انعكاسات الوضع الليبى على تونس - امال قرامى - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 7:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انعكاسات الوضع الليبى على تونس

نشر فى : الثلاثاء 26 مايو 2015 - 9:35 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 26 مايو 2015 - 9:35 ص

كيف يمكن للحكومة التونسيّة أن تتعامل مع سلطتين فى ليبيا: الأولى معترف بها دوليا (الحكومة المؤقتة بطبرق) والثانية غير معترف بها دوليّا (فجر ليبيا) ولتونس مصالح معها؟. وفى ظلّ غياب الدولة، وبروز الميليشيات المسلّحة التى تتحكّم فى البترول، وتهرّب السلاح، وتتاجر بمختلف السلع تغدو الجالية التونسيّة مستهدفة. فبعد اختطاف موظّفين فى القنصلية، وصحفيين

(سفيان الشورابى ونذير القطارى) تمّ احتجاز مائة تونسى أخيرا فى محاولة للضغط على السلطة التونسيّة التى ألقت القبض على إرهابى ليبى.

•••

تتوالى التصريحات من هنا وهناك. فمسئول ليبى يتهجّم على السلطة التونسية، ويهدّد بالاعتراف بـ«دولة الشعانبى» حيث الجماعات الإرهابيّة، وينتقد رئيس الجمهورية، ويهدّد بنسف المعابر فى مقابل وزير الخارجية «البكوش» الذى يشير إلى تعقّد الوضع فى ليبيا، والصعوبات التى تعترض الدبلوماسية التونسية، ويعترف بالبطء فى معالجة الملفات. وبين هذا وذاك تبرز

مخاوف لدى عائلات التونسيين المهاجرين إلى ليبيا بحثا عن سدّ الرمق من انطلاق حملات انتقامية، وهو أمر متوقّع إذ لطالما عاش التونسيون على وقع تأديب العمال التونسيين، والتشفى منهم بعد كلّ أزمة سياسية مع ليبيا تحت حكم القذافى. أمّا الجالية الليبية المقيمة فى تونس فإنّها تخشى هى أيضا سوء المعاملة وحدوث احتقان اجتماعى يهدّد بنسف علاقات الأخوّة

والتضامن التى ترسخت أثناء ثورة فبراير.

•••

تكشف هذه الأزمة مع «حكّام ليبيا الجدد» عن مجموعة من الحقائق منها: أنّ الدبلوماسية التونسية لم تكن معتادة على معالجة مثل هذه الملّفات المعقّدة، والتعامل مع جهات غير رسمية، وخاصة الميليشيات، ومعنى هذا أنّها بصدد التدرّب على طرق التفاعل مع أوضاع لا تمت بصلة إلى مقومات التعامل مع الدول المستقرّة. وبناء على ذلك فقد تنجح السياسة الخارجية فى

حالات، وقد تسىء الوزارة التقدير فى حالات أخرى. ثمّ إنّ الضغوط التى تمارسها مختلف وسائل الإعلام على الحكومة ممثلة فى وزير الخارجية للكشف عن الحقيقة، وتقديم المعلومة، تتضارب فى كثير من الحالات، مع ما يستدعيه الموقف من حذر، وتحفّظ، وعمل فى صمت... وبين الانتشاء بمناخ حرية التعبير وضرورات العمل الدبلوماسى مع مناطق النزاع يزداد الأمر

تعقّدا. ويضاف إلى ذلك تفشى الإرهاب هنا وهناك فمن التونسيين فئة شدّت الرحال إلى ليبيا وانضمت إلى معسكرات التدريب، وأعلنت ولاءها لداعش، وصارت تنسّق مع الإخوة فى تونس، ممّا يوحى بتصفية حسابات بين التونسيين فيما بينهم بين شقّ يعتبر نفسه ممثل الإسلام الحقيقى فى مقابل «المرتدين» الراضين بقيام نظام غير إسلامى. فلا غرابة، والحال هذه أن

يتحول التونسيون فى ليبيا إلى «الإخوة الأعداء» يحسمون حروبهم الأيديولوجيّة فى ليبيا.

•••

وعلاوة على ما سبق تُبين هذه الأزمة مع ليبيا إلى غياب نظرة استشرافية لدى الحكومة تجعلها قادرة على اتخاذ إجراءات عملية استباقية. فهل أنّ الدبلوماسية التونسيّة مؤهلة للتعامل مع حالات يحوّل فيها التونسيون إلى رهائن بيد ميليشيات مسلحة تطلب المقايضة؟ وهل بإمكانها أن تصوغ سياسة للتعامل مع التونسيين الدواعش الراجعين إلى البلاد؟

تطمح الدبلوماسية التونسية إلى النهوض بدور هامّ فى المصالحة بين الليبيين علّها تخرج من هذا المأزق ولكن أنّى لها أن تضطلع بهذا الدور، والحال أنّ ما يتسم به الوضع فى ليبيا لا يبشّر بخير: توحش، وتشرذم، وصراع من أجل الاستحواذ على السلطة، وجرى وراء المصالح الشخصية... فكيف السبيل إلى عقلنة مواقف القوم وهم يمزقون ليبيا أشلاء؟

وعلى الواجهة الأخرى يُنتقد وزير الخارجية، ويطالبه خصومه بالاستقالة لأنه فشل حسب رأيهم فى الدفاع عن مصالح التونسيين وحفظ كرامتهم وصياغة سياسة تعيد إلى تونس مجدها وتؤكد سيادتها وتميزها. ولكن هل بإمكان أى وزير حديث العهد بمثل هذه المسئوليات أن ينجح منذ الأشهر الأولى من تسلم مهامه فى إدارة كل هذه الأزمات؟

التعليقات