حرب التسع سنوات على الإرهاب - محمد السماك - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 5:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حرب التسع سنوات على الإرهاب

نشر فى : الأحد 26 سبتمبر 2010 - 9:42 ص | آخر تحديث : الأحد 26 سبتمبر 2010 - 9:42 ص

 فى الذكرى التاسعة للعملية الإرهابية التى استهدفت مركز التجارة العالمى فى نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية فى واشنطن ترتفع علامة استفهام كبيرة حول الدروس التى خرجت منها كل من الولايات المتحدة من جهة، والعالم الإسلامى من جهة ثانية.

بالنسبة للولايات المتحدة، يبدو أنها حققت أربع خسارات فادحة على أربع جبهات: الجبهة الأولى هى العراق. فقد أدت الحرب على العراق التى أطلقت شرارتها عملية 9/11/2001، إلى مقتل 4400 جندى أمريكى، والى إصابة 32 ألف جندى آخر بجراح، وكلفت الحرب الخزانة الأمريكية 750 مليار دولار. كما أدت الحرب إلى مقتل نحو المليون عراقى والى تهجير أكثر من خمسة ملايين آخرين والى تمزيق وحدة العراق وتسهيل الهيمنة الإيرانية عليه.

شنت الولايات المتحدة الحرب على العراق رغم معارضة الأمم المتحدة، ورغم ثبوت عدم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل. فخسرت إدارة الرئيس بوش احترام المجتمع العالمى. بل إنها خسرت قبل ذلك احترام المجتمع الأمريكى نفسه. وقد تكرس ذلك فى فوز الرئيس باراك أوباما وهو أول أمريكى من أصل أفريقى، بالرئاسة على حساب مرشح الحزب الجمهورى الذى يدعمه الرئيس بوش وإدارته.

الجبهة الثانية هى أفغانستان. فرغم مرور تسع سنوات على الاجتياح العسكرى، فإن الولايات المتحدة لم تقض على حركة الطالبان، بل إن الحركة ازدادت قوة باعتراف القيادة العسكرية الأمريكية وقيادة حلف شمال الأطلسى معا. وبدلا من اقتلاعها كما كان هدف الاجتياح، فإن الإدارة الأمريكية تتفاوض معها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ماء الوجه الأمريكى.

كذلك لم تتمكن الولايات المتحدة بكل قواها العسكرية، وبكل أجهزة مخابراتها أن تعتقل بن لادن الذى اعترف بأنه وراء عملية سبتمبر 2001. وهى حتى الآن لم تعثر له على أثر. وبالنتيجة فإن الولايات المتحدة لم تعد تتطلع إلى انتصار فى أفغانستان. ولكنها تتطلع إلى انسحاب غير مذل كما فعلت فى العراق.

الجبهة الثالثة هى الولايات المتحدة ذاتها. ففى عهد الرئيس السابق جورج بوش وضعت قوانين جديدة قامت على أساس اعتبار الأولوية للأمن على الحقوق المدنية. فخسر المجتمع الأمريكى كثيرا من حريته وأصبح كل مواطن يخضع للمراقبة من حيث لا يدرى فى الشوارع والساحات العامة والمبانى الحكومية وحتى المسارح والملاهى، ويخضع للتصوير الفوتوغرافى السرى أكثر من عشر مرات فى اليوم الواحد.

ولم يتوقف هذا التراجع عن مبادئ الحرية التى قامت عليها الولايات المتحدة، بل تعداه إلى الترويج لثقافة الكراهية بدلا من ثقافة احترام الاختلاف والتنوع. ولعل آخر مؤشر على ذلك، معارضة بناء مسجد ومركز ثقافى إسلامى فى مانهاتن نيويورك فى مكان لا يبعد كثيرا عن مركز التجارة العالمى الذى استهدفته العملية الإرهابية قبل تسع سنوات. كما تؤشر إليه أيضا دعوة إحدى الكنائس الإنجيلية فى فلوريدا «كنيسة دوف» إلى حرق القرآن الكريم لمناسبة ذكرى تلك العملية التى أدانها العالم الإسلامى فى حينه، ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم.

أما الجبهة الرابعة فهى الحرب على الإرهاب التى أعلنها الرئيس جورج بوش. ولعل أسوأ وأخطر نتيجة لتلك الحرب هى خسارة الولايات المتحدة لها. وكان ذلك أمرا حتميا بحكم المنطق الذى اعتمدته بتوجيه من المحافظين الجدد والحركة الصهيونية المسيحانية معا.

فقد ربطت إدارة الرئيس بوش الإرهاب بالإسلام. فبدت الحرب على الإرهاب وكأنها حرب على الإسلام (احتلال كل من أفغانستان والعراق والتهديد بضرب إيران). وكشفت زلة لسان الرئيس بوش عن حقيقة هذا الأمر عندما استخدم عبارة «الحرب الصليبية الجديدة» فى إشارته إلى الحرب على العراق.

لقد فرض منطق خسارة هذه الحرب منطقا آخر مارسته الإدارة الأمريكية السابقة حتى الثمالة، وهو التعاون مع إسرائيل من جهة أولى على أنها شريك فى الحرب على الإرهاب ومن جهة ثانية التعامل مع الدول العربية (وحتى الإسلامية) وكأنها تقع فى مرمى أهداف هذه الحرب.

لم يكن أحد فى العالم، وفى العالمين العربى والإسلامى تحديدا، يريد أن يرى الإرهاب فى حالة استقواء واتساع، ذلك لأنه عدو للإنسانية كلها. ولكن أحدا لم يكن يريد للولايات المتحدة أن تنتصر فى هذه الحرب وفق مواصفاتها لها، وعلى ضوء أهدافها منها. وقد زاد ذلك من الاستياء العالمى من الإدارة الأمريكية السابقة، كما عمّق من الاستياء الوطنى الأمريكى من هذه الإدارة حتى سجلت شعبية الرئيس جورج بوش أدنى مستوى لأى رئيس أمريكى فى التاريخ ( أقل من 30 بالمائة).

أما العالم الإسلامى فلعل أهم خسارة مُنى بها هى عدم نجاحه فى التصدى لحملة تشويه الإسلام التى أطلقتها عملية 11 سبتمبر 2001. فمنذ تسع سنوات والحملة تتضخم مثل كرة الثلج. صحيح أن القمة الإسلامية التى عُقدت فى ماليزيا أقرت توصية بتكليف لجنة من الحكماء بوضع برنامج عمل لبلورة خطاب إسلامى جديد للعالم، وصحيح أن هذه اللجنة اجتمعت فى إسلام آباد ووضعت التصور المقترح لهذا البرنامج، إلا أن ذلك بقى مجرد حبر على ورق. لقد كان من المفترض أن تنطلق بعثات إسلامية إلى دول العالم تضم خبراء ومثقفين تربويين وإعلاميين محترفين ودعاة منفتحين تزور الجامعات والكنائس والأندية الثقافية والمؤسسات الإعلامية والبرلمانات والجمعيات الأهلية. إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث. فأدى الغياب الإسلامى، مع التوظيف الصهيونى للأعمال الإرهابية التى ارتكبت باسم الإسلام، إلى انفجار مشاعر الكراهية ضد المسلمين والمتمثلة بما يُعرف بالاسلاموفوبيا.

طرأ أمران إيجابيان على هذه المعادلة. تمثّل الأمر الأول بانتخاب الرئيس باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة. وبدا البعد الايجابى لانتخابه من خلال ما تضمنه خطاب القسم بالنسبة للانفتاح على العالم الإسلامى، ثم من خلال الخطاب الشهير الذى ألقاه فى جامعة القاهرة. وهو ما جدّد التأكيد عليه فى الأسبوع الماضى عندما جدد الإعلان بأن الولايات المتحدة لن تكون أبدا فى حالة حرب مع الإسلام.

وتمثّل الأمر الثانى بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أهل الأديان والثقافات المختلفة فى العالم، وبدا البعد الايجابى لمبادرته أولا من خلال لقاء مكة المكرمة الذى أجمع فيه العلماء المسلمون من كل المذاهب ومن كل الأقطار على ضرورة الحوار وأهميته، وثانيا من خلال مؤتمر مدريد الذى جمع بين ممثلين عن كل الأديان والثقافات تحت مظلة هذه المبادرة، وثالثا من خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك وتبنيها للمبادرة.

ومن خلال هذين الأمرين تلوح فرصة جديدة تمكن العالم الإسلامى من الانتقال من موقع المتهم (بفتح الهاء) إلى موقع الشريك الفعلى فى العمل على اجتثاث الإرهاب وذلك من خلال اعتماد مبدأ احترام الاختلافات والتعاون بين المختلفين.

لقد دفع العالم الإسلامى ثمنا باهظا للعمليات الإرهابية التى ارتكبت باسمه قبل 11 سبتمبر 2001 وبعده، وزاد من فداحة هذا الثمن الاتهامات الظالمة التى وجهت إلى الإسلام والتى تعمّدت تشويه صورته.

ويشير الأمران إلى تغيير فى المقاربة الأمريكية لموضوع الإرهاب، حتى إن الرئيس أوباما أسقط شعار الحرب على الإرهاب من أساسه، كما يشيران إلى انتقال الموقف الإسلامى من المراقبة الحذرة إلى المبادرة الشجاعة.

يكرس النتائج العملية لهذا التغيير بوجهيه، نجاح (أو فشل) مشروع بناء المسجد والمركز الثقافى الإسلامى فى نيويورك. فإذا نجح المتطرفون فى منعه، فإن معنى ذلك، توجيه ضربة جديدة لقيم الحرية التى قامت عليها الولايات المتحدة؛ أما إذا سمح ببناء المسجد فإنه يعنى نجاح التسامح الدينى الذى كاد الإرهاب والرد على الإرهاب بإرهاب مثله يقضى عليه.. مما يؤسس لعودة الولايات المتحدة إلى ذاتها ويمكّن العالم الإسلامى من استعادة صورته غير المشوهة.

محمد السماك كاتب وصحفي لبناني
التعليقات