نشاط المصريين فى انتظار دكتاتور جديد - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نشاط المصريين فى انتظار دكتاتور جديد

نشر فى : الخميس 26 مايو 2011 - 8:27 ص | آخر تحديث : الخميس 26 مايو 2011 - 8:27 ص

 تخصصت منذ أكثر من ثلاثين عاما فى طرق الحوار بين الديانات والمذاهب والإيديولوجيات المختلفة، وما سمى بفض المنازعات.. إلخ وقد ساهمت فى عشرات أو مئات الدراسات والمؤتمرات بهذا الشأن داخل مصر وخارجها وقد زاد الإقبال على هذه الحوارات بين الغرب والشرق وبين أتباع المسيحية وأتباع الإسلام بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وعندما وقعت هذه الأحداث لم تكن مصر تهتم كثيرا بموضوع الحوار بأى شكل من الأشكال، إلا بعض مراكز الدراسات القليلة وهيئات المجتمع المدنى وكان تأثير كل هؤلاء غير ملحوظ على امتداد القطر، بل يمكن القول أن تأثيرهم كان منحصرا فى النخبة الثقافية، إلا أنه بعد صدور كتاب «صراع الحضارات» لصموئيل هتنجتون ثم حادثة نسف البرجين فى نيويورك، اشتدت حركة الحوار فى مصر كما فى الغرب تحت عنوان حوار الحضارات وكأنه رد على كتاب «صدام الحضارات»، وقبل هذا لم يكن الحوار يشمل قطاعات عريضة من الشعب المصرى الذى لم يكن يهتم كثيرا لهذه الحوارات، مثل قطاع الشباب أو قطاع الموظفين أو المرأة ولا حتى مجمل قطاع المثقفين، لكن حدثت نقلة ضخمة وغير مسبوقة فى الاهتمام بالحوار بعد ثورة 25 يناير 2011 وزادت حدة هذا الاهتمام بعد مرور 50 يوما على الثورة ووصلت ذروتها فى نهاية المائة يوم للثورة، وبنظرة عامة على المجتمع المصرى نلاحظ أن مصر تحولت إلى حالة حوار حيث انطلقت حوارات متعددة على جميع المستويات فالمجلس العسكرى يحاور، ومجلس الوزراء يتحاور، وهناك ما يسمى بالحوار الوطنى، وآخر يسمى بحوار الوفاق الوطنى، وثالث حوار اللجنة الشعبية للدستور المصرى، وحوارات جزئية هنا وهناك.. إلخ، وقد استطعت فى النهاية أن أكتشف أنه ليس لدينا ثقافة الحوار والأسباب الحقيقية لعدم قدرة الشعب المصرى على جميع المستويات على الحوار وافتقادهم لهذه الثقافة هى كما يلى حسب رأيى:

أولا: افتقاد ثقافة نقد الذات:

فالشخص الذى ليس لديه نقد ذاتى لأفكاره من أجل تطويرها، والهيئة أو المؤسسة التى لا تهتم بممارسة النقد الذاتى من المستحيل أن تكون لديها قدرة على الحوار، فالحوار عادة يكون دفاعا عن النفس أو المؤسسة، ونلاحظ فى مثل هذه الحوارات أن كل طرف يكيل للآخر سلبياته، ولا يذكر أى سلبية لديه أو لدى مؤسسته، وهذا ما يطلق عليه فى علم النفس نظرية الإسقاط، حيث يسقط عيوبه على الآخرين ولا يرى عيوبه هو، ولذلك يفشل الحوار دائما، ولان أى حوار لابد أن يقوم على مبدأ رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى الآخر خطأ يحتمل الصواب، أو ما يسمى بالفهم والتفهم نجد أن الحوارات فى معظمها إما أن تنتهى إلى لا شىء أو تنتهى بقطيعة بين المتحاورين.

ثانيا: افتقاد ثقافة قبول الآخر:

إن ثقافة قبول الآخر تعتمد على أن الآخر فى اختلافه معى ثراء لى، لأنه يرى ما أفكر فيه من وجهة نظر أخرى، فيها إثراء لإدراك كل جوانب موضوع المناقشة، لكن هذه الثقافة غير موجودة، حيث أعتبر الآخر عدوا أو على الأقل منافسا طالما لا يتبنى وجهة نظرى، بل انه على أكثر تقدير ذلك المجهول الذى لا أعرف ماذا يخبئ لى داخل عباءته، فالآخر لا يدرك الله كما أدركه وهو غير مقبول عند الله، والله أوصانا أن نعامله بالخير فى حالة عدم عدوانه علينا لكنه يتعدى علينا بضميره، ورفضنا أن نشاركه الجنة لأنه لا يؤمن بالله بطريقتنا، بل هو برفضه عقيدتى يهين الحق المطلق الذى أؤمن به، لذلك فمجرد وجوده إلى جوارى يسبب لى ألما، فلماذا لا تكون كل الأرض التى أعيش عليها من أتباع ديانتى؟ ومن نفس مذهبى وطائفتى؟ ولو حدث ذلك فسوف نعيش الجنة على الأرض ولو قرأ من يتبنى هذا الفكر التاريخ والجغرافيا للاحظ أن الشعوب والبلدان، التى يوجد بها التنوع مع قبول الآخر وسيادة العدل والقانون هى فعلا جنة الله على الأرض.

ثالثا: سوء سمعة الحوار:

فالذى يقبل الحوار هو شخص لديه استعداد للفهم والتفهم وبالتالى يمكنه التنازل عن رأيه، وإذا كان هذا الرأى دينيا أو سياسيا فهو رأى عقيدى، وبالتالى فهو على استعداد للمساومة على الحق، لذلك فالشخص الذى يرفض الحوار معلنا أنه لن يتحاور لأنه لا يساوم يكتسب شعبية ضخمة خصوصا فى البلاد المتخلفة والتى تسير بفكر القطيع، ففى مجلس الشعب المنحل بمجرد أن يقف إنسان صارخ أن هذه الكلمات أو هذا الرأى لا يتفق مع الشريعة يجد صيحات من حوله تؤيده، وما ازدواج الخطاب الدينى فى تصريحات رجال الدين على التليفزيون، حيث ينتقلون كثيرا من النقيض إلى النقيض لمغازلة الجماهير، إلا تعبيرا عن سوء سمعة الحوار.

رابعا: رفض الحوار يبنى أحيانا على قيم إيجابية:

فالحب ــ مثلا ــ قيمة إيجابية والانتماء قيمة إيجابية والذى يرفض الحوار يعلن أن سبب رفضه للحوار هو انه يحب عقيدته وهذا الحب يمنعه من أن يتحاور حول العقيدة لأن الحوار فيه مساومة ولأنه ينتمى إلى نهج فكرى معين أو تيار بذاته سواء كان هذا التيار دينيا أو سياسيا أو فكريا.. إلخ لذلك ليس لديه استعداد الآن أن يدخل الحوار لأن مجرد دخوله فى مثل هذا الحوار يشكك فى انتمائه لهذا التيار أو تلك الجماعة وهكذا تستخدم القيم الإيجابية مثل الحب والانتماء فى غير موقعها وبصورة مشوهة، وهذه الظاهرة هى ما يطلق عليها التعصب بالحب، وأصحاب هذا الفكر لا يتحدثون بسوء عن أتباع الدين المختلف لكنهم ينفونه تماما من حياتهم وأحاديثهم وكأنه غير موجود، فيتحدثون لأولادهم فقط عن ديانتهم الخاصة ويغلقون التليفزيون عندما تأتى طقوس أو عبادات لأصحاب الديانات الأخرى.

خامسا: منطلق الحوار ومنتهاه يركز على ربح المناقشة ليس إلا:

عندما أستمع إلى اثنين يتحاوران ألاحظ أن كل واحد منهما يبدأ هادئا ثم يتحمس قليلا قليلا، ثم يستخدم صوتا مرتفعا ونبرة غاضبة ثم يتفوه بألفاظ خارجه دون اعتبار لكرامة من أمامه وبعد ذلك نصل إلى التشابك بالأيادى، وفى النهاية تنتهى المناقشة بأن يخسر الواحد صداقة الآخر، وهنا نجد أن الأولوية عند المتحاورين هى ربح المعركة حتى لو قتل المنافس معنويا أو ماديا، ومن الكوارث التى أصابت حواراتنا فى السنين الأخيرة استخدام الحذاء كمادة للحوار.

لأجل كل هذه الأسباب وغيرها نحن نعانى كأفراد ــ وكجماعة ــ من افتقاد الأساسيات البسيطة لآداب الحوار، لذلك أقول إنه من الصعب أن نصل من خلال الحوار إلى كلمة سواء، ونحن كشعب مصر نحتاج أن نتدرب على الحوار، لا أن نتعلم مبادئه، لأننا كلنا نعرف مبادئه ونتشدق بها، لكننا عند أول اختبار نكتشف أننا غير قادرين على التعامل به، وفاقد الشىء لا يعطيه، لذلك لا تقولوا دعوة للحوار بل قولوا دعوة لتكسير العظام، فى انتظار ديكتاتور جديد.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات