قانون الانتخابات الجديد .. والفرصة الضائعة - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قانون الانتخابات الجديد .. والفرصة الضائعة

نشر فى : الثلاثاء 26 يوليه 2011 - 8:15 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 26 يوليه 2011 - 8:15 ص
أعترف أننى ممن قبلوا على مضض أن تجرى الانتخابات أولا ثم الدستور ثانيا، برغم عدم اقتناعى بصحة هذا الترتيب، ولكننى قبلته احتراما لنتيجة الاستفتاء، ولاقتناعى بأن كل ما يقرب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية ويختصر المرحلة الانتقالية التى نمر بها، يقربنا من بر الأمان.

وقد أكدت أحداث العباسية ألا أمل فى الخروج من الاضطراب الذى تعيشه البلاد سوى بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية فى أقرب وقت ممكن، واختيار حكومة تعبر عن إرادة الشعب وتملك الصلاحيات اللازمة لاتخاذ القرار. نتيجة هذه الانتخابات لا تهم مادامت تعبر بصدق وأمانة عما يرتضيه الشعب. لذلك، فعلينا واجب تنحية المناورات والحسابات السياسية جانبا لكى تتحقق المصلحة العامة فى إجراء انتخابات نزيهة وسريعة.

ولكن للأسف، إن القانون الذى صدر منذ أيام قليلة لتنظيم الانتخابات جاء مخيبا للتوقعات، واستمراره على هذا النحو يضيع فرصة لفتح باب جديد لتنظيم الانتخابات فى مصر على أسس أكثر نزاهة وعدالة. واعتراضى عليه للأسباب الآتية:

أولا ــ بدلا من أن يختار القانون بين نظامى الانتخاب بالقائمة والانتخاب الفردى، أخذ بنظام مختلط (نصف قائمة ونصف فردى)، وهو فى تقديرى أسوأ البدائل. نظام القائمة يشجع العمل الحزبى، ويؤدى إلى تمثيل نسبى متكافئ، وعدم ضياع أصوات الأقلية، ولكن يعيبه أن الأحزاب ليست مستعدة له بعد.

والنظام الفردى يعتمد على شخصية المرشح وعزوته ومعرفة الدائرة له، ولكنه يأتى على حساب عملية بناء الأحزاب. لكل من النظامين إذن عيوبه ومزاياه. أما النظام المختلط فلا يحقق هذا ولا ذاك، ويفتح باب المساومة بين المرشحين وأحزابهم، ويجعل الدوائر الفردية أكبر من أن تعتمد على العامل الفردى، كما يجعل القوائم أصغر من أن تؤدى إلى تنافس حزبى حقيقى.

النتيجة أنه خليط يحمل كل عيوب حلول الوسط فى موضوع لا يحتمل ذلك، ولذلك أكرر أنه أسوأ البدائل، ولا يحقق أى ميزة سوى الوقوف فى منتصف الطريق.
ثانيا ــ إن نص الإعلان الدستورى بألا يقل تمثيل العمال والفلاحين عن خمسين فى المائة من أعضاء البرلمان كان محل جدل، لأنه لم يرد فى الاستفتاء، وبالتالى لم تكن له مرجعية سوى نظام قديم كانت له مساوئ عديدة. ومع ذلك، فوجوده فى الإعلان الدستورى يجعله ملزما فى الوقت الحالى.

ولكن الغريب أن قانون الانتخابات قد جاء بحكم إضافى غير مطلوب على الإطلاق، وهو الإلزام بأن يتصدر كل قائمة انتخابية مرشح من العمال أو الفلاحين، الأمر الذى يجعل تمثيل الفئات فى النتيجة النهائية لابد وأن يقل كثيرا عن النصف، وبالتالى فإن القانون ينحاز ضد الفئات بلا سبب. هذا عيب كبير فى القانون، ولو كان الغرض منه ضمان ألا يقل تمثيل العمال والفلاحين عن النصف لأمكن تحقيق ذلك بوسائل أخرى دون المبالغة فى الانحياز ضد الفئات ودون التدخل فى قرار كل حزب فى ترتيب قوائمه. الحزب الذى يجد مصلحته فى أن يكون على رأس قائمته مرشح من الفلاحين أو العمال لن يتردد فى القيام بذلك. ولكن الإلزام بأن يكون رأس القائمة عاملا أو فلاحا حتى فى دوائر ليست لا عمالية ولا ريفية أمر غير مفهوم على الإطلاق ولا يحقق سوى استمرار سيطرة العائلات والعصبيات والتكتلات النقابية القديمة والمشبوهة على الانتخابات المقبلة.

ثالثا ــ لم يتعرض القانون ــ برغم مطالبة المجتمع والقوى السياسية ــ لتنظيم التمويل مع كل ما فى ذلك من خطورة، بأن تعود الرشوة للسيطرة على الانتخابات، وتعود معها ظواهر قبيحة مثل شراء الأصوات وتجميعها بواسطة مقاولين متخصصين. ولا يوجد بلد فى العالم لديه نظام انتخابى حديث دون ضوابط صارمة بشأن تمويل الانتخابات. نحن كمن يحاول تنظيم المرور فى الطرق السريعة، فيضع علامات وإشارات، ولكنه لا يحدد قواعد القيادة ولا السرعة القصوى التى يحظر تجاوزها. كذلك لا توجد انتخابات نزيهة إذا ترك التمويل بلا ضوابط وبلا إفصاح وبلا حد أقصى. ومن حق المواطن يوم الإدلاء بصوته أن يعرف على الأقل من الذى يمول المرشح الذى يختاره ولمن قدم وعودا ولمن يكون ولاؤه بعد الفوز.

رابعا ــ لم ينظم القانون حق المصريين فى الخارج فى الإدلاء بأصواتهم، مستمرا بذلك فى نهج النظام المعمول به من قبل، ومهدرا أصوات الملايين من المصريين ممن لهم الحق فى المشاركة فى صنع مستقبل بلادهم. فإذا كان المانع فنيا أو تقنيا أو عمليا، فلا بأس من توضيح ذلك. ولكن أن يهمل القانون حق المصرى والمصرية فى الخارج فى التصويت من حيث المبدأ، فهذا هو الأمر غير المفهوم.

خامسا ــ القانون جاء ليزيد الغموض بدلا من أن يزيله. فلا تاريخ الانتخابات تم حسمه، ولا الدوائر تحددت، ولا المراحل التى يتم عليها الانتخاب تم توضيحها.

هذه أمور يجب ألا تكون سرية فى مجتمع يسعى لانتخابات نزيهة وأمينة، بل الغموض هو ما يجعلها عرضة للتلاعب والشائعات. الناس لن يهدأ بالها، كما أن الشعور بقرب انتهاء المرحلة الانتقالية لن يتحقق إلا متى تم الإعلان عن موعد واضح وقاطع لإجراء الانتخابات وعن كل تفاصيلها.

هذه ملاحظات تم تداولها بين مختلف المعلقين والأحزاب والتيارات خلال الأسابيع الماضية، ولكن للأسف لم تجد صدى فى القانون الجديد، برغم أنها ليست ملاحظات تصب فى مصلحة تيار دون الآخر، ولا تعبر عن أى انحياز فكرى أو عقائدى، بل تعبر عن مصلحة الوطن فى أن تجرى به انتخابات برلمانية حرة ونزيهة ومعبرة عن اختيارات الناس بشكل سليم. لذلك أرجو ألا يكون الوقت قد فات، وألا يكون للحفاظ على ماء الوجه اعتبار أكبر من تحقيق الصالح العام، وألا يتحول الموقف من قانون الانتخابات إلى اختبار للقوى السياسية ولشعبيتها.

الموضوع أبسط من ذلك، لأنه يتعلق بتعديلات ضرورية ومحددة فى القانون، وهو أيضا أخطر من ذلك، لأنه يتعلق بمستقبل البلاد، ومصداقية أهم برلمان يتم انتخابه. فلا تتركوا الفرصة تضيع فى أن نتعاون معا ونجتهد، وأن نضع الخلافات الحزبية جانبا فى سبيل أن يصدر القانون سليما ومحققا للغرض منه. مصر تستحق قانونا للانتخابات، ونظاما انتخابيا أفضل من ذلك بكثير.
زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.