نواقص السياسة والإعلام.. مأساة التحايل والمزايدة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 5:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نواقص السياسة والإعلام.. مأساة التحايل والمزايدة

نشر فى : الإثنين 26 سبتمبر 2011 - 8:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 26 سبتمبر 2011 - 8:40 ص

جيد أن تتنوع الآراء حول السياسة وقضاياها والأحزاب وبرامجها والشخصيات العامة ومواقفها، وضرورى أن يتم التعبير عن هذا التنوع فى المساحة الإعلامية التقليدية وفى شبكات التواصل الاجتماعى. إلا أن شيئا من الأذى بدأ يصيب بعض المنشغلين بالشأن العام، وأنا منهم، من جراء سطحية شديدة فى تناول بعض القضايا ونزوع نحو ترويج اتهامات واستخدام لغة غير أخلاقية حين الاختلاف مع مواقف بعينها. يزداد الشعور بالأذى حين يتورط فى مثل هذه الحملات ممارسون للسياسة وصحفيون ونشطاء يفترض التزامهم بالمهنية والموضوعية والنزاهة. وبشفافية تامة، أعرض عليكم بعض النماذج لتناول قضايا ومواقف بسطحية وبلغة إتهامية.

 

خلال الأيام الماضية كتبت أكثر من مرة عن أولوية القائمة الوطنية الموحدة للانتخابات البرلمانية التى تجمع أحزاب ومبادرات تأسيس أحزاب التحالف الديمقراطى من أجل مصر والكتلة المصرية وبعض الأحزاب الأخرى وأوضحت أن القائمة الوطنية باتت فى ظنى ضرورة يفرضها خطر عودة الحزب الوطنى المنحل إلى البرلمان وتحتمها أهمية الوصول إلى برلمان به كتلة وطنية متماسكة (وسط حقيقى كما أسميتها) تنهض بالعمل التشريعى والرقابى وتحدد جدولا زمنيا لنقل السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة للمدنيين. بدلا من الاختلاف مع هذا الطرح بتحفظات موضوعية أو بطرح بديل، توالت الاتهامات بأننى وشخصيات عامة أخرى فى أحزاب ليبرالية ويسارية نرفع الرايات البيضاء للإخوان المسلمين ونساومهم على مقاعد برلمانية لنا ونضحى فى سبيل هذا بالدولة المدنية والديمقراطية. كذلك توالت التعبيرات الاستعلائية من بعض المنتسبين إعلاميا للساحة الإسلامية بأن الليبراليين الضعفاء يستجدون الإسلاميين بضعة مقاعد فى البرلمان. هكذا تناول البعض قضية محورية فى السياسة المصرية اليوم بمثل هذه السطحية وقد كان فى استطاعتهم (ومازال إن أرادوا) أن يقدموا طرحا نقديا حقيقيا يعتمد (وأساعدهم هنا) على أن القائمة الموحدة ستصنع مناخا سياسيا رماديا تختفى مع اختلافات الإسلاميين والليبراليين واليسار وربما تحول بين الناخبات والناخبين وبين ممارسة حرية الاختيار وتفضيل البرنامج الليبرالى أو الإسلامى أو غيره فى الانتخابات. وتلك تحفظات جوهرية واجهت شخصيا وفى حوار مع الذات صعوبات أخلاقية وسياسية فى الرد عليها ولم أتمكن من الرد إلا بعد الاقتناع بأولوية البرلمان المتماسك خلال الأعوام الخمسة القادمة وبخطورة برلمان مفتت وضعيف وبهدف نقل السلطة للمدنيين كهدف وطنى مشترك. وهذا فى النهاية هو اقتناعى غير الملزم إلا لمن شاركنى به ومع كامل الاحترام لمن يختلف ويتحفظ لأسباب جوهرية.

 

الأخطر من هذا أن بعض الحزبيين والنشطاء تورط فى المزايدة الفجة على طرح القائمة الوطنية الموحدة بإتهامى وآخرين بالتخلى عن هدف الدولة المدنية، دولة المواطنة والديمقراطية والقانون والدستور، وبالمساومة على ضمانات المساواة التى نحتاجها جميعا وبصورة خاصة غير المسلمين بين المصريات والمصريين. والحقيقة أن مثل هذه المزايدات لعب بالنار وتوظيف يبنغى أن ينبذ للملف الطائفى وتخويف للمصريين المسيحيين وغير المسلمين لن يدفعهم إلا للابتعاد وترك الساحة العامة والسياسية. لا مساومة على الإطلاق على ضمانات المساواة ولن يعلن عن قائمة موحدة دون التزام كامل بهذه الضمانات ودون إعلانها فى الوثيقة المكونة للقائمة وتوقيع كل الأطراف عليها. ومن أراد أن يعترض على القائمة، إن خرجت للنور، فليفعل بنزاهة ودون لعب بالنار.

 

كتبت أيضا أيضا أكثر من مرة عن المصاعب التى تواجهها الأحزاب المختلفة، القديمة والجديدة، ورأيت أن هذا من واجبى تجاه الرأى العام ولتحفيز الأحزاب على مواصلة العمل للتغلب على غياب الجماهيرية وضعف الوجود الشعبى والبناء التنظيمى. ولا عيب فى ذلك على الإطلاق، فانفتاح الحياة السياسية لم يبدأ إلا بعد 11 فبراير 2011. فما كان من بعض الكتبة فى صحف بعض الأحزاب، وبدلا من التناول والتفنيد الموضوعى، إلا ممارسة الهجوم الشخصى وترويج إتهامات من شاكلة «هبوطى بالبارشوت على السياسة المصرية» وتصنيفى فى خانة متلقى الدعم من الغرب وغير ذلك من أمور تافهة وسطحية وغير صحيحة. حديث عهد بالممارسة السياسية نعم كغيرى فى مصر، لكنى متابع ومراقب وفاعل بالكتابة حول السياسة من سنوات. عملت فى مؤسسة بحثية عالمية مقرها الولايات المتحدة ويزهو كل أكاديمى بالعمل بها نعم، إلا أننى أبدا لم أكن من متلقى الأموال ولا الدعم من الغرب، لا سياسيا ولا ماليا. أما آن لهذا الهراء، هراء الجهلاء، أن يتوقف وأن نرتفع جميعا لمسئولية اللحظة الراهنة؟

 

هذه دعوة للنزاهة والموضوعية حين الاختلاف السياسى وللامتناع عن المزايدة، فليست هذه لحظتها. كل منا يجتهد ويطرح رؤاه وتصوراته دون ادعاء بأنها أو أنه تمثل أو يمثل الثورة أو الديمقراطية أو الدولة المدنية. اجتهادات يبنغى التحاور حولها دون اتهامات أو تخوين. الثورة ليست «سبوبة» والتحول الديمقراطى أمل له الكثير من الطرق.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات