من أسف على مصر - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من أسف على مصر

نشر فى : الثلاثاء 26 أبريل 2016 - 9:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 26 أبريل 2016 - 9:55 م
أغلب الظن أن السواد الأعظم من المصريات والمصريين يشعر بحزن شديد فى أعقاب المشاهد التى حملها ٢٥ ابريل ٢٠١٦. فقد بات غياب العقلانية هو العنوان الأكثر وضوحا لتعامل السلطوية الحاكمة مع المعارضة، وأيضا لبحث الأخيرة عن دور لها فى بلاد أميتت سياستها واستحكمت أزماتها.

لا تفسير غير غياب العقلانية للاستنفار الأمنى الشامل الذى نفذته السلطوية الحاكمة خلال الأيام الماضية، وأنتج الكثير من الممارسات القمعية وانتهاكات حقوق الإنسان. القبض الاستباقى على طلاب وشباب واقتيادهم من منازلهم ومن «مقاهى وسط البلد» إلى أماكن الاحتجاز بادعاء تحريضهم على التظاهر السلمى الذى هو حق دستورى، حملات تشهير ممنهجة باتجاه معارضى اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية الذين أختلف معهم فى التقدير والرأى وأرفض تشويههم ونزع كل قيمة وطنية وأخلاقية عنهم، سلب حرية مواطنات ومواطنين أرادوا التظاهر بسلمية للتعبير عن الرأى وتوقيف صحفيين أرادوا المتابعة الإخبارية لأحداث ٢٥ ابريل ٢٠١٦ واقتحام نقابة الصحفيين ومحاصرة مقر حزب الكرامة وغير ذلك من شواهد الاستخدام المفرط للقوة الأمنية.

وكأن الممارسات القمعية وانتهاكات حقوق الإنسان ليست بكافية للتدليل على سلطوية يطغى عليها الهاجس الأمنى وتغيب عن فعلها العقلانية، تورطت الأجهزة الأمنية فى الاعتماد الفاضح لمعايير مزدوجة مكنتهم من الجمع فى ٢٥ ابريل ٢٠١٦ بين تعقب المتظاهرين المعارضين لاتفاقية ترسيم الحدود من جهة وحماية المتظاهرين المؤيدين للاتفاقية من جهة أخرى. ولأن عناصر الصخب والعبث والجنون صارت تتكالب على الفضاء العام وتفرض علينا رفقتها اليومية، لوح بعض المتظاهرين المؤيدين للاتفاقية والمحميين أمنيا بأعلام السعودية وارتفعت فى تجمعاتهم (غير العفوية) الأنغام الموسيقية غير الملائمة سوى للموالد الشعبية (التى أعشقها) متناسين أن المناسبة هى عيد تحرير سيناء.

لا تفسير غير غياب العقلانية لتأجيج المشاعر الوطنية الذى اعتمدت عليه المعارضة خلال الأيام الماضية فى محاولة الحشد الشعبى ضد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية.

لماذا لم يتجنب المعارضون الجادون فى البحث عن خلاص من السلطوية الحاكمة وفى استعادة مسار تحول ديمقراطى الانزلاق إلى خانات كيل الاتهامات «ببيع الأرض»، واكتفوا بالتعبير عن رفض السرية التى أحاط بها الحكم مفاوضات اتفاقية ترسيم الحدود وتوجيه الانتقاد إلى الاستعلاء على حق المواطن فى معرفة خلفيات وتفاصيل القرارات والسياسات الكبرى التى تتخذها حكومته وحقه فى مناقشتها موضوعيا دون خوف؟ لماذا لم يبتعد المعارضون الجادون فى طلب الدفاع عن حقوق المواطن وحرياته عن هاوية المكارثية المعكوسة التى تجابه مكارثية السلطوية ورأيها الواحد وتخوينها للمختلفين معها وتشويههم كمتآمرين برأى واحد بديل وبتخوين بديل وحديث مؤامرات بديل؟

لماذا لم ينأَ المعارضون الجادون فى طرح تصور لمصر ديمقراطية وعادلة وحديثة بأنفسهم عن التورط فى تأجيج للمشاعر الوطنية يتناقض مع مقتضيات النظر الموضوعى لمسألة الجزيرتين، ويتناقض مع المعايير القانونية الملزمة فى إدارة العلاقات بين الدول، ويتناقض مع إنتاج صورة متماسكة لمعارضة تقدم نفسها محليا وعالميا كقادرة على إدارة شئون البلاد برشادة وكفاءة؟ لماذا لم يوظف المعارضون الجادون الاهتمام الشعبى بمسألة الاتفاقية والجزيرتين للضغط باتجاه توعية الناس بأهمية الآليات الديمقراطية لمنع انفراد الحكم باتخاذ القرارات والسياسات الكبرى ولإلزامه بالشفافية، وضرورتها لإيقاف انتهاكات حقوق الإنسان والحريات التى تطول المواطن حين يختلف بسلمية مع السلطوية الحاكمة، وحتميتها لإدارة الاختلاف والخلاف بين المواطنات والمواطنين دون قمع أو إقصاء أو تعقب أو ظلم؟ لماذا عجز المعارضون الجادون عن المزج بين توظيف عقلانى للفكرة الوطنية وبين تكثيف لاستخدام مضامين ومفردات الفكرة الديمقراطية وهى أبقى وأمضى فى مواجهة السلطوية بعيدا عن أساطير الأبطال المخلصين والجماهير العائدة؟

لا تفسير غير غياب العقلانية لفعل السلطوية الحاكمة ولأداء الطيف الواسع من معارضيها، لا تفسير غير غياب العقلانية لفضاء عام لم يعد به غير عناصر الصخب والعبث والجنون، لا تفسير غير غياب العقلانية لشعور السواد الأعظم من المصريات والمصريين باستحكام حلقات الأزمات التى تعصف بالوطن وعجز الحكم والمعارضة (دون ادعاء تماثل المسئوليات بين الطرفين) عن تقديم حلول حقيقية لإبعادنا عن حافة الهاوية.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات