سلوكيات اللسان.. 27ــ محاسن القول - جمال قطب - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 3:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سلوكيات اللسان.. 27ــ محاسن القول

نشر فى : السبت 26 يوليه 2014 - 8:40 ص | آخر تحديث : السبت 26 يوليه 2014 - 8:40 ص

مادام الشرع يحذرنا من جناية اللسان على صاحبه، كما بين الشرع أبرز سلبيات القول ــ كما جمعناها بالأمس ــ فلابد للشرع من بيان «محاسن القول» التى تضمن لصاحبها النجاة من الخطأ، كما تضمن له السلامة فى الدنيا والفوز فى الآخرة.

وقد نص القرآن الكريم على أكثر من «عشرة محاسن» لا يخرج الكلام عنها وأن يتحلى بها، وأبرز هذه المحاسن تجدها فى «القول المعروف»، فلابد للقول أن يكون معروفا متعارفا عليه مرغوبا فيه بين الناس، لا يؤذى أحدا سواء من وجه إليه القول أو من سمعه. فالمسلم مكلف ألا يؤذى مسامع الناس مباشرة أو غير مباشرة. فليكن قولنا معروفا مطلوبا يهدى للخير، وقد اعتبر القرآن الكريم مجرد «القول المعروف» أفضل عند الله من فعل خير يشوبه الأذى، فقال تعالى: (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) حتى مع السائل والمحروم فإن القول المعروف دون عطاء أفضل من العطاء المصحوب بسيئ الكلام والأذى، وقد كرر القرآن لفظ «المعروف» قرابة 32 مرة. وثانى الضوابط هو سداد القول أو «القول السديد». وقد تكرر هذا الضابط فى القرآن مرتين مصحوبا فى المرتين بالأمر بالتقوى مثل قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)، والقول السديد هو القول المحدد على القدر المطلوب مثل (سدادة الزجاجة) تكون على قدر فم الزجاجة فتحكم غلقها. ويجب أن نتفكر فى هذا التشبيه الذى الذى جعل الكلام المنضبط مثل سدادة الزجاجة، فالسدادة تحكم إغلاق الزجاجة، فليكن قولنا سديدا ينهى الحوار بإحكام وبقليل من الكلام.

-2-

وثالث الضوابط هو الـ«قول الحق»، والحق هو مطابقة الواقع دون زيادة أو نقص فينبغى لمن أراد الكلام أن يتحرى الحق المؤكد فلا ينطق دون تدقيق. به ينقل الإثم ويتبعه بعبارة«والعهدة على الراوى»، ويظن أنه قد تخلص من مسئولية الكلام. والحق أنه مسئول عن كل ما نقله دون تحقيق. ولا ننسى أن الله قد سمى نفسه «الحق» ووصف ذاته بأنه «الحق المبين» أى الحق الواضح الذى لا يحتاج إلى شرح وتفسير. فإذا وصف الله القول بأنه «قول الحق» فلابد من تحرى توافق القول مع الواقع الحادث، كما يجب أن يكون «قول الحق» نافعا فى الموضوع المطروح.

ورابع الضوابط أن يكون «قولا طيبا» والطيب هو الأكل الذى نضج وأصبح شهيا يطعمه الناس فيتلذذون به، فالقول الطيب هو الكلمات المختارة بعناية حتى يحبها السامع ويقبل عليها ويتفاعل معها، ولهذا تجد القرآن كثيرا ما يقارن بين الطيب والخبيث مثل قوله تعالى: (..لَا يَسْتَوِى الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ..) كما يقول (..وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ..)، كما أشار إلى الكلام النافع بقوله (..وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ..)، كما أوضح فقال: (..إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ..). والعمل الصالح يرفعه وضرب مثلا فقال (مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ * تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا..). هكذا فالكلمة الطيبة مثل النخلة ثابتة عالية دائمة حلوة المذاق وجميلة المنظر. ولا تنسى أن النخلة قد شغلت وجدان شاعر حكيم فعبر قائلا:

كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا يلقى بحجر فيلقى بأطيب الثمر

فليكن ردك على الأحجار والكلام الخبيث بالكلمة الطيبة مثل النخل.

ومن ارتفاع النخلة وثباتها نتذكر «خامس الضوابط، وهو «القول الثابت» والمقصود بالقول الثابت القائم على الحقيقة الكاملة فيبقى القول ثابتا لا يتأرجح، ولا يسبب ارتباكا واعتذارا، ولا يجلب ندما، وقد قال القرآن: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الْآخِرَةِ) أى أن كلام المؤمن يتحلى بالصدق والثبات والنفع فيفيض على صاحبه ثباتا فى الحياة ويضمن له استقرارا فى الجنة.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات