افتتاح مكتبة؟!! - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

افتتاح مكتبة؟!!

نشر فى : الخميس 26 أبريل 2018 - 9:25 م | آخر تحديث : الخميس 26 أبريل 2018 - 9:25 م

رحم الله الخمسينيات من القرن الماضى بما بلغت فيها مصر قمة النشر العربى حيث مطابع حكومية مثل مطبعة دار الكتب والمطبعة الأميرية، والمطابع الخاصة الكبرى التى لا تكتفى بالكتب بل ويصدر عنها صحف ومجلات مثل مطابع الهلال، الأهرام، والأخبار، وروز اليوسف، وإذا أضفنا إليها دار المعارف ودار القلم ومكتبات النهضة المصرية والنهضة العربية ونهضة مصر تأكدنا من ضخامة صناعة النشر والتوزيع واتساع سوقها داخليا وخارجيا فضلا عن مئات المطابع ودور النشر التى كانت تزحم القاهرة بل وعواصم المحافظات.

ــ1ــ

ورغم هذه السوق الضخمة فى الأربعينيات والخمسينيات، فقد رأى بعض المفكرين والمثقفين أن يتقدموا خطوة نحو تخفيض سعر الكتاب، فاجتمع بعض من كبار المؤلفين وأنشأوا «لجنة التأليف والترجمة والنشر» فأنشئت لها مطبعة خاصة وصدر عن تلك اللجنة موسوعات علمية وفكرية لا تنسى، وكذلك نهض بعض علماء الأزهر وأنشأوا جبهة علماء الأزهر وأيضا لجنة النشر للأزهريين حيث تولوا دعم طلاب الأزهر بما يشق عليهم حيث نشروا كتبا كثيرة ما زال أغلبها لم يتكرر نشره. وكنا فى سنوات الدراسة نشترى الجريدة اليومية بـ (1 قرش) أى إن الجرائد اليومية والأسبوعية يمكن الاشتراك وشراء ثلاث صحف يومية لمدة شهر بأقل من جنيه مصرى!!! فماذا يفعل أبناء هذه الأيام.

ــ2ــ

وفجأة كان طوفان الاشتراكية «التلصص المباشر» لأموال الناس، وبين يوم وليلة كانت كارثة التأميم وأصاب زلزالها جميع الصناعات المصرية بما فيها صناعة النشر، وحيث الاشتراكية وما يلزمها من ترويج «وتدجين للعقول» فقد تحولت دور الصحف بكل ما يصدر عنها إلى أبواق للاشتراكية، والصوت الواحد والفكر الواحد، والحزب الواحد، كما تم تجميع دور النشر الأخرى تحت عباءة ما يسمى الآن «الهيئة القومية»، وللحق فقد بقيت الأسعار مقبولة وإن كانت البضاعة المسموح لها بالنشر بضاعة خاصة بل خاصة الخاصة لا تسمن ولا تغنى من جوع، وكنا نلاحظ أن كتب الاشتراكية تباع بقروش قليلة أما غيرها فيرتفع ثمنها وتبقى راكدة حتى تباع فى مواسم الجرد والتخفيض.

ــ3ــ

وحينما حلت السبعينيات وتقرر الانسحاب من «خيمة الاشتراكية» فلم تعد المصانع المؤممة ولا المطابع ودور النشر إلى أصحابها، بل تمادت الدولة فى غيها وأصبحنا نرى «مقار مكتبات النشر والتوزيع» تباع لتجار الأحذية وغيرها حتى تهاوت صناعة النشر وأصبح العثور على كتاب أو رواية يشكل حملا صعبا على جميع المرتبات والدخول.

ــ4ــ

لكن شيئا من فضل الله ما زال يفيض علينا من تعلق بعض المصريين بصناعة النشر فمن رحمة الله وحكمته أن يشغل قلوب العباد بما ينفع الناس، فهؤلاء المشتغلون بالنشر فى أيامنا هذه مكافحون إذ يغامرون بأموالهم وجهودهم ويتنافسون فى «أسواق غير عادلة» فهم ينافسون النشر الالكترونى هذه النوافذ التى اقتطعت الجيل الحاضر بكامله ــ نعم بكامله ــ من التعامل مع الورق والكتب. وادخل بنفسك إلى أى مصلحة أو قف على بابها فلن تجد 1% يحمل فى يده جريدة ــ وأمامك تلك البيوت التى اتسعت مساحاتها، وضاقت قلوب وعقول أصحابها فلن تجد مكتبة ولا رف كتب بل ولا كتاب، فإذا أضفت إلى هذا ما يقوم به البعض من تزييف الكتب ووضعها على الشبكة العالمية تأكدت معى من حجم المغامرة التى يقدم عليها من يفتتح مكتبة فى أيامنا هذه.

ــ5ــ

ومع ما تقاسيه دار الشروق من ضغوط لا مبرر لها، فما زالت ــ والحمد لله ــ قادرة على افتتاح مكتبة جديدة تضاف إلى رصيدها. فهنيئا للشروق دارا وجريدة وكتابا توفيق الله لهم فى الاستمرار والتقدم.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات