحة وأن الشراكة الجماعية هى الإستراتيجية الحقيقية فيختبر التعايش مع متناقضات العصر ويستوعبها لأجل وطنه. وهنا صمتت المرأة وهى تتجه مغادرة إياه تمشى على الأمواج فى اتجاه القمر المكتمل تاركة إياه خلفها لمصيره.

•••

وهكذا يقدم لنا باولو كويلو الدليل النفيس فى أمر اختيار الرئيس لمرشحى الرئاسة ولمن سوف يختارونه.

أستاذ مقارنة الأديان

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات