إعلانات التبرعات تنمية أم انسحاب للدولة؟ - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إعلانات التبرعات تنمية أم انسحاب للدولة؟

نشر فى : الجمعة 26 يونيو 2015 - 11:10 ص | آخر تحديث : الجمعة 26 يونيو 2015 - 11:10 ص

لا تمر دقيقة واحدة فى شهر رمضان فى الإعلام المصرى دون أن يطاردك محتوى إعلان يدعوك للتبرع من أجل كذا وكذا، أنت فى مصر مدعو للتبرع من أجل معالجة السرطان ومن أجل معالجة فيروس سى، الذى يشكل مشكلة قومية تمس أكثر من 10 ملايين مواطن، وأنت مدعو للتبرع لبناء عمارات سكنية لسكان العشوائيات، وأنت مدعو للتبرع من أجل إدخال مياه الشرب للقرى التى لا تصلها المياه النظيفة وأنت مدعو للتبرع من أجل عمل شبكة صرف صحى فى المناطق التى لا يوجد بها حتى الآن شبكات الصرف الصحى وأنت مدعو للتبرع بالطبع من أجل توفير طعام للفقراء المعدمين، وأنت مدعو للتبرع لإنقاذ الغارمين، والغارمات من أصحاب الديون التى ألقت بهم فى السجون لينالوا حريتهم.

***

لا شك أن التصدق بالمال فى أعمال الخير فضيلة يثاب المرء عليها، وكل الشكر والتقدير لكل صاحب مبادرة يدعو الناس فيها لعمل مفيد يعود بالخير على المجتمع ولكن إذا دققنا النظر فيما يحدث فى مصر خلال شهر رمضان على وجه الخصوص سنجد الآتى:

أولاً: استغلال للأطفال خاصة المرضى والأيتام وكذلك الفقراء بشكل عام فى المحتوى الإعلانى، الذى يصل أحيانا إلى درجة مذهلة من الابتذال تحت دعوى تحفيز الناس للتبرع دون مراعاة لنفسية هؤلاء الأطفال أو حتى مراعاة مشاعر الأطفال والكبار، الذين يشاهدون هذا المحتوى الذى يمعن فى تقديم صورة بائسة بأن الحياة ستنتهى، وأنك ستكون شريكا فى قتل أرواح بريئة إذا لم تقم على الفور بالتبرع، وهذا ليس له علاقة لا بأخلاقيات العمل الإعلانى ولا معايير المنطق والواقع. فهناك على سبيل المثال آلاف الأطفال، الذين يموتون سنويا بسبب غياب الرعاية الصحية للأم الحامل والأطفال حديثى الولادة ومصر من أعلى الدول التى تسجل معدلات مرتفعة فى ذلك، ولا أحد يخرج للتباكى على هؤلاء أو يحمل الدولة مسئوليتها أو حتى يتحدث عن بناء منظومة صحية متكاملة تعالج هذا الخلل بل وصل التدنى إلى عرض لقطات لأطفال مرضى يبكون ويعلق المعلن قائلاً: (دول عشرين طفلاً محتاجين20 عملية لإنقاذهم من الموت اتبرع بسرعة عشان تنقذ حياتهم) ما الفارق بين هذا الأسلوب وبين من يقومون بتسويق منتجات ويقولون لمتابع الإعلان (الحق العرض قبل نفاد الكمية).

ثانيا: استمرار انسحاب الدولة واعتمادها على المجتمع الأهلى والمؤسسات الخيرية التى يقوم بعضها الآن بأدوار متضخمة تقترب من أدوار الحكومات، ورغم أن المجتمع المدنى خاصة التنموى يجب أن يشارك فى سد الفجوات وملء المساحات التى لا تملأها الدولة فإنه ليس معقولا أن تنسحب الدولة من مجال الخدمات وتتخلى عن مسئولياتها وتستمتع بتدشين مهرجانات جمع الأموال من المواطنين فى شهر رمضان واستغلال عاطفتهم الدينية ليستمر عجز الدولة، ويستمر تقديم المسكنات للشعب دون حلول جذرية للمشاكل البنيوية مثل الإسكان والعشوائيات وملف الصحة ومياه الشرب وغيرها.

ثالثا: يقدر البعض بأن مبالغ الزكاة التى يدفعها المصريون سنويا تزيد على عشرة مليارات جنيه – رقم يحتاج لتأكيد ــ فأين تذهب هذه الأموال ولماذا لا يكون هناك برنامج واضح وذو مصداقية وخطة منهجية معلنة للناس تدعوهم لتركيز زكاتهم كصدقة جارية فى مشاريع خدمية كبرى تغير من وجه الحياة فى مصر بحيث تتبنى الدولة كل عام مشروعا قوميا حقيقيا تطلب فيه شراكة المواطنين، على سبيل المثال إذا رفعنا شعارا لرمضان 2016 بأنه عام تطوير قطاع الصحة وعددنا للناس مسارات المشاركة المطلوبة وحدث إنجاز حقيقى لمسه الناس فى حياتهم وحياة من حولهم ثم وضعنا شعارا وخطة للعام التالى لتطوير شبكات الصرف الصحى مثلاً أو قطاع النقل أو التعليم، كيف سيكون وجه الحياة فى مصر على هذا النحو.. وأليس هذا أفضل للناس لأنه يتعامل مع جذور المشكلات وليس أعراضها؟

رابعا: غياب آليات المتابعة ومراجعة عمليات جمع التبرعات ووجوه الإنفاق بشكل دقيق يفتح الباب لوجوه مختلفة من الفساد فهل نمتلك منظومة المراجعة التى تضمن للناس أن ما يدفعونه يذهب للمسار الصحيح، ولا يتم توظيفه طبقا لأهواء شخصية أو محاباة للسلطة المركزية أو السلطات المحلية؟

خامسا: هناك مئات الجمعيات الصغيرة والمتوسطة التى تقوم بأدوار مهمة فى خدمة مجتمعها المحلى المحدود والذى لا تصل إليه جهود الجمعيات الكبرى (التى صارت تشبه الشركات العملاقة متعددة الجنسيات) والتى تمتلك المال الذى يمكنها من عمل إعلانات باهظة الثمن، لماذا لا يبادر الإعلام بتسليط الضوء على هؤلاء ومساعدة الناس للوصول إليهم ودعم مجهوداتهم. يكفى أن نعرف أن هناك عشرات الجمعيات بالصعيد لا تجد موارد مالية لدفع إيجارات مقارها ووجود هذه الجمعيات بشبكاتها الجغرافية النوعية مهم للغاية فى تطوير مناطق منسية بالصعيد وغيره من المناطق التى تفتقر لأبسط الاحتياجات.

***

أخيرا نحن مع كل جهد يغير حياة الناس للأفضل لكن تحقيق الاتزان بين دور الدولة ودور المجتمع المدنى أمر شديد الأهمية، وترك الدولة تنسحب من مجالات مسئوليتها أمر شديد الخطورة وذو تداعيات كارثية مستقبلاً. نحن ننشد الاتزان ونهفو لرؤية خطط تنموية جذرية تعالج أصل المرض لا الأعراض فقط، ومهما كانت نوايانا حسنة ونحن ندعو الناس للتبرع والمساهمة فلنحترم آدمية الفقراء والأطفال ولا نسحقها تحت إغواء الجذب الإعلامى ورفع معدلات التبرع.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات