ابن حلال - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ابن حلال

نشر فى : السبت 26 يوليه 2014 - 8:10 ص | آخر تحديث : السبت 26 يوليه 2014 - 8:10 ص

إنسان طيب، بسيط، يدخل ببراءة، إلى معترك الحياة. يتعرض لعاصفة من الظلم، تهز كيانه. تحوله من حال لحال، يغدو شرسا، تظهر له مخالب وأنياب، يبدأ مشواره القاسى للثأر من الجميع.

هذه واحدة من أهم الأفكار، الناجحة المفعول، التى تدور حولها الأعمال الأدبية والفنية، تتوافر عند مرجعنا الثمين، نجيب محفوظ، وفى أفلام عمنا صلاح أبوسيف. لكن الفكرة، فى حد ذاتها، لا تعنى تحيزا مضمونا، فثمة شروط لابد من توافرها، كى يصبح العمل مقبولا ومؤثرا.. وهى عوامل يتوافر الكثير منها فى هذا المسلسل، مما جعله الأكثر شعبية، برغم عناصر ومناطق الضعف التى يعانى منها.

«ابن حلال»، يعتمد على بطل واحد، يأتى بمثابة العمود الفقرى للعمل، ينظمه من بدايته لنهايته، شخصيته التى حدد معالمها، بمهارة، الكاتب حسان دهشان، وجدت من يجسدها بكفاءة حين اسندت للنجم الصاعد، بقوة، محمد رمضان، الذى قدم من قبل، فى أفلامه، أدوارا مشابهة، لكن فى هذه المرة، تمتد المساحة الزمنية لثلاثين حلقة، أتاحت له فرصة التعبير عن عشرات الانفعالات المتغيرة، وهو فى هذا، مع مخرجه إبراهيم فخر، يحافظ على طباعه الجوهرية، الموروثة من ناحية، والمكتسبة من بيئته الصعيدية من ناحية أخرى. والدته، القادمة معه من الجنوب الفقير، عفاف، بأداء تقليدى من هالة فاخر، تتسم بالصلابة، والقدرة على الاحتمال، والعيش فى أشد الظروف عنتا. هو، مثلها، على قدر كبير من الأمانة، والاستقامة الشخصية، مع قلة الحيلة، والشهامة التى قد تبلغ حد التهور، بالإضافة لانعدام الخبرة بالأخلاقيات الوحشية للمدينة، سواء ببلطجية الشوارع، أو بالعتاة، ذوى الأسماء البراقة، الكبار، أصحاب الجاه والنفوذ.

محمد رمضان، يستوعب «حبيشة» تماما، يتحدث، من دون مغالاة، بلهجة صعيدية، تزداد محليتها حين يتوتر.. وجهه النحيل، الأسمر، بتقاطيعه الغليظة، المتسقة، وصوته، الواضح النبرات، وتفهمه، العفوى والواعى، للمواقف المتباينة، العاصفة، كلها أمور ساعدته فى تجسيد ذلك الشاب الذى سحقته الافتراءات.

«حبيشة»، الهارب من ضيق الرزق فى الجنوب، مع والدته وشقيقه، يسكن فى حارة فقيرة، يرصد المسلسل ملامحها البشرية، فيوفق تارة، ويخفق أخرى.. العلاقة بين والدة بطلنا وجارتها القبطية «إيفون» تتسم بشفافية رقيقة، صادقة.. ثمة الأستاذ رشدى «محمود الجندى»، البخيل، الأنانى، الانتهازى، الذى طرد ابنه ودفع زوجته للانتخار، وباع ابنته لأحد الأثرياء، وانتهز فرصة غياب «حبيشة» ليقترن بشقيقته. انه يثبت أن انحطاط الأخلاق والسلوك، يمتد لبعض ساكنى الحارات الفقيرة، وليس حكرا على السادة فقط.. لكن المسلسل يقع فى هوة التنميط الجاهز، عندما يقدم، بلا ضرورة، بهلول الحارة، بحركته العصبية المزعجة، التى تقترب من الدمامة.. أو حين يطالعنا، مرارا، أحد شذاذ الآفاق ــ اسمه صرصار ــ يكاد يقول فى كل لقطة «أنا شرير ومجرم».

فى المقابل، يتسلل المسلسل إلى العالم الناعم، لا ينعته كله بأسوأ الصفات، لكن يفرز بين الصالح، وهم قلة: الصحفية والضابط.. فى المقابل، هناك الطالح، وهم الأوسع نفوذا والأشد فاعلية، على رأسهم، الوزير المبجل، طويل القامة، الهادئ، الموغل فى الفساد، بأداء ناعم من أحمد فؤاد سليم، ومدير مكتبه، مخلبه، مسئول الأعمال القذرة، الذى يتولى تنسيق إلصاق تهمه القتل بـ«حبيشة» بدلا من ابن الوزير.. جدير بالذكر ان الممثل الجديد، حسان دهشان، يضفى لمسات ابداعية على دوره، فأحيانا، بنظرة عين مستترة، تلمح فيها كراهية للوزير، ولى نعمته.. وفى نظرة أخرى، يبدو وكأنه يحتقر نفسه.

مسار السيناريو، وأحداثه، تتشابه مع واقعة مقتل ابنة المطربة ليلى غفران وصديقتها ندين خالد، التى هزت الضمائر منذ أكثر من خمسة أعوام. بعد تسكع القضية فى قذاعات المحاكم، نفذ الإعدام فيمن قيل إنه القاتل، محمود سيد عبدالحفيظ عبساوى.. جاء المسلسل أخيرا، ومع كل حلقة، يكتب فى مقدمتها أن الشخصيات، والوقائع، كلها، من الخيال، ولا علاقة لها بأى أحداث شبيهة.. وبرغم انكار المسلسل لأى تشابه مع ما جرى.. وبرغم ما آلت له القضية، واقعيا.. فإن الناس، وأنا منهم، صدقوا ما جاء فى «ابن حلال»، أيا كانت أسطوريته، ولم يقتعوا بالرواية الرسمية.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات